شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
صفراء في باريس …حمراء في تونس ...شتاء

صفراء في باريس …حمراء في تونس ...شتاء "سترات الغضب” يعصفُ غرباً وشرقاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 15 ديسمبر 201803:04 م

فيما يواصل حراك "السترات الصفراء" في فرنسا احتجاجاته السبت للأسبوع الخامس على التوالي وسط مخاوف من احتداد العنف، أعلنت مجموعة من الناشطين في تونس إطلاق حراك مماثل لكن باسم "السترات الحمراء"، كحركة احتجاجية سلمية تهدف أساساً إلى مطالبة الحكومة بتوفير مواطن شغل للمعطلين عن العمل و"تحسين الأوضاع الاقتصادية” بحسب ما أعلنه منظمو الحراك في مؤتمر صحافي الجمعة في تونس.

وبالتزامن مع ظهور الحراك الفتيّ في بلد لم تتوقف فيه الاحتجاجات الاجتماعية منذ ثورة 2011،  صادرت الوحدات الأمنية في صفاقس (جنوب تونس) الجمعة 50 ألف "سترة حمراء" و2000 "سترة صفراء" عثر عليها بمخزن على ملك رجل أعمال بالمدينة، فقبض على صاحب المخزن وبدأت السلطات التحقيق معه.

وتمت مداهمة المخزن بعد بلاغ يفيد بدخول تونس شحنةٌ من السترات الحمراء لتوزيعها على محتجّين الأيام القليلة القادمة، فيما أوضح رجل الأعمال أصاحب المستودع أن "الصفقة" وصلت من الصين إلى الميناء التجاري بصفاقس قبل 3 أشهر، ولا علاقة لها بالاحتجاجات المزعومة، وفق ما نقلته عنه وسائل إعلام محلية.

مطالب السترات الحمراء

قبل أيام، أصدرت حركة "السترات الحمراء"  بيانها التأسيسي عبر صفحتها في فيسبوك، يتابعها أكثر من 6 آلاف شخص، قالت فيه:  "بعد مرور حوالي ثماني سنوات من حراك 17 ديسمبر 2010 - 14 يناير 2011 (وهي انتفاضة تونس ضد حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي) لم يجد التونسيون سوى الفشل والفساد وغلاء المعيشة و البطالة و سوء الإدارة و الهيمنة على مفاصل الدولة، نعلن رسمياً، نحن مجموعة من الشباب التونسي، تأسيس حملة السترات الحمراء لإنقاذ تونس".

وشدد البيان على أن  "السترات الحمراء” منفتحة على جميع مكونات المجتمع قائلاً عن الحملة إنها: "حملة وطنية شبابية خالصة مفتوحة للعموم ومنفتحة على الجميع وتعد استمرارية لنضال الشعب التونسي و خطوة لاستعادة التونسيين كرامتهم و حقهم في العيش الكريم الذي سلب منهم".

كما لفت القائمون على الحراك إلى التأكيد على “الالتزام بالاحتجاج المدني السلمي في التعبير عن الرأي و رفض الواقع السائد”.

وعقد منظمو الحراك، الجمعة، مؤتمراً صحافياً، أعلن خلاله رياض جراد، أحد المؤسسين، تكوين 9 تنسيقيات جهوية و53 تنسيقية محلية، كما كشف عن  22 مطلباً لحراكهم تستهدف تحسين مستوى العيش المتدهور وتتدرج من المطالبة بفرص عمل للمعطلين عن العمل إلى إلغاء الترفيع في أسعار المواد الغذائية المطرد منذ سنة 2011 والتنمية وإصلاح منظومتي التعليم والصحة وزيادة الحد الأدنى للأجور إلى 600 دينار تونسي  (200 دولار تقريباً) والترفيع في الأجر الأدنى للتقاعد إلى 400 دينار.

شدد البيان على أن "السترات الحمراء” منفتحة على جميع مكونات المجتمع قائلاً عن الحملة إنها: "حملة وطنية شبابية خالصة مفتوحة للعموم ومنفتحة على الجميع وتعد استمرارية لنضال الشعب التونسي و خطوة لاستعادة التونسيين كرامتهم و حقهم في العيش الكريم الذي سلب منهم".
في مصر، فرضت السلطات الأمنية قبل أسبوع منعاً مشدداً لبيع وتداول السلطات الصفراء، قبيل ذكرى ثورة يناير 2011. وبلغ الرعب الأمني المصري ذروته عقب إلقاء القبض على محامي حقوقي يدعى محمد رمضان لارتدائه سترة صفراء نشر صورة له بها عبر فيسبوك.
هل يحقق هذا الحراك الطموح والحماسي مبدئياً مطالبه التي عجزت الأنظمة التي خلفت بن علي في تحقيقها؟ وماذا يفعل الحاكم بهذا الحراك؟ هل يموت الحراك بسرعة أم أن عمره أطول مما يعتقد بعض المراقبين حين وصفوه بـ “موضة” وستمر؟ أسئلة عديدة تنتظر الإجابة في الأيام القادمة.

خوف في مصر ومحاكاة في البصرة

تلونت السترات الصفراء لتكتسب اللون الأحمر في تونس، لكن حراك السترات الحمراء الذي يحاكي شتاء الغضب في فرنسا، لا يمكن اعتباره استثنائياً أو مصدراً للغضب الشعبي على تردي المعيشة، فالاحتجاجات لم تنقطع في تونس منذ اندلاع ثورة 2010-2011 لكن السياق العالمي له تأثيره في بلد قريب ثقافياً ولغوياً مما يحدث في فرنسا، لا سيما في صفوف شبابه. حراك “السترات الصفراء " بدأ في أنحاء فرنسا 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، وألهم عدة شعوب في الغرب (بلجيكا، هولندا…) لا سيما عقب رضوخ السلطات الفرنسية لمطالب الحركة بإلغاء زيادة الضرائب على الوقود وتعريفة الغاز والكهرباء، مع وعود بإجراءات "قوية" لتحسين ظروف المعيشة والحد الأدنى للأجور حسب ما قاله الرئيس إيمانويل ماكرون الاثنين الماضي في أول خطاب له منذ اندلاع الحركة.

السترات الصفراء انتشرت من فرنسا إلى هولندا وبروكسل، والأرجنتين، بل وظهرت وإن كان ذلك بشكل محتشم في بعض الدول العربية (العراق)، حيث يقاوم المواطن لتوفير قوت يومه في ظرف اقتصادي خانق.

وخوفاً من محاكاة الاحتجاجات خلال ذكرى ثورة يناير2011 في مصر، فرضت السلطات الأمنية قبل أسبوع منعاً مشدداً لبيع وتداول السلطات الصفراء، قبيل ذكرى ثورة يناير 2011. وبلغ الرعب الأمني المصري ذروته عقب إلقاء القبض على محامي حقوقي يدعى محمد رمضان لارتدائه سترة صفراء نشر صورة له بها عبر فيسبوك.

أشعل حراك " السترات الصفراء" أيضاً حماس متظاهري البصرة العراقية الذين يطالبون، منذ أشهر، بتحسين ظروف محافظتهم، وظهر المئات منهم الجمعة 6 ديسمبر/ كانون الأول، مرتدين السترات الفوسفورية ذاتها عقب فترة من الهدوء النسبي في المدينة.

وربما أراد المحتجون بارتداء السترات الصفراء إثارة انتباه الرأي العام الدولي لمطالبهم والتأكيد على "عزمهم المضي في طريق الاحتجاج حتى تلبية مطالبهم" كما الفرنسيين، كما ارتفع سقف المطالب لإقالة المحافظ. ورجح مراقبون تصاعد الاحتجاجات وانتقالها إلى محافظات عراقية أخرى، خاصةً مع زيادة التوتر السياسي بسبب الاستقرار على مرشحي الوزارات الشاغرة.

هل ينجح الحراك في تونس؟

"الإجابة دائماً تونس"، هكذا يردد بعض أنصار الثورات العربية، في إشارة إلى أن تونس كانت سباقة في الثورة في ديسبمر 2010 حين انافضت ضد حكم بن علي، ثم نجاحها في الانتقال السلمي للسلطة، ومعاقبة رموز النظام الفاسد، وغيرها من الإنجازات السياسية، ما يجعل الأنظار تلتفت إليها مجدداً لمراقبة ما تسفر عنه حركة "السترات الحمراء”. هل يحقق هذا الحراك الطموح والحماسي مبدئياً مطالبه التي عجزت الأنظمة التي خلفت بن علي في تحقيقها؟ وماذا يفعل الحاكم بهذا الحراك؟ هل يموت الحراك بسرعة أم أن عمره أطول مما يعتقد بعض المراقبين حين وصفوه بـ “موضة” وستمر؟ أسئلة عديدة تنتظر الإجابة في الأيام القادمة.

المؤشرات ربما تكون غير واضحة بصورة كافية، إلا أن تونس تعاني أوضاعاً اقتصادية متردية منذ 2011، عجزت الحكومات المتعاقبة عن تحسينها، خاصة مع ضغوط المقرضين الدوليين (البنك الدولي) لفرض إصلاحات تهدف إلى خفض العجز في الميزانية وإصلاح المالية العامة، من خلال تثبيت الأجور ورفع الضرائب، ربما لا يستطيع اقتصادها استيعاب كل هذه المطالب.

وكشف إحصاء حديث نشرت نتائجه في نوفمبر أن عدد الفقراء في تونس بلغ مليوناً و700 ألف فقير في بلدٍ تعداد سكانه لا يتعدى 11 مليون شخص، مع تراجع مستوى عيش التونسي بنسبة 40%، منذ عام 2014، بسبب تدهور قيمة الدينار، الذي فقد 60% من قيمته مقابل العملات الأجنبية خلال أربع سنوات.

كما أظهرت إحصاءات المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية في نوفمبر كذلك أن 60% من الأسر في تونس تجد نفسها مثقلة بالديون، و50% من القروض موجهة بالأساس إلى الاستهلاك في غياب الادخار العائلي.

وتضيف حركة "السترات الحمراء" ضغوطاً على حكومة يوسف الشاهد، الذي فشل، حتى الآن، في تهدئة احتجاجات الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية في البلاد)، حيث دخل قرابة 650 ألف موظف حكومي في تونس في إضراب عام، يوم 22 نوفمبرالماضي، شمل المدارس والجامعات والمستشفيات العامة والوزارات. وأغلقت المدارس والجامعات والمعاهد، فيما حافظت بعض الخدمات على الحد الأدنى لتسيير العمل.

كما يضغط المعلمون والأساتذة من جهة أخرى لتحسين أوضاعهم ويهددون بالإضراب عن العمل، ما لم يتم بتحسين وضعهم المالي وتنظيم قطاع التعليم وتنفيذ القرارات التي تم الاتفاق بشأنها سابقاً مثل الترقيات والمنح المالية.

وقال الكاتب العام للنقابة العامّة للتعليم الثانوي لسعد اليعقوبي، يوم 6 ديسمبر الجاري في صفحته في فيسبوك: " أصحاب "السترات البيضاء"، في إشارة إلى المعلمين، جاهزون للاحتجاج، إذا تم المساس من أجور المدرسين وحرمانهم من رواتبهم وتجويع أبنائهم، "فإن ثمن الجوع لن يكون إلا الشارع” على حد قوله.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard