شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
القبض على أقارب معارضين لإرضاخهم... تهمة تواجه النظام المصري

القبض على أقارب معارضين لإرضاخهم... تهمة تواجه النظام المصري

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 16 أغسطس 201807:07 م
"قبضوا على أخي إسلام... أخي طفل في المدرسة... النظام ينتقم مني في أخي... النظام لا يستطيع القبض عليّ فتشاطر على أخي". هذه الكلمات كتبتها على تويتر الناشطة السياسية المعارضة المقيمة في الخارج غادة نجيب، بعدما تبيّن لها أنه تم القبض على أخيها البالغ من العمر 17 عاماً، بتهم من بينها الانضمام إلى جماعة إرهابية. تتهم نجيب السلطات المصرية بأنها تبتزّ معارضيها بالقبض على ذويهم والتنكيل بهم واستخدامهم كـ"كروت مساومة". وتقول لرصيف22 إن قوات الأمن أخبرت والدة إسلام، أخيها غير الشقيق، بأن السبب وراء اعتقاله هو أخته وزوجها الفنان المصري المعارض والمذيع على قناة الشرق هشام عبد الله، كما طلبت منها بإيصال رسالة إلى هشام بـ"أن يهدأ شوية". وتضيف: قبل أن يأخذوه سألوا عنّي وحينما لم يجدوني حاولوا أخذ والدي، فتدخّل إسلام وطلب منهم أن يأخذوه هو لأن والده رجل مسن. تقدّم نجيب ما تعتبر أنه "شاهد ثانٍ" على صحة حديثها وهو أن التهمة الموجهة لأخيها تنضوي في إطار القضية 441، وهي ارتكاب جرائم تخابر مع منظمات أجنبية معادية، والانضمام إلى جماعة تأسست على خلاف أحكام القانون، ومشاركة تنظيم إرهابى فى تحقيق أهدافه بقلب نظام الحكم، ونشر أخبار كاذبة وبث مقاطع مصورة عمداً لتشويه الأجهزة الأمنية والقضائية والحكومة، والترويج لأعمال العنف والتحريض عليه، وتكدير الأمن العام وتهديد السلم الاجتماعى، واستخدام شبكة الإنترنت لتنفيذ مخطط إثارة الرأي العام بفبركة أخبار وبيانات. والقضية المذكورة تستهدف صحافيين وحقوقيين، بينما أخوها طفل في المدرسة، و"هذا الاتهام لا يصدقه عقل"، بحسب تعبيرها. وتذكر غادة نجيب أنها كانت أحد مؤسسي حركة تمرد التي دعت عام 2013 إلى سحب الثقة من الرئيس الإخواني محمد مرسي، وهو ما يجعل التهمة الموجهة لأخيها بالانضمام إلى جماعة الإخوان غير واقعية.

وقائع مشابهة

رواية نجيب تتشابه مع روايات أخرى أبرزها رواية اعتقال أسامة، نجل الرئيس السابق محمد مرسي، وعلا القرضاوي، ابنة الأب الروحي للإخوان يوسف القرضاوي، وأنس البلتاجي، نجل القيادي الإخواني البارز محمد البلتاجي، ومعاذ مطر، شقيق الإعلامي المعارض العامل في قناة الشرق معتز مطر، ومحمد علاء الدين عبد العظيم، شقيق الإعلامي والمذيع في قناة "مكملين" محمد ناصر (اسم شهرة)... ففي يوليو 2016، ألقي القبض على معاذ مطر، بتهم منها التحريض على مؤسسات الدولة والنيل منها ونشر الشائعات والأخبار الكاذبة بما يخدم مصالح جماعة الإخوان الإرهابية، على وسائل التواصل الاجتماعي. واعتبر معتز مطر أن القبض على شقيقه هو ثمن معارضته هو للسلطات، مقدّماً اعتذاره لأسرته على الهواء عمّا سببه لهم من ألم.
وفي فبراير 2018، قُبض على شقيق محمد ناصر بتهمة التهكم على مؤسسات الدولة أمام مواطنين، فاعتبر ناصر أن القبض على شقيقه محاولة لإثنائه عمّا يقدمه على قناة "مكملين".
هؤلاء جميعاً هم خلف القضبان لأنه، بحسب رواية حقوقيين، أقارب لأشخاص يعارضون السلطات المصرية... فهل فعلاً يبتز النظام في مصر معارضيه بالقبض والتنكيل بذويهم أم أن هؤلاء ارتكبوا جرائم تستوجب العقاب؟ أحمد سعد، المحامي الذي يتولى الدفاع عن ثلاث من الحالات المذكورة أعلاه (نجيب ومطر والبلتاجي)، يقول إن لا تهمة لمَن يدافع عنهم إلا أن ذويهم معارضون للسلطات في مصر، فقُبض عليهم ونُكّل بهم انتقاماً من أقاربهم. وقال سعد لرصيف22 إن التهمة الثابتة التي توجَّه لمثل هذه الحالات هي الانضمام إلى جماعة إرهابية تأسست على خلاف القانون، وبموجبها يتم دورياً تجديد حبسهم. وأدرجت الحكومة المصرية، في ديسمبر 2013، جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب بعد الإطاحة بحكمها. وبحسب سعد، فإن القبض على أهالي المعارضين غير وارد في القانون ولا يحدث إلا في مصر. وعن مصيرهم يقول إنهم سيظلون في محابسهم "إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً". في المقابل، ينفي المحامي عادل معوض صحة هذه الروايات، ويقول لرصيف22: "لو أن الأمور تسير بهذا الشكل لكانت امتلأت السجون ولن يبقى مكان لاستيعاب المعتقلين".
معتقلون خلف القضبان في مصر والسبب بحسب روايات ذويهم وحقوقيين هو فقط أنهم أقارب لأشخاص يعارضون السلطات المصرية... فهل يبتز النظام في مصر معارضيه؟ أم أن أقاربهم ارتكبوا جرائم تستوجب العقاب؟
حقوقيون يؤكدون أن "ابتزاز الأمن للمعارضين باعتقال أقاربهم أسلوب معروف ومتبع من قبل أمن الدولة منذ فترة، وحينما يذهبون للقبض على الشخص المطلوب ولا يجدونه يأخذون واحداً من أقاربه"
بحسب معوض، المعروف بلقب "محامي الجماعة الإسلامية"، هناك قضايا جدية واعترافات تفصيلية ووقائع متطابقة وأدلة كافية للقبض على هؤلاء ومحاكمتهم. ويشير إلى أن التهمة الموجهة لهم قد تكون "دعوة للتظاهر ضد السلطة القائمة، أو مكالمة مسجلة بعد أخذ تصريح النيابة، أو تحريض ضد الجيش والشرطة، أو حتى منشور على فيسبوك"، وهذا كله يُعَدّ تحريضاً ضد الدولة، من وجهة نظر القائمين على السلطة. وأوضح معوّض أن هذه الأدوات تستند إليها الأجهزة الأمنية لمحاسبة هؤلاء بعدما دخلوا دائرة المعارضة، و"لو أنهم سلكوا طريق المعارضة السياسية بعيداً عن دائرة التجريم لما لاحقتهم الأجهزة الأمنية". وذكر أن أنس البلتاجي مثلاً وُجّهت إليه تهمة الاشتراك في التجمهر والتظاهر والانضمام إلى جماعة الإخوان. ولم يستبعد معوض وجود "تربّص" من قبل الأجهزة الأمنية ببعض الأشخاص، نظراً للخصومة السياسية الموجودة بين الدولة والمعارضين، لكن هذه الخصومة، حسب قوله، "لا تتعدى حدوث مبالغة من النيابة أو سوء توصيف للواقعة"، مثل وصف "التظاهر" وهي تهمة عقوبتها شخصية وتُقدَّر بما بين ثلاث وسبع سنوات، بـ"التجمهر" الذي يُعاقَب بموجبه الجميع لأنه يُعتبر اجتماعاً بغرض جنائي، وتكون العقوبة عنه حسب الواقعة. على كلام معوّض يجيب سعد بأنه من البديهي ألا توجد في القانون تهمة "قريب شخص معارض"، والتهمة التي توضع في محضر التحريات هي الانضام إلى جماعة إرهابية، ولكن السبب الأساسي لاعتقال الحالات المذكورة هو أنهم أقارب معارضين.

حالات استثنائية؟

"حتى لو حدث ذلك، فهي حالات استثنائية وليست قاعدة يمكن تعميمها لأن الموجودين في الخارج من المعارضين يُعَدّون بالمئات". بهذه الكلمات رد المحامي أسعد هيكل، المتحدث الرسمي السابق باسم لجنة الحريات في نقابة المحامين على ما ما يُقال عن ابتزاز معارضين بالقبض على أقاربهم. وأوضح هيكل لرصيف22 أن الأصل في القانون أن "لا عقوبة إلا بنص"، ولا يجوز القبض على شخص إلا إذا ارتكب جريمة، وهذه إجراءات قانونية بدائية تسير عليها السلطات الأمنية والقضائية في مصر ولا تستطيع الخروج عنها. لكن أحمد أبو العلا ماضي، محامي علا القرضاوي، يقول لرصيف22 إن ظاهرة القبض على أشخاص لمجرد أن أقاربهم من الدرجة الأولى أو الثانية معارضين للسلطات الحاكمة موجودة بالفعل في مصر هذه الأيام "كمحاولة انتقام سياسي". وأشار ماضي إلى أن الاتهام الموجَّه إلى موكلته هو الانضمام إلى جماعة إرهابية، معتبراً أن هذه التهمة مطاطية ولا يمكن الاستناد إليها وهي ظالمة وملفقة وتستند فقط على تحريات الأمن الوطني، وهذه في عرف القانون لا يمكن الاستناد عليها. وعن ابتزاز أجهزة الأمن للمعارضين في الخارج بأقاربهم، قال إن هذا الأمر لا يمكن نفيه كما لا يمكن إثباته أيضاً نظراً لأنه عادةً ما يكون غير مدرج ضمن قائمة الاتهامات الموجهة، "لكنه يُفهم من مجريات التحقيق وتحليل الواقع السياسي". وأوضح أن التحقيق مع موكلته كان في البداية منصباً على والدها الشيخ يوسف القرضاوي، حول كيفيه التواصل معه وظروف نشأتها وأخواتها، و"هو ما يشير إلى سبب اعتقالها".

"الأمن القومي" ينتصر على "حقوق الإنسان"؟

يتحدث مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية الدكتور أحمد مهران بتحفّظ في الموضوع ويقول مازحاً: "أنت عايز تحبسنا؟". وقال مهران لرصيف22 إن الحكومة المصرية خلال الفترة الأخيرة شهدت تجاذباً عنيفاً بين أمرين: حقوق الإنسان من جهة، والأمن القومي من جهة أخرى، وحاولت بكل قوة أن توفّق بينهما إلا أنها عجزت عن ذلك، وفي النهاية غلب الأمن القومي على حقوق الإنسان. يروي السياسي المعارض المقيم في إسطنبول خالد إسماعيل لرصيف22 أنه اضطر إلى استقدام أسرته من مصر إلى تركيا، بسبب تكرار محاولات اقتحام قوات الأمن لشقته وتفتيشها وتخويف أولاده والاعتداء على أفراد أسرته. ويضيف: "كانوا يوقظون الأولاد من النوم، و’يقلّبون’ الشقة، فشعرت بالخوف على ابني وهو في سن 19 عاماً من القبض عليه، فأخرجتهم من مصر". وعن كواليس ما كان يدور بين أسرته والأمن يقول: "كانوا يوجهون لهم أسئلة عني ويسألون عن تفاصيل مثل: سافر إلى أين؟ ومتى؟ وكيف؟ وماذا يعمل هناك؟ وتوجَّه هذه الأسئلة لكل منهم على انفراد".

تشويه صورة مصر؟

ينتقد مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء مجدي البسيوني هذه الروايات جملة وتفصيلاً ويصفها بالتهريج، ويتهم مروّجيها بأنهم يسعون إلى "تشويه صورة مصر"، ويقول لرصيف22 "إن مصر ليس فيها معتقلين سياسيين، ومَن هم في السجون هم قلة خارجة عن القانون". ويقول: "من أين أضمن ألا يموت هذا الشخص المقبوض عليه بسكته قلبية؟ ومن أين أتكلف بمصاريف أكله وشربه وخلافه؟"، مضيفاً: "عندما يفشل الإنسان يعتبر خصومه عدواً له ويكيل لهم الافتراءات". كلام البسيوني استفز المحامي وعضو اتحاد المحامين العرب والمعروف بدفاعه عن المعارضين خالد المصري، بعد نقله إليه للتعليق عليه، فوصف مطلقيه بأنهم "يعيشون في ميه البطيخ" وهو تعبير بالعامية المصرية يشير إلى عدم إدراك الشخص للواقع الذي يعيش فيه. وقال المصري لرصيف22 إن "ابتزاز الأمن للمعارضين باعتقال أقاربهم أسلوب معروف ومتبع من قبل أمن الدولة منذ فترة، وحينما يذهبون للقبض على الشخص المطلوب ولا يجدونه يأخذون واحداً من أقاربه". وأشار المصري إلى أن هذه الجهات تفعل ذلك من أجل أن يسلم المتهم نفسه وقد يصل الأمر إلى أخذ جميع أفراد أسرته فيضطر لتسليم نفسه حفاظاً على أهله، مؤكداً أنه تعامل مع أمثلة وحالات كثيرة تؤكد ذلك، لكن لمعارضين في مصر وليس في الخارج. ولكن عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان (تابع للدولة) حافظ أبو سعدة يؤكد لرصيف22 أنه لم تصل إلى المجلس حالات مماثلة، و"لو كانت موجودة بشكل كبير لتدخلنا وخاطبنا وزارة الداخلية". وأوضح سعدة أن ما قد يحدث مع أهالي بعض المعتقلين، إذا قُبض عليهم، هو توجيه عدة أسئلة لهم عن قريبهم المطلوب ومكان تواجده وتفاصيل أخرى. لكنّ خالد المصري يتهم المجلس القومي بأنه تابع للدولة وأنشأته ليكون واجهة لها، و"هو غير معترف به بين المعارضة والحالة الحقوقية في مصر يعرفها القاصي والداني وهي في تدهور مستمر على مختلف الأصعدة، والوضع يسير من سيئ إلى أسوأ، ولكن المجلس لم يحرّك ساكناً".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard