شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"اسم ديغول أولى بالإزالة"... نزع اسم عبد الناصر عن أكبر شوارع نواكشوط يثير الجدل في موريتانيا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 20 يناير 201902:49 م
في خطوة مثيرة للجدل، قام المجلسان البلديان في مقاطعتي تفرغ زينة ولكصر، في العاصمة الموريتانية نواكشوط، بالمصادقة على تغيير اسم أكبر شوارع العاصمة نواكشوط، والذي يحمل اسم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، مقترحين تسميته بـ"شارع الوحدة الوطنية". وتأتي هذه الخطوة في سياق مسيرة مثيرة للجدل، نظمتها الحكومة الموريتانية في التاسع من يناير، بهدف ما قالت إنه مواجهة العنصرية والكراهية والخطاب المتطرف في موريتانيا، معلنةً ذلك اليوم يوماً للوحدة الوطنية. وأتت مصادقة المجلسين البلديين، بناءً على طلب من سلطات الوصاية على البلديات في وزارة الداخلية، وذلك خلال دورة استثنائية عقداها في 14 يناير، ولم يعرف الموريتانيون بالأمر إلا في 19 يناير. ولكن تغيير اسم الشارع لا يزال يحتاج إلى مصادقة وزير الداخلية ليصير نافذاً. ويُعتبر شارع جمال عبد الناصر الذي يقع شرقه في بلدية لكصر وغربه في مقاطعة تفرغ زينة أكبر شوارع العاصمة نواكشوط وأقدمها وأكثرها حيوية، إذ تقع على جنباته مقرات المصارف وبعض المؤسسات الحكومية ومبنى الإذاعة وقصر العدل، وينتشر فيه الباعة المتجوّلون، ويحتضن أحياناً احتجاجات شعبية، وكان شاهداً على الكثير من مراحل التاريخ الموريتاني، وسمّي باسم الرئيس المصري الراحل منذ السنوات الأولى لاستقلال موريتانيا.

"اسم شارع ديغول أولى بالتغيير"

لم تلقَ خطوة تغيير اسم الشارع الكثير من الترحيب من طرف النخب الموريتانية، من سياسيين وصحافيين وناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، باختلاف مشاربهم. وكان للقوميين كلمتهم، فقد أصدرت حركة الطليعة التقدمية، وهي حركة قومية ذات ميول ناصرية، بياناً ندد فيه بتغيير اسم الشارع، واعتبر أن الإجراءات ذات الصلة "غير مسؤولة" و"تصرفاً مخزياً يدخل ضمن نطاق محاربة الذاكرة الجمعية للشعب الموريتاني"، كما أكدت اللجنة الوطنية لمقاومة التطبيع تمسكها ببقاء تسمية الشارع الحالية. واعتبر رئيس الطليعة التقدمية أحمد حمنيه أن "جمال عبد الناصر يمثل الكثير للموريتانيين، كغيرهم من الشعوب العربية والإفريقية، لأنه رمز تحرري كبير ولديه أيضاً أفضال على الشعب الموريتاني، كدخولنا إلى الجامعة العربية، كما أمدّ الموريتانيين بالكثير عن طريق المراكز الثقافية". وأضاف لرصيف22 أن "تغيير اسم الشارع محيّر لأنه يأتي في ظل ذكرى ميلاد عبد الناصر الـ101، ولا ندري لماذا تم هذا التغيير، فهناك شوارع كثيرة تمثّل الاستعمار الفرنسي وتمثل الطابع الفرنكوفوني البغيض المعادي لحضارة وهوية هذا الشعب وكان بالإمكان تغييرها هي، خاصة أن النظام يرفع شعار المقاومة". وتابع أن "استهداف عبد الناصر في هذه الفترة غير مفهوم، ونحن أصدرنا بياناً واتصلنا بجهات مختلفة وسنقوم بتنظيم احتجاجات ووقفات، وندرس القيام بخطوات أخرى مقبلة". من جانبه، عبّر النائب المعارض محمد لمين ولد سيدي مولود عن أسفه لهذه الخطوة، وقال لرصيف22: "بالنسبة إلى تغير اسم شارع الرمز الراحل جمال عبد الناصر، أعتقد أنها خطوة من خطوات هذا النظام لمحو آثار كل الرموز التي سبقته، بدءاً من العلم إلى النشيد إلى أسماء الشوارع، وهي عقدة تلاحق بعض المستبدين وبعض الحكام الذين يريدون تغيير كل شيء واختزال كل شيء في فتراتهم". وأضاف: "إذا كان الهدف هو تسمية شارع باسم الوحدة الوطنية، هنالك عدة شوارع، حتى أن هناك شوارع تمّت تسميتها على أسماء رموز غربية وشوارع بلا تسمية أصلاً". وبرأيه، فإن "الخطوة لم تكن موفقة، لأن عبد الناصر رمز من رموز الأمة العربية وله مكانته الكبيرة وهذا الشارع أصبحت له رمزية وتغيير اسمه الآن هو محو للذاكرة واختزال لكل شيء في الحاكم الفرد، وهذه سمة استبدادية". وبدوره، قال الناشط في حزب تواصل، وهو حزب إسلامي محسوب على الإخوان المسلمين، محمد فاضل حميلي لرصيف22 إن "الذاكرة المجتمعية ينبغي أن تُحترم وألا يجري العبث بها بهذه الطريقة الارتجالية، وما يقوم به هذا النظام مجرد لعبة إلهاء تُترجم الفشل الذي يتخبط فيه منذ انقلاب الجنرال (الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز) قبل عشر سنوات". وأضاف: "هنالك أمور كثيرة ينبغي أن تُمنح الأولوية في أجندة النظام قبل تغيير أسماء الشوارع، وهنالك شوارع تحمل أسماء مستفزة كشارع (الرئيس الفرنسي الأسبق شارل) ديغول وهي أولى بالتغيير من اسم شارع جمال عبد الناصر". كذلك، رفض الناشط الموريتاني ناصر بيبة تغيير اسم الشارع وقال لرصيف22: "أنا ضد تغيير اسم أكبر شوارع العاصمة نواكشوط في هذه الفترة بالضبط، وخاصة الاسم المقترح، لأن هذا التغيير يأتي في إطار محاولة النظام الحاكم تغيير هوية وثوابت ورموز الدولة الموريتانية لترتبط به كما فعل مع العلم والنشيد".
جدل حول تغيير اسم شارع جمال عبد الناصر في العاصمة الموريتانية نواكشوط... "الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله ليس محل اتفاق وله مؤيدوه ومنتقدوه، ولم يشتهر حكمه بحماية الحريات وقبول الآخر، ولكنه مع ذلك كان زعيماً وطنياً وتحررياً"
جدل حول تغيير اسم شارع جمال عبد الناصر في العاصمة الموريتانية نواكشوط... "لو كان لي شيء من الأمر لأسميت على اسمه زنقة بسيطة ومتربة في حي قصي... رحمه الله كان خطيباً فاشلاً، وأباً لكل الخيبات والهزائم المنكرة"
وعام 2017، غيّر النظام العلم والنشيد الوطني الموريتاني، وسط غضب شعبي. ورغم أن مجلس الشيوخ أسقط التعديلات، إلا أن الرئيس فرضها عبر استفتاء شعبي اعتبره كثرون مخالفة للدستور، وقال معارضون إنه جرى تزوير نتائجه. وتابع بيبة: "تغيير اسم الشارع ليحمل اسم شخصية وطنية هو شيء مقبول ومحلّ إجماع، لكن ليس أن يتم تغييره ليحمل اسم مسيرة لم تكن محل إجماع ورفضت معظم مكونات البلاد المشاركة فيها"، في إشارة إلى مسيرة الحكومة التي نُظّمت في التاسع من يناير، ووُجهت لها اتهامات بأن الهدف منها القفز على حقوق الطبقات المهمشة، واعتبر كثيرون أن شعاراتها تمس الوحدة الوطنية كونها تصف مطالب شريحة الحراطين (أحفاد العبيد السابقين) التي تطالب برفع الظلم التاريخي عنها بالعنصرية. تغيير اسم الشارع لم يرق كذلك لمحمد جميل ولد منصور، الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، فكتب على صفحته على فيسبوك: "ليس من المناسب أن نتعامل مع كل ما ورثناه من تاريخ الدولة الوطنية بعقلية التغيير والتغيير فقط، هناك أمور ورموز وأسماء تعوّد الناس عليها وليس من اللائق محو هذه الذاكرة والإساءة للمناسبات التي أفرزتها. أسماء الشوارع تعبّر عن استحضار لحظات تنتمي إلى وقتها وزخمها وليس وارداً محاكمتها خارج سياقها وزمنها". وأضاف ولد منصور: "الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله ليس محل اتفاق وله مؤيدوه ومنتقدوه، صارع البعض وصارعه البعض، لم يشتهر حكمه بحماية الحريات وقبول الآخر، ولكنه مع ذلك كان زعيماً وطنياً وتحررياً طبع مرحلة من تاريخ العرب والأفارقة، وليس مناسباً ولا لائقاً تغيير اسم شارع حمل اسمه". وختم: "تستحق الوحدة الوطنية تسمية شارع باسمها بل تسمية غيره باسمها بل تستحق أكثر، ولكن الشوارع كثر والرموز كثر، والاحتفاء بالوحدة الوطنية وإظهار الاعتناء بها مطلوب وملحّ ويمكن أن يجري مع ترك شارع جمال عبد الناصر باسمه".

آخرون يرحبّون

في المقابل، وجدت خطوة تغيير اسم الشارع لها مناصرين ومرحّبين لأسباب مختلفة بعضها يتعلق بموقفهم من عبد الناصر. فقد كتب محمد ولد أمين، الروائي ووزير الإعلام الموريتاني السابق الذي شارك في أول حكومة بعد انقلاب 2008، على فيسبوك: "عبد الناصر رحمه الله ليس محل إجماع لا في مصر ولا في غير مصر... وبالمناسبة فقد كان عسكرياً مصرياً فاشلاً في كل حروبه وكان هو مَن قضى على التعددية في بلاده". وأضاف: "له مناقب كثيرة منها دعمه لحركات التحرر في إفريقيا والعالم... وعلى كل حال لم يكن موقفه من استقلالنا ودياً. بالعكس موريتانيا وقفت معه في محنه... والرئيس المؤسس (المختار ولد داداه) احتفظ له بكثير من الإعجاب والتقدير". وخلص إلى أن "تسمية الشارع الأكبر في البلاد على اسمه لا تليق وفيها ترخيص لتاريخنا وتتفيه لرموزنا، وأظنها خرجت من لحظة عاطفية جداً جداً". وأضاف ولد أمين: "أعتقد أنه يكفيه جزء من هذا الشارع الذي هو في الحقيقة سلسلة شوارع متواصلة، ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة شوارع... ولو كان لي شيء من الأمر لأسميت على اسمه زنقة بسيطة ومتربة في حي قصي... رحمه الله كان خطيباً فاشلاً، وأباً لكل الخيبات والهزائم المنكرة!". وفي حديث لرصيف22، قال بطل موريتانيا للشطرنج سيدي ولد بيديه: "أنا مع القرار طبعاً، فهذه التسيمة لا تحمل أي بعد رمزي ذي قيمة، لا في تاريخ الدولة الموريتانية ولا في التاريخ العربي. الرمز الذي تحيلنا إليه هذه التسيمة هو رجل عاش مهزوماً ومات دكتاتوراً قاتلاً، بسط وجذّر الدكتاتورية والقمع في العصر الحديث. هو مجرد بالون منفوخ وصاحب خطابات فارغة، والنتيجة دحرته إسرائيل وزاد التنكيل بشعبه. هو زعيم لم يفز بأيّة حرب فأي بعد تاريخي نتحدث عنه إلا إذا كان بعد النكسات؟".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard