شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
وزير يهودي في حكومة تونس لكنه ليس الأول 

وزير يهودي في حكومة تونس لكنه ليس الأول 

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 6 نوفمبر 201802:42 م
تعديل وزاري شمل عشر حقائب وزارية أجراه مساء الاثنين رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، ومن بين الوزراء المقترحين وزير من أتباع الدين اليهودي، هو رونيه الطرابلسي، الذي كُلف مهمات حقيبة السياحة والصناعات التقليدية، ليصبح أولَ وزير يهودي في حكومة تونسية منذ الاستقلال عام 1956 بعد ألبير بسيس وأندريه باروش اللذين توليا حقائب في حكومة الطاهر بن عمار عام 1955 (حكومة الحكم الذاتي) ثم حكومة الحبيب بورقيبة عام 1956. في الأنظمة الديمقراطية التي تقرُّ بالمساواة بين جميع مواطنيها، ليست الديانةُ حاجزاً أمام تحمل مسؤولية سياسية، بل ليست معياراً لتحمل أي مسؤولية، فالكفاءة هي المعيار، أو هكذا يقال “نظرياً”. رونيه الطرابلسي مواطن تونسي أباً عن جد ووالده رئيس الطائفة اليهودية في تونس، وهو منصب مهم، لكن تعيين وزير يهودي في حكومة عربية في بلد ذي أغلبية مسلمة يعتبر خطوة غير عادية، تحديداً  في الوقت الراهن الذي يتنامى فيه العداء ضد معتنقي الديانة اليهودية في الدول العربية ولو ضمنياً بسبب الخلط بينهم وبين الصهاينة في وقت تتغول إسرائيل مستقويةً بقطار التطبيع الفائق السرعة الذي يربط دولاً خليجية عدة منذ بضعة أسابيع. تعيين وزير من دين يهودي يعتبره بعض المراقبين الأجانب “خطوة شجاعة من تونس”. لكن هذه الشجاعة سبق أن ظهرت قبل ستين عاماً. ينص الفصل 21 من الدستور التونسي على المساواة بين المواطنين والمواطنات دون تمييز فيما يضمن الفصل السادس منه حرية المعتقد والضمير. بعض التعليقات التي ذهبت إلى حد التساؤل عن كيفية أداء رونيه الطرابلسي لليمين (اليمين تُؤدى بالقسم على مصحف القرآن)، نسيت أن القسم هو تعهد أخلاقي بخدمة الوطن أياً كانت ديانة المقسم. فأن يقسم على قرآن أو غيره ليست جوهر القصة، بل المهم هو الالتزام بأداء الواجب إزاء البلد. لكن من هو رونيه الطرابلسي الوزير الذي تسبق ديانته حقيبته الوزارية في بطاقة التعريف به التي تتداولها وكالات الأنباء منذ أمس؟ هو رجل أعمال تونسي يقيم بفرنسا، وهو الرئيس التنفيذي لشركة Royal First Travel السياحية، يمتلك العديد من وكالات الأسفار العالمية وهو من أهم مزودي السياح للسوق المغاربية، وأحد أكبر المشرفين على تأمين جلب الحجاج اليهود في العالم إلى كنيس الغريبة (أقدم كنيس يهودي في أفريقيا) جنوب تونس كلّ عام. رونيه هو ابن رئيس الجمعية اليهودية التونسية بيريز الطرابلسي، وهي أهم مكون جامع لأتباع الدين اليهودي في تونس، تشرف على الاحتفالات الدينية التي تقام سنوياً بكنيس الغريبة في جزيرة جربة جنوب البلاد.

وزيران يهوديان قبل رونيه الطرابلسي…لماذا تأخر التعيين 60 عاماً؟

ستون عاماً مرت على آخر وزير يهودي في الحكومة التونسية. ألبير بسيس (1885-1972) محامٍ سابق، تقلد وزارة الإسكان في حكومة الطاهر بن عمار عام 1955، حين حصلت تونس على حكم ذاتي (قبل استقلال 1956) وانتخب نائباً بالمجلس التأسيسي وكان رئيسه لبعض الوقت عام 1956 بوصفه الأكبر سناً. الوزير اليهودي الثاني كان أندريه باروش وهو من مؤسسي الحزب الشيوعي التونسي، وكان من أبرز وزراء العهد البورقيبي إلى جانب ألبير بسيس، انتخب عام 1956 في المجلس التأسيسي ثم نائباً بالبرلمان عامي 1956 و 1964. بقي بسيس وباروش مثالين يتيمين كتجربة يهود وزراء في حكومة تونسية ستين عاماً، حتى تعيين الطرابلسي وزيراً للسياحة مساء أمس.

حزب النهضة الإسلامي ومرشحه اليهودي

في عام 2011، بعد أشهر قليلة من ثورة يناير التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن علي، ترشح تونسيان يهوديان في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011  وهي الهيئة التي عهدت لها مهمة كتابة دستور تونس الجديد. وخفتت أصوات التمثيل اليهودي في البرلمان، وقد تخللتها شائعات على امتداد السنوات الماضية كانت تردد اسم رونيه الطرابلسي في كل تشيكل حكومي جديد حتى صدقت الرؤيا ليلة الاثنين 5 نوفمبر 2018. وفي مايو-أيار 2018 رشح حزب النهضة الإسلامي سيمون سلامة المواطن التونسي اليهودي (54 عاماً) ضمن قائمة مرشحيه للانتخابات البلدية في المنسيتر (شرق). كانت حركة رمزية قوية، رسالة من حزب ديني إسلامي إلى المكون اليهودي في تونس، رسالة لم تقم بها أحزاب علمانية كثيرة، سارعت إلى اتهام النهضة باستغلال اليهود في الماكينة السياسية. ربما كانت حركة دعاية من النهضة، لكنها كانت حركة ذكية، سحبت بها النهضة البساط من تحت أرجل مدعي احترام التعددية الدينية في الأحزاب اللائكية الذين لم تكن لهم الجسارة الكافية للتفكير بترشيح يهودي حتى لو كان ذلك من "باب الدعاية السياسية".
تعيين وزير من الديانة اليهودية يعتبره بعض المراقبين الأجانب "خطوة شجاعة من تونس". لكن هذه الشجاعة سبق أن ظهرت قبل ستين عاماً.
بعد أشهر قليلة من ثورة يناير 2011، ترشح تونسيان يهوديان في انتخابات المجلس التأسيسي وهي الهيئة التي عهدت لها مهمة كتابة دستور تونس الجديد.
خفتت أصوات التمثيل اليهودي في البرلمان، وقد تخللتها شائعات على امتداد السنوات الماضية كانت تردد اسم رونيه الطرابلسي في كل تشيكل حكومي جديد حتى صدقت الرؤيا ليلة الاثنين 5 نوفمبر 2018.

بصمة اليهود في السياسة التونسية ليست بدعة

سيقسم على القرآن؟ تبدو نكتة سمجة تلاحق اسم رونيه الطرابلسي منذ مساء أمس لحظة إعلان اسمه وزيراً في حكومة الشاهد الجديدة، وكأنه إقرار في العقل الباطن بأن المسلم فقط يحق له أن يتحمل أعباء الوزارة. ربما لأن العصر الحديث لم يحمل إشارة واضحة إلى مشاركة اليهود في الحياة السياسية في تونس باستثناء تجارب تعد على أصابع اليد الواحدة. لكن لليهود التونسيين بصمات عدة على مر التاريخ، ورونيه ليس بدعة. عام 2005، ،حين كان بن علي رئيساً، انتخب اليهودي روجيه بيسموت رئيس الطائفة اليهودية في تونس ممثلاً للطائفة في غرفة المستشارين، وهي الغرفة الثانية للبرلمان، تم حلها بعد ثورة 2011. كان بيسمون آنذاك النائب اليهودي الوحيد في العالم العربي. لماذا نعدد حالات تمكن اليهود من مناصب سياسية في تونس في العهد الحديث؟ لأنه إقرار بندرتها، وهذا ما يجعل تعيين الطرابلسي "حدثاً" رغم إقرار الدستور بالمساواة بين المواطنين. لكن تاريخ تونس السياسي لم يكن حكراً على المسلمين، قبل احتلال فلسطين عام 1948، كان اليهود في تونس يمثلون نسبة 20% من السكان، كانوا في كل مدينة تقريباً، كانوا تونسيين باختصار، لم يلاحقهم الوصم بديانتهم إلا بعد نشأة كيان محتل في فلسطين. غير أن الحقيقة ليست بهذه النصاعة، فالتمييز ضد اليهود موجود قبل قيام كيان اسمه “إسرائيل" في الأراضي المحتلة. فُرضت الجزية على اليهود في تونس في القرن 19، كما فُرض عليهم عليهم ارتداء زيّ معين للتمييز بينهم وبين بقية التونسيين المسلمين، فكان ارتداء سروال عليه علامة خاصة أسفله إجبارياً، هذا يذكرنا بتلك النجمة الصفراء التي فرضها النظام النازي على اليهود في أوروبا في القرن الماضي. مُنع اليهود في تونس كذلك في القرن 19من ارتداء الشاشية الحمراء (قبعة تونسية من الصوف تشبه الطربوش) فكانوا يضعون غطاءً على رؤوسهم يسمى اللحفة (الشال) بلون رمادي أو أزرق. لكن هذا التمييز كان مناقضاً للحركة التجارية النشطة لليهود في تونس، في القرن 19 وفي بداية القرن العشرين، كانوا تجار مصوغ، وأصحاب مصارف، وكانت لهم بصمة في الحركة الثقافية والموسيقية تحديداً في بداية القرن الماضي، أمثال الفنان الشيخ العفريت (1897-1939)، والفنانة حبيبة مسيكة التي توفيت عام 1930، وراؤول جورنو (1911-2001) الذي ألف أغنية عن النبي محمد وغناها قبل أن يوصي بدفنه في القدس. ولا ننسى الكاتب والمناضل اليساري جيلبير نقاش الذي جرب السجون في تونس وكتب عنها وما زال يكتب فصار أحد أعمدة أدب السجون باللغة الفرنسية. لكن بصمة اليهود لم تكن فقط في الثقافة أو التجارة، فالتاريخ السياسي والحقوقي في تونس يشهد على مساهمة اليهود التونسيين في الحراك السياسي، لعل أبرزهم جورج عدة ( 1916ـ 2008 ) أحد أبرز وجوه المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في تونس، عرف بمناهضته احتلال فلسطين، وكتب الكثير عن هذا الموضوع في لوموند الفرنسية. بول صباغ المناضل في الحزب الشيوعي التونسي، الذي ناضل إبان المقاومة الشيوعية ضد حكومة فيشي الموالية للنازية، حكم عليه بالأشغال الشاقة مدى الحياة من قبل ممثلي حكومة فيشي في تونس إبان الاستعمار الفرنسي ثم أفرج عنه عام 1942، لينضم إلى المقاومة السرية الشيوعية، ثم أصبح رئيس تحرير صحيفة الحزب الشيوعي في عام 1943. له مؤلفات في علم الاجتماع والتاريخ وتاريخ اليهود. رغم موجة الترحيب التي هبت على مواقع التواصل في تونس، عقب تعيين رونيه طرابلسي وزيراً، وهي إشارة إيجابية، إذ لم نلاحظ تنديداً أو عداء إلا في حالات نادرة، في حركة تترجم وعي التونسيين بأن تعيينه هو تطبيق لمبدأ المساواة الذي ينص عليها الدستور واحترام لحرية المعتقد والتعددية الدينية في تونس، إلا أن النائب ياسين العياري (الذي صوت بـ"لا" على قانون تجريم العنصرية الشهر الماضي) سارع إلى الإعلان أنه سيطعن في ترشح رونيه لوزارة السياحة، وكتب في صفحته في فيسبوك "سأطعن في ترشح رونيه الطرابلسي أمام المحاكم، ليس لأنه يهودي فتلك أمور تخصه بل لتضارب المصالح: وزير السياحة المقترح (رونيه) يملك وكالات أسفار، وهذا أمر يخصنا." وبانتظار حصول حكومة يوسف الشاهد على ثقة البرلمان، في وقت قال رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي إنه لا يوافق على تركيبة الحكومة (الأمر لا علاقة له برونيه)، وهذا ما يدخل تونس في دوامة جديدة من التجاذبات السياسية، تتجه الأنظار إلى وصول رونيه الطرابلسي من فرنسا حيث يقيم، للقاء رئيس الحكومة. فما الذي سيقدمه المواطن رونيه الطرابلسي لوزارة السياحة التونسية؟ يفترض أن يكون هذا السؤال وليس دينه أو مذهبه أو طريقة أدائه لليمين. تعيين الطرابلسي، مبدئياً، يرسل رسائل إيجابية لوكالات الأسفار في العالم، رسائل طمأنة على وجود مناخ أمن وسلم اجتماعيين في تونس قادر على مجابهة التطرف والإرهاب والعنصرية، زد أن رونيه ابن السياحة، عارف بأغوارها، ربما يكون لديه الحل السحري لإنعاش السياحة في تونس التي تمر منذ ثورة 2011 بهزات عنيفة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard