شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
أسقطت دولاً ووضعت نهاية لطموحات توسعية... هزائم المسلمين الكبرى

أسقطت دولاً ووضعت نهاية لطموحات توسعية... هزائم المسلمين الكبرى

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 11 يونيو 201805:33 م

مما لا شك فيه أن المعارك الحربية تشكل جزءاً مهماً من تاريخ الأمم والشعوب، ذلك أن الكثير من تلك المعارك يدخل في تكوين وتشكيل حدود الدول ونفوذها، فضلاً عن مساهمته في بناء الوعي الجمعي بهوية الأمة وثقافتها المائزة. وإذا ما رجعنا إلى التاريخ الإسلامي الممتد على مدار ما يربو عن 1400 عام، لوجدنا أن المؤرخين والباحثين المسلمين اهتموا بأخبار بطولاتهم الحربية وأمجادهم العسكرية، في وقتٍ أهملوا تناول أخبار الهزائم والانكسارات، وهو أمر يتوافق مع ما عُرف به الإنسان من ميل دائم إلى تخليد لحظات الظفر، واتجاهه لغض الطرف عن كل لحظة فشل أو انتكاس. تعرّض المسلمون لهزائم كبرى تسبب بعضها بزوال بعض الدول أو الأُسر الحاكمة، بينما تسبب بعضها الآخر في وضع حد للطموحات الإسلامية التوسعية. وفي هذا الموضوع نستعرض خمس منها.

موقعة الجسر... الهزيمة التي قدّمت لفتح بلاد فارس

في الـ23 من شهر شعبان من العام 13 للهجرة، وقعت معركة الجسر على شاطئ نهر الفرات، وهي المعركة التي، ورغم انتهائها بهزيمة ساحقة للمسلمين، إلا أنها اعتُبرت مقدمة استفاد منها المسلمون في طريق فتوحاتهم على الجبهة الفارسية. كان أبو عبيدة بن مسعود الثقفي، والد المختار الثقفي الذي سيقود حركة شيعية للثأر من قتلة الحسين بن علي بعد ذلك، قائد الجيش الإسلام في تلك المعركة، بتكليف من الخليفة عمر بن الخطاب. استطاع المسلمون قبل موقعة الجسر أن يحققوا عدداً من الانتصارات المهمة على القوات الفارسية في بلاد الرافدين، ما مهّد الطريق أمامهم لاجتياز نهر الفرات والوصول إلى العمق الفارسي.

وبحسب ما يذكره الطبري في تاريخه، فإن رسل الفرس عرضت على المسلمين أن يجتازوا نهر الفرات وأن تجري المعركة بين الطرفين على الجبهة الفارسية. ولما كان أبو عبيدة يرفض أن يوصف بالجبن أو التردد، فقد وافق على الاقتراح الفارسي، رغم تخوّف أغلب قادته وأصحابه من هذه الخطوة. وحين همّ الجيش المسلم بالمرور من إحدى النقاط الضيقة على النهر، قام الفرس بالهجوم عليه بواسطة عشرة أفيال ضخمة مدربة ومجهزة للقتال والاشتباك، ما أدى إلى هروب خيل المسلمين وتسبَّب بحدوث ارتباك عارم في صفوفهم. ويصف ابن كثير في "البداية والنهاية"، ساحة المعركة بقوله: "جاءت الفرس معهم بأفيلة كثيرة عليها الجلاجل، قائمة لتذعر خيول المسلمين، فجعلوا كلما حملوا على المسلمين فرت خيولهم من الفيلة، ومما تسمع من الجلاجل التي عليها، ولا يثبت منها إلا القليل على قسر، وإذا حمل المسلمون عليهم لا تقدم خيولهم على الفيلة، ورشقتهم الفرس بالنبل، فنالوا منهم خلقاً كثيراً". ولما كانت الفيلة هي السلاح الأهم لدى الفرس، فقد حاول أبو عبيدة أن يقتل واحداً منها، ولكنه قُتل أثناء تلك المحاولة مع عدد من كبار القادة المسلمين، وهو ما آل بقيادة الجيش إلى المُثنى بن حارثة الشيباني الذي اتخذ قراراً بالرجوع والحفاظ على البقية الباقية من جيش المسلمين. ورغم أن تلك النكسة دمّرت أغلب الفيالق الإسلامية على الجبهة الفارسية، إلا أنها كانت سبباً رئيسياً في تركيز الجهود لخوض الحرب على تلك الجبهة، وهو ما تحقق فعلياً على يد المثنى بن حارثة وسعد بن أبي وقاص في ما بعد.

بلاط الشهداء... الهزيمة التي أوقفت التمدد الإسلامي في أوروبا

في أكتوبر 732 (رمضان 114هـ) وقعت معركة تور أو بواتييه، وهي التي تسميها المصادر الإسلامية ببلاط الشهداء، نظراً للأعداد الكبيرة من القتلى المسلمين الذين استشهدوا فيها. وصول المسلمين إلى تلك المنطقة في فرنسا كان أمراً طبيعياً بعد أن أتمّوا فتح بلاد الأندلس، إذ كان حلم والي الأندلس عبد الرحمن الغافقي يتمثل في مد سيطرته على أوروبا الغربية بالكامل. ورغم قلة المعلومات المتوافرة عن المعركة، إلا أن المصادر الغربية اتفقت على أن جيوش الفرنجة حققت انتصاراً ساحقاً على جيش المسلمين، إلى الحد الذي جعل تلك المصادر تسمّي شارل، قائد الفرنجة، باسم مارتل، أي المطرقة. ومن الغريب أن تلك المعركة، ورغم أهميتها الفائقة، لم تحظَ باهتمام كبير عند المؤرخين المسلمين. فنجد أن كلاً من ابن عذارى وابن حيان والمقري قد ذكروها في مؤلفاتهم بشكل مقتضب مختصر، بينما تغافل العديد من المؤرخين الكبار الأوائل من أمثال الطبري والواقدي والبلاذري عن ذكرها تماماً. تمثّلت أهمية المعركة في تثبيت حكم الأسرة الكارولنجية في بلاد الغال، ما مهد لظهور الإمبراطورية في عهد شارلمان حفيد شارل مارتل. ومن جهة أخرى، أنقذت تلك المعركة أوروبا من المد الإسلامي، إلى الدرجة التي جعلت المؤرخ الإنكليزي إدوارد غيبون يُقرّ في كتابه "تاريخ اضمحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية"، بأنه لولا انتصار شارل مارتل في تور "لكان القرآن يدرس اليوم في أوكسفورد، ولكان علماء الجامعة يشرحون للطلاب باستفاضة عن الوحي النازل على محمد".

أكرنيون... الهزيمة التي أنتجت سيرةً لبطل شعبي

عام 740، في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، تعرّضت القوات الأموية لواحدة من أكبر الانتكاسات العسكرية في تاريخها، وهي هزيمة موقعة أكرنيون أمام البيزنطيين. تقع أكرنيون في منطقة آسيا الصغرى، في غرب تركيا، واسمها الحالي هو أفيون قرة حصار. في تلك الموقعة، قاد الإمبراطور البيزنطي ليو الثالث الإيسوري جيشا ضخماً، وهاجم بعض التحصينات الإسلامية الحدودية، فوجد القادة المسلمون أنفسهم في موقف لا يُحسدون عليه، لأنه وجب عليهم خوض القتال قبل أن تأتي الامدادات التي أرسلها لهم الخليفة.
تعرّض المسلمون لهزائم كبرى تسبب بعضها بزوال بعض الدول أو الأُسر الحاكمة، بينما تسبب بعضها الآخر في وضع حد للطموحات الإسلامية التوسعية. تعرّف على أبرز خمس منها
من موقعة الجسر حين هزم الفرس المسلمين إلى معركة ليبانتو التي بدأ معها انحدار السلطنة العثمانية... خمس هزائم كبرى لحقت بالعرب والمسلمين
وبحسب ما يذكره اليعقوبي في تاريخه، فإن قيادة الجيش الإسلامي توزعت على ثلاثة من القادة، وكان أشهرهم عبد الله البطال الذي نال شهرة كبيرة بسبب الشجاعة التي أبداها في ميادين القتال ضد الروم. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها المسلمون في المعركة، إلا أنها انتهت بتعرضهم لهزيمة فادحة. ويذهب المؤرخ خالد يحيى في كتابه "نهاية دولة الجهاد: حكم هشام بن عبد الملك وسقوط الخلافة الأموية"، إلى أن خسائر المسلمين في المعركة تجاوزت الـ13 ألف قتيل. ومن الملاحظ أن معظم المصادر الإسلامية لا تذكر تفاصيل المعركة، بينما تسهب المصادر البيزنطية في ذكر أحداثها، خصوصاً وأن العديد من الحكايات الشعبية الأسطورية قد نُسجت حول "البطال"، وانتشرت بين المسلمين والبيزنطيين في آسيا الصغرى، وهو الأمر الذي علًق عليه ابن كثير قائلاً: "وأما ما يذكره العامة عن البطال... فكذب وافتراء، ووضع بارد، وجهل كبير، وتخبيط فاحش، لا يروج ذلك إلا على غبي أو جاهل ردي، كما يروج عليهم سيرة عنترة العبسي المكذوبة".

معركة العقاب... هزيمة أكبر جيش مسلم عرفته الأندلس

كان الموحدون قد استطاعوا أن يثبتوا قوتهم في الأندلس، بعدما انتصروا على الإسبان في موقعة الأرك عام 1194. ولكن ومنذ بدايات عام 1212، بدأ الإسبان في الهجوم على بعض الأراضي الإسلامية. ويذكر ابن عذاري المراكشي في "البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب" أن "(السلطان محمد) الناصر قد وفدت عليه جماعة من وجوه بلاد شرق الأندلس معرضين بآثار العدوان البرشلوني في بلادهم، وانتهاكه لطارفهم وبلادهم، فقوى عزم الناصر على نصرهم والحركة إليهم". ويذكر المؤرخ الألماني يوسف أشباخ في كتابه "تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين"، أن عدد مقاتلي الجيش الإسلامي الذين اصطحبهم الخليفة الموحدي معه إلى الأندلس وصل إلى نحو نصف مليون مقاتل، وهو أكبر جيش إسلامي يقاتل في الأندلس عبر تاريخها. وكان الناصر قد اتخذ من قلعة شلبطرة هدفاً لحملته، فتوجه إليها وحاصرها لمدة ثمانية أشهر، وأخيراً استطاع الموحدون إجبار حامية القلعة على الاستسلام، ولكن في مقابل ذلك كانت حالة الجيش الموحدي بالغة السوء، ويصفها ابن أبي زرع الفاسي في كتابه "روض القرطاس" بقوله "دخل فصل الشتاء، واشتد البرد وقلت العلوفات، وفنيت أزواد الناس، ونفذت نفقاتهم، وكلت عزائمهم، وفسدت نياتهم التي قصدوا بها للجهاد، وقنط الناس من المقام". ورداً على سقوط القلعة، خرجت جيوش الإسبان المتحالفة مع باقي القوى الأوروبية، واصطدمت بالجيش الموحدي المُنهك، في موقعة العقاب، واستطاعت أن تلحق به هزيمة مدوية فقُتل الآلاف من المسلمين، وتم أسر جزء كبير منهم، وهرب الناصر إلى المغرب ولم يرجع إلى الأندلس مرة أخرى. وضعت تلك الموقعة نقطة النهاية للحكم الموحدي في الأندلس، إذ فقدوا بعدها الشطر الأكبر من قوتهم، بينما زادت من النفوذ الإسباني فيها.

ليبانتو... بداية أفول القوة العثمانية

وصلت الدولة العثمانية إلى ذروة قوتها في عهد السلطان سليمان القانوني. تمكن العثمانيون في زمنه من توسيع رقعة نفوذهم، ومن الانتصار على الدول الأوروبية عدة مرات، إلى الحد الذي دفع بسليمان إلى حصار فيينا، عاصمة النمسا، في عام 1532. وبعد وفاة سليمان، عام 1566، اعتلى العرش ابنه سليم الثاني، ولم يكن بنفس كفاءة والده، فانشغل باللهو والدعة وابتعد عن الشؤون العسكرية والإدارية في دولته. وفي عام 1571، جاءت الهزيمة التي تعرّض لها العثمانيون في ليبانتو الواقعة في اليونان على ساحل البحر المتوسط، كمحصلة نهائية لعوامل الضعف والتردي التي تعرضت لهما الدولة العثمانية على مدار سنين طويلة.

في تلك الموقعة البحرية، اصطدم الأسطول العثماني بأسطول الأرمادا الإسباني، المدعوم من قبل كل من البابا والبندقية وجنوه. بحسب ما يذكره المؤرخ هيو بيشينو في كتابه "الهلال والصليب: معركة ليبانتو عام 1571"، فإن هزيمة العثمانيين في تلك المعركة مثّلت منعطفاً مهماً في تاريخ الاستراتيجيات الحربية البحرية، والسبب في ذلك أنها شهدت للمرة الأولى صدام السفن الأوروبية الحديثة المزودة بالمدافع الضخمة، مع سفن العثمانيين الشراعية التي يحركها المجذفون، وهو ما يعني أن العوامل التقنية والعلمية وجدت لنفسها دوراً مهماً على ساحة المعارك، وحلت محل عوامل أخرى قديمة مثل الشجاعة والإقدام والمهارة. وبحسب ما يذكر بيشينو، تم تدمير 260 سفينة عثمانية، وقتل الآلاف من الجنود والبحارة المسلمين، فضلاً عن مقتل معظم قادة الأسطول العثماني. ولكل تلك الأسباب، لم يكن من الغريب أن يجعل المؤرخ الإنكليزي-الأمريكي الراحل برنارد لويس، في كتابه "الغرب والشرق الأوسط"، من تلك المعركة نقطة فاصلة في تاريخ الصراع بين الشرق المسلم والغرب المسيحي، إذ اعتبر أن لحظة هزيمة العثمانيين في المعركة، هي اللحظة التي بدأ معها الانحدار السريع للإمبراطورية العثمانية، والتي شهدت بالتزامن مع ذلك، هيمنة وسيطرة مطلقة لأوروبا وبدء مشاريعها الاستعمارية في بلاد الإسلام.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard