شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"أخبر رئيسك أن المهمة انتهت"...  من استمع لتسجيلات اغتيال جمال خاشقجي، ومن لم يستمع؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 13 نوفمبر 201804:28 م
تقاطعت سُبل أجهزة الاستخبارات العالمية في قصة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مثل خيوط العنكبوت في ما يشبه فصلاً مثيراً من رواية تجسس. قبل إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أنقرة تمتلك "تسجيلاتٍ" مهمةً عن الاغتيال، قالت صحفٌ تركية إن عملية الاغتيال كانت مسجلةً، بل أخبرتنا بالتفصيل ماذا حدث وكيف، لكن طوالَ الأسابيع التي تلت يوم 2 أكتوبر 2018، تكاثفت المزايداتُ والتخمينات ثم انضاف إليها عنصرٌ جديد: تبادل التكذيب بين أنقرة وعاصمةٍ أخرى ….العاصمةُ المقصودة ليست الرياض، يا للمفاجأة. ما هي العاصمة التي كذّبت أنقرة؟ نحن فعلاً أمام فصولٍ لاتنتهي من التعقيد، لكن وسط كلِّ هذا لم تخبرنا تركيا رسمياً عن ماهية هذه التسجيلات، ما يضيعُ خيطَ القصة الأول ويضفي مزيداً من الإطالة والتعقيد، على قصة معقدةٍ أصلاً لرجل قُتل واختفت جثتُه… جثةٌ قيل إنها أذيبت. التسريباتُ الإعلامية في الصحف التركية كما الأمريكية ما انفكت تتحدث في كل مرةٍ عن حصول جهاز الاستخبارات الفلاني على تسجيلاتٍ بالصوت والصورة لما حدث في تلك الغرفةِ الباردة مثل الموت يوم 2 أكتوبر. من استمع لتلك التسجيلات؟ ومن لم يستمع؟  حديث أنقرة عن أنها تمتلك تسجيلاتٍ مهمةً يمكن أن تنهي الجدلَ المثار حول العملية من دون أن تقدمها للرأي العام يطرح أسئلةً عدة، منها، ماذا جاء تحديداً في هذه التسجيلات؟ وهل فعلاً يدين محتواها وليَّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؟ وما هي الدول التي استمعت لها بشكلٍ مؤكدٍ حتى اليوم؟ وهل هدفُ أنقرة هو حقاً البحث عن "الحقيقة" في ما حدث لخاشقجي أم أنها تستخدم ما بحوزتها لمساومة أو ابتزاز المملكة العربية السعودية؟

ماذا جاء في التسجيلات؟

قد لا يمكننا -حتى الآن على الأقل- معرفة كل ما جاء في التسجيلات بشكل جازم فتركيا لم تعلن عن فحواها رسمياً، لكن بعض التسريباتِ الإعلامية التي تحدثت عن هذه التسجيلات، يمكن أن تعطينا فكرةً عمّا جاء فيها، منها على سبيل المثال ما أعلنته وكالة رويترز يوم 13 نوفمبر نقلاً عن مصدرين لم تسمهما لكنها اكتفت بالقول إنهما على درايةٍ بالأمر، واللذين قالا للوكالة إن التسجيلات تشمل عمليةَ القتل نفسها ومحادثاتٍ قبلها، وهو ما جعل أنقرة منذ البداية ترى أن القتلَ كان مدبراً رغم نفي السعودية بادئَ الأمر أيَّ علمٍ لها بذلك. لكن الأكثر أهميةً هو ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز، يوم 12 نوفمبر، حين ذكرت بعضَ تفاصيل فحوى التسجيلات، منها أن العقيد السابق في المخابرات السعودية ماهر عبد العزيز مطرب، أجرى اتصالاً بأحد المسؤولين السعوديين بعد مقتل خاشقجي، وقال له: "أخبر رئيسك أن المهمة انتهت". أضافت الصحيفة الأمريكية أن المكالمةَ التي أجراها مطرب، أحد السعوديين الـ15 الذين قدموا إلى إسطنبول من أجل اغتيال خاشقجي، دارت باللغة العربية، وأن المقصودَ من كلمة "رئيسك" التي ذكرت في التسجيلات، هو وليُّ العهد السعودي محمد بن سلمان. وبحسب الصحيفة فإن الشخص الذي تحدث معه مطرب، هو أحد مساعدي ولي العهد بن سلمان. لكن الصحيفةَ أشارت إلى أن اسم محمد بن سلمان لم يرد في التسجيل الصوتي المذكور، صراحة، وهو ما قد يجعل التسجيلاتِ ليست دليلاً قاطعاً على صلة ولي العهد بجريمة الاغتيال. التسجيلات التي كشفت بعضَ تفاصيلها الصحيفةُ بينت أيضاً أن خاشقجي قد قُتل فورَ دخوله قاعةَ القنصلية السعودية في إسطنبول حيث كان الفريق الأمني في انتظاره، وهو ما يعني أن القتل كان مخططاً له. الأمر الثاني المهم ما ذكره الرئيس التركي نفسه بشأن التسجيلات، ففي يوم 13 نوفمبر، نقلت وسائل إعلام تركية عن أردوغان قوله إن التسجيلات "مروعةٌ حقاً" وأنها تسببت في إصابة ضابط في المخابرات السعودية بالصدمة عند استماعه لها. لكن لماذا هي مروعة؟ لم يخبرنا الرئيس التركي أكثر.

من استمع للتسجيلات حتى الآن؟

في العاشر من نوفمبر قال الرئيس التركي لأول مرة إن بلاده سلّمت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا التسجيلاتِ المتعلقة باغتيال الصحافي السعودي، مضيفاً "قدمنا الأشرطة للسعودية والولايات المتحدة والألمان والفرنسيين والبريطانيين، وجميعهم استمعوا لكل المحادثات.. إنهم يعلمون". وكانت رويترز قد أكدت في وقت سابق نقلاً عن مصدرين لم تسمهما أن جينا هاسبل مديرةُ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سمعت تسجيلاً صوتياً بشأن مقتل خاشقجي عندما زارت إسطنبول في أكتوبر الماضي. كما صرح مصدرٌ مطلع على هذا الموضوع للوكالة بأن مبعوثاً سعودياً رفيع المستوى استمع أيضاً للتسجيل. لكن لم تصدر بياناتٌ رسميةٌ سواء من الولايات المتحدة أو من السعودية تؤكد أن البلدين استمعا بالفعل للتسجيلات. وبعد حديث أردوغان بيومين، تحديداً يوم 12 نوفمبر قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن المخابرات الكندية استمعت للتسجيلات، مضيفاً أنه يبحث مع حلفائه الخطوات التالية التي يتعين اتخاذها. لكن ترودو أضاف أنه شخصياً لم يستمع لتلك التسجيلات ولا يعرف ما جاء فيها، مؤكداً أن المخابرات الكندية تعمل مع المخابرات التركية في هذه القضية، "وكندا مطلعةٌ تماماً على ما لدى تركيا" بحسب تعبيره. وفيما يتعلق بألمانيا فقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نقلاً عن مسؤول ألماني بارز لم تُسمِّه أن "جهاز الاستخبارات الفيدرالي الألماني استمع إلى تسجيل خاص بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي خلال زيارة إلى أنقرة"، موضحاً أن التسجيل "كان مُقنعاً للغاية"، بحسب قوله. أما بريطانيا فلم تؤكد أو تنفي إذا كانت حصلت على التسجيلات، كما لم تنشر الصحف البريطانية تفاصيلَ عن فحواها، لكنها أوفدت أمس مسؤولاً إلى الرياض ( هو وزير الخارجية جيرمي هانت) للاستطلاع عن الموضوع وقبله بساعات أوفدت المبعوثَ الخاص لرئيسة وزراء بريطانيا سايمون ماكدونالد للقاء ولي العهد.
رغم تأكيد الرئيس التركي أن مخابراتِ بلاده سلمت فرنسا نسخةً من التسجيلات إلا أن فرنسا كذّبت ذلك بشكل رسمي، وقال وزير خارجيتها: "الأمر يعني أن أردوغان يلعب لعبةً سياسية في هذه الظروف"
حديث أنقرة عن امتلاكها تسجيلاتٍ مهمةً يمكن أن تنهي الجدلَ المثار حول اغتيال خاشقجي من دون أن تقدمها للرأي العام يطرح أسئلةً عدة.. ماذا جاء تحديداً في هذه التسجيلات؟ وهل فعلاً يدين محتواها وليَّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؟ وما هي الدول التي استمعت لها بشكلٍ مؤكدٍ حتى اليوم؟

سجال بين فرنسا وتركيا

رغم تأكيد الرئيس التركي أن مخابراتِ بلاده سلمت فرنسا نسخةً من التسجيلات إلا أن فرنسا كذّبت ذلك بشكل رسمي، الاثنين، حين أكد وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لا دوريان أنه على حدّ علمه فإن بلاده لم تحصل على نسخة من تلك التسجيلات. وعندما سُئل عما إذا كان ذلك يعني أن أردوغان كان يكذب، قال لو دريان "الأمر يعني أنه يلعب لعبةً سياسية في هذه الظروف". حديث لو دوريان أثار غضبَ أنقرة، حيث خرج فخر الدين ألتون، المدير الإعلامي للرئاسة التركية، قائلاً بلهجة حادة إنه "من غير المقبول أن يتهم الرئيسَ التركي بأنه يلعب لعبة سياسية"، مضيفاً: "دعونا لا ننسى أن هذه القضية كان سيتم التستر عليها دون الجهود التركية الحثيثة". أما وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، فقد وصف اتهام  نظيره الفرنسي، لأردوغان بالتلاعب السياسي بـ"الوقاحة الكبيرة"، وأشار إلى أن لو دوريان لا يقول الحقيقة بشأن عدم اطلاع فرنسا على التسجيلات الخاصة بمقتل خاشقجي، وتساءل عما إذا كانت باريس تتستر على الجريمة مقابل صفقات مع السعودية، على حد تعبيره. أضاف أوغلو أن لو دوريان "تجاوز حدودَه"، بالاتهامات التي وجهها لأردوغان، وطالبه بتعلم طريقة التعامل مع الرؤساء وعدم الخلط بين الزعماء الفرنسيين والرئيس التركي. وأكد أوغلو أن أنقرة قدمت التسجيلات للاستخبارات الفرنسية في 24 أكتوبر الماضي، بناء على طلب من باريس. يوم 11 أكتوبر الماضي، قال مصدر أمريكي مسؤول مطلع على الاستخبارات، في تصريحات لسي إن إن، إن الولايات المتحدة اعترضت اتصالات لمسؤولين سعوديين يناقشون خطةً لإعادة الإعلامي السعودي جمال خاشقجي إلى المملكة واعتقاله، قبل تنفيذ مخططهم. بعد وقتٍ قليل من زيارة رئيسة جهاز الاستخبارات الأمريكية جينا هاسبل، إلى تركيا في أكتوبر، حيث التقت بنظرائها في أجهزة الاستخبارات التركية، قال البيت الأبيض إن ترامب يدرس الخياراتِ التي يمكن اتخاذُها على خلفية مقتل خاشقجي. على إثرها أعلن مصدرٌ تركي أن أنقرة أطلعت جينا هاسبل على أدلة تثبت أن جريمة اغتيال خاشقجي تمت بأوامر من جهاتٍ عليا في المملكة العربية السعودية. وقال المصدر إن كافة الأدلة المتعلقة بجريمة القتل اطلعت عليها هاسبل مضيفا: "المسؤولة الأمريكية خرجت بقناعة كاملة بعد الأدلة التي عرضت عليها". الثابت اليوم أن أنقرة تُلوِح بشيءٍ تمتلكه، يعرفه قلّةٌ، وتجهله الأغلبية، فهي في كل مرة تُلقي (عن طريق إعلامها) قنبلةً في طريق الإعلام الأجنبي يسارع إلى تلقفها وإعادة تدويرها، في كمٍّ هائل من التقارير، شدّت الرأي العام شرقاً وغرباً. الثابت أيضاً أن أنقرةَ نجحت في خلق ضجةٍ إعلامية دولية بشأن اختفاء خاشقجي، لكن بعد مرور أكثر من شهر على اغتيال الرجل لم تبُح تركيا بالحقيقة. هي أيضاً تراوغ وتستغل الثغراتِ الكثيرةَ في عملية الاغتيال للضغط على الرياض من خلال الإعلام الدولي، الإعلامُ الذي دون أن يشعر صار بدوره جزءاً من اللعبة وابتلع الطعمَ مراراً، لكنه لم يكشف الحقيقة بل يسير في كل مرةٍ خلف "مصدرٍ ما" يقول إنه يمتلك جزءاً من الحقيقة. متى ينتهي هذا المسلسل؟ ومتى تُكشف الحقيقةُ كاملة؟ فالمزيد من التمطيط يضيع حق الرجل ويستدرج مللَ الرأيّ العام من القصة برمتها، بل يخلق شكوكاً أكثر بشأن مصداقيةِ الجميع.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard