شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"ساعدني.. إنهم يغتصبوني".. قصة مُهرِّب أشهر فتاة أزيدية الذي لا يعرفه أحد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 15 يوليو 201808:47 م
روت مجلة "التايم" الأمريكية تفاصيل قصة فرار نادية مراد، أشهر فتاة أزيدية عرفَ بها العالم وحشيةَ داعش، لكنها منحت المزيد من الضوء إلى الشاب الذي أنقذها من قبضة التنظيم. قصة نادية، 25 عاماً، غدت معروفةً لدى آلاف الناس، كما أصبحت سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة، ورُشِّحَت لجائزة نوبل للسلام عام 2017. وربما كانت محظوظة أكثر عندما طرقت باب منزل عمر عبد الجبار وليس باباً آخر. إلا أن سيرة النجار الشاب، الذي غامر بحياته من أجلها كانت على النقيض، حيث تجمع ما بين الجسارة والشجاعة والمأساة لما آل إليه حاله وأسرته. وتقول "التايم" إن الرجل الذي قدم المساعدة لأشهر لاجئة فارة من داعش يحتاج إلى المساعدة.

ليلة صيف مُرعبة

كان منتصف الليل تقريباً، عندما سمع عمر عبد الجبار قرعاً على باب منزله في مدينة الموصل العراقية، تجمدت عائلته من صوت الطرق على البوابة. كان ذلك أواخر صيف 2014، أي بعد 3 أشهر من استيلاء تنظيم داعش على المدينة. حينها، كان الزوار نادراً ما يتحركون في الليل، خشيت العائلة من أن يكون طارق الباب مسلحاً، إلا أن الطرق تكرر مجدداً. وقبل بضعة أشهر فقط، عاش عمر حياةً طبيعية نسبياً في ثاني أكبر مدن العراق. كان يعمل نجاراً ويشارك بيتاً بسيطاً مريحاً من طابقين في حي للطبقة الوسطى في الموصل مع ابنه وأولياء أموره وأربعة من الأشقاء الصغار، وزوجته التي كانت حاملاً في طفلها الثاني. لكن في يونيو 2014، استولى "داعش" على الموصل ومناطق واسعة من شمال العراق، لا سيما مع فرار آلاف الجنود العراقيين من مواقعهم، حيث كانت الثقة منعدمة في الحكومة التي يقودها الشيعة من بغداد، في حين أن سكان المدينة من الأغلبية السنية. آنذاك، هربت آلاف العائلات، لكن عمر وذويه بقوا، مثل العديد من العائلات العربية السنيّة الأخرى، يعلل "لم يكن لدينا أيُّ مكان نذهب إليه". في تلك الليلة الصيفية، فتح عمر ووالده بوابة المنزل ببطء ليجدا فتاةً صغيرة خارجه، مرتدية نقاباً أسود من الرأس حتى أخمص القدمين، وتردد مُتوسلة "من فضلك ساعدني... إنهم يغتصبونني" فسحبها عمر إلى داخل البيت آملا ألا يراه أحد. تحدثت الفتاة بهدوء وخوفٍ يرعشُ صوتها، قائلةً إن اسمها نادية، من كوجو، بلدة أيزيدية تقع على الطرف الجنوبي لجبل سنجار، وكان داعش يسيطر عليها. أخبرتهم أنَّ مسلحين ألقوا القبض عليها، ثم أحضروها إلى الموصل وباعوها في سوق العبيد مع معظم النساء والفتيات من قريتها. ابنة الـ19 عاماً كانت قد تعرضت للاغتصاب والضرب وبيعت عدة مرات خلال أسابيع قبل أن تهرب من المنزل الذي احتُجِزَت فيه، بفضل باب غير مقفل. في كتابها "الفتاة الأخيرة: قصتي مع الأسر، ومحاربتي ضد الدولة الإسلامية"، روت نادية مراد تفاصيل مثيرة عن اغتصابها وبيعها وإساءة معاملتها من قبل أعضاء التنظيم ومحاولاتها الهروب. وفي الإصدار، أشادت نادية بعمر عبد الجبار وعائلته، متسائلةً "لا أعرف لماذا كان جيداً، بينما كثيرون آخرون في الموصل كانوا فظيعين للغاية". ربما كانت الفتاة محظوظة في اختيارها الطرق على باب هذا البيت دون غيره، وقتها كان داعش محل تعاطف من عدد كبير من أهل المدينة السنَة الذين عانوا لسنوات من سوء تعامل الشرطة العراقية الشيعية، ولم يكن داعش قد أظهر وجهه الإجرامي بعد ضد السكان أيضاً. سارت نادية لساعات في شوارع الموصل قبل أن تقرع باب البيت ذا اللون البرتقالي المشابه لبقية المنازل المجاورة له، لكنها حسمت خيارها بالطرق عليه. كانت مخاطرة، خاصة أن داعش أعلن مكافأةً قدرها 5 آلاف دولار للمواطنين الذين يعيدون الفتيات الهاربات إلى التنظيم. "لم نفكر قط بالمكافأة" يقول عمر الذي اعتبر أن فعل الصواب كان واجب عائلته وقتها، لكن إخفاءها في المنزل محفوف بالمخاطر مثلما كان إخراجها من الموصل أكثر خطورة. فاتصلوا بشقيق الفتاة المتواجد في مخيم للاجئين على بعد 80 ميلاً، ووضعوا خطة لتهريبها. منحتها العائلة اسماً وبطاقة هوية تحمل اسم عربي سنيّ، مواليد كركوك، في حين كان داعش يسيطر على جميع الطرق داخل وخارج الموصل. فاعتزموا إخبار مسلحي التنظيم أنها زوجة عمر، وأنهم سيزورون والديها في كركوك. تتذكر نادية، في كتابها، كيف قضت ليلتها في حفظ هويتها الجديدة، اسمها العربي السنيّ، واسم والدها، وتاريخ ميلادها وتفاصيل عن كركوك، التي لم تزرها من قبل، لأن خطأً صغيراً واحداً قد يكون قاتلاً. وعند نقطة التفتيش الأولى خارج المدينة، سحبَ مقاتلو داعش سيارتهم الأجرة وبدؤوا في تفتيشها. كاد قلب عمر عبد الجبار أن ينخلع من الخوف، فإذا قُبض عليهم، ستعود نادية إلى العبودية، ويُعاقب هو على محاولة الفرار، ومن المرجح أن يكون مصيره أسوأ بكثير. كانت الفتاة تجلس بهدوء في المقعد الخلفي، فقط عيناها تظهران من تحت النقاب، بينما أخذ عمر يجيب على الأسئلة. أخذ المسلحون بطاقات الهوية وبدؤوا استجوابه: إلى أين هم ذاهبون؟ لماذا إلى كركوك؟ متى سيعودون؟ عندها "شعرت بالرعب" يقول عمر. ومن السيارة، شاهدت نادية صورةً مُعلقةً لها إلى جانب صور امرأتين أيزيديتين أخريين في مركز الحراسة "إن رؤيتي لصورتي أكدت أنهم يبحثون عني بنشاط". في النهاية سمح مقاتلوا التنظيم لهم بالمرور، ولم يطلبوا من مراد رفع النقاب وإظهار وجهها. كانت محظوظةً للغاية لأنه يمكن لمعظم العراقيين تحديد الفرق بين لهجة عربية من كركوك ولهجة أيزيديين من كوجو "لم يكن لدي أية فكرة عن كيفية الحديث بلهجة شخص من كركوك" تحكي نادية. مرّوا بعدة نقاط تفتيش أخرى يديرها داعش قبل أن يوقف سائق الأجرة السيارة ويطلب منهم الخروج. كانوا يسيرون حول الحاجز وعلى الطريق الفاصل بين آخر نقطة تفتيش تابعة للتنظيم وأخرى تسيطر عليها القوات الكردية.

نهاية سعيدة للفتاة.. وثمن باهظ لعمر وعائلته

ودع عُمر نادية في فندق في أربيل. وفي اليوم التالي لعودته إلى الموصل كان القرع على الباب ثقيلاً. هذه المرة كان مسلحو داعش. قراره سينعكس عليه وأسرته بثمن باهظ، ومصيره سيسلط الضوء على العشوائية القاسية لسياسات التعامل مع اللاجئين. بعد أكثر من ثلاث سنوات على الواقعة، زارت محررة مجلة "التايم"، ريبيكا كولارد، منزل الشاب في الموصل. "لقد قفز إلى هناك" يتحدث والد عمر عن لحظة هروبه، مشيراً إلى سقف أحد الجيران. وفي الأسابيع التي تلت فراره من الموصل، تم استجواب عائلته من قبل داعش، لكنه تمكن من إقناع المقاتلين بأن الشاب قد تصرف من تلقاء نفسه، ووعدت أسرته بالتبرؤ منه. وخلال تحرير الموصل، تعرض منزل العائلة لضربة جوية، أدت إلى مقتل شقيقة عمر وعائلتها بأكملها. وقتها، اقترض عمر حوالي 7 آلاف دولار من عمه وصديق له، وفر وزوجته الحامل وابنه من الموصل في ناقلة غاز. كان هدفه بلوغ أوروبا، بحيث لا يتمكن داعش من الوصول إليه، لكن الرحلة ستكون صعبة للغاية بالنسبة لابنه وزوجته الحامل، رندة، التي عادت إلى الموصل في نوفمبر 2014. وبعد عدة أسابيع في تركيا، توجه عمر إلى الحدود البلغارية. وفي صوفيا، اعتقل مع غيره من طالبي اللجوء العراقيين والسوريين، وظل لثلاثة أشهر في زنزانة سجن بلغاري. عمر هو الشخصية الرئيسية في كتاب نادية مراد، تحت اسم مستعار (ناصر)، هي تفضل التركيز على المستقبل، وعلى نقيض ذلك، قصة جبار لا يعرفها أحد تقريباً. عام 2015، كانت مراد واحدة من ألف امرأة تم اختيارهن للانتقال إلى ألمانيا من خلال برنامج تديره حكومة بادن- فورتمبيرج الإقليمية، لمساعدة بعض الذين عانوا من داعش. وفي ديسمبر 2015، روت قصتها خلال جلسة للأمم المتحدة في سويسرا في محاولة لرفع مستوى الوعي بجرائم داعش. وفي مارس من العام نفسه، كان عمر قد وصل إلى ألمانيا وتقدم بطلب لجوء، وبعد مرور أكثر من 3 سنوات لم يمنح وضع اللاجئ. لديه صيغة من الحماية المؤقتة التي أعطته تأشيرة للبقاء في ألمانيا حتى مايو 2018. وحالياً، تقدم بطلب للحصول على تجديد لكن السلطات الألمانية طلبت جواز سفره العراقي، الذي ليس بين يديه. "اللاجئون العراقيون يواجهون المزيد من الرفض.. تتراجع ميركل عن سياساتها الداعمة للمهاجرين" يقول عمر الذي يعيش في شقة من غرفة واحدة، يغطي حوائطها صور أطفاله، في مدينة "تورجاو". ويخشى البعض إعلانَ الحكومة العراقية خلوَّ العراق من داعش، لأن ذلك سيؤدي بدفع العراقيين مثل عمر للعودة، لكن بالنسبة له، الرجوع إلى العراق ليست خياراً.
مجلة "التايم" الأمريكية تروي قصة فرار نادية مراد، فتاة أزيدية عرفَ بها العالم وحشيةَ داعش، لكنها منحت المزيد من الضوء إلى الشاب الذي يحتاج المساعدة اليوم.
عمر عبد الجبار، هو الشخصية الرئيسة في كتاب نادية الأزيدية، النجار الشاب الذي أنقذها من داعش ودفع ثمن ذلك باهظاً..
يقول إنه تلقى اتصالات وتهديدات عبر الإنترنت من أنصار داعش، حتى غير رقم هاتفه وكل حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي. وتؤكد عائلته أنها حتى وقت قريب تتلقى مكالمات في الموصل تهدد ابنها إذا عاد. يعلق عمر "أخبرني صديقي ألا آتي حتى إلى تركيا.. يمكنهم الوصول إلى هنا". حتى في ألمانيا، لا يشعر جبار بأمان تام. وفي العام الماضي، قال إنه تلقى رسالة مجهولة يؤكد مصدرها أنهم يعلمون وجوده في ألمانيا وأنهم سيأتون إليه "لا أغادر المنزل كثيراً.. في الغالب، أذهب إلى الفصل الدراسي وأعود إلى المنزل". رغم كل ذلك، هو غير نادم على ما فعل وعائلته لنادية "كان يجب أن ترى السعادة على وجوه أفراد أسرتها... أي شخص سيفعل ذلك".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard