شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"شيرلوك هولمز" الموجود داخل كلٍّ منا... أين أخطأ في قراءة جسد الحريري؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 18 نوفمبر 201712:21 م
في غمرة البحث عن إجابات مقنعة حول استقالة الرئيس سعد الحريري الغامضة ومصيره في السعودية، شمّر خبراء علم الجسد عن سواعدهم، وأخرجوا عصارة ما يمتلكونه من نظريات في المجال. لكن الأمر لم يبق محصوراً بالخبراء. تسارع الأحداث من جهة وغموضها من جهة أخرى، لم يتركا لأحد، سياسياً أو إعلامياً أو مواطناً عادياً، سوى السعي وراء التفاصيل. يقول خبير علم الجسد توم شيفر إن شخصية شيرلوك هولمز التلفزيونية زرعت في داخل كل منا "شيرلوك صغير"، ينتظر فرصة مناسبة لالتقاط التفاصيل مهما كانت دقيقة وتحويلها إلى معلومة تسعفه في الوصول إلى غايته. استقالة الحريري وما تلاها، وصولاً إلى مقابلته الأخيرة، أخرجت هذا الشيرلوك باحثاً عما يرتدي الحريري، عن ساعة يده، كيفية تحريك عينيه ويديه وأنفه، حتى كاد التكهن بشأن قدرته على تغيير ملابسه الداخلية، ولو مزاحاً، أن يصبح محور نقاش. لا يشكّك النص هنا في أهميّة علم الجسد كعلم، وهو ما اختصره ألبيرت مهرابيان حين قال في الخمسينيات إن الرسالة تصل بنسبة 7% كلامياً، و38% عبر الصوت (النبرة والقوة…) و55% عبر حركات الجسد. كما لا يبحث النص في أولوية اللجوء إلى لغة الجسد في عالم السياسة، فهذا الخيار أصبح بديهياً مع تطور عالم الصورة وصناعة الشخصية السياسية منذ تلك المناظرة الشهيرة في الستينات التي غلبت حظوظ السيناتور جون كينيدي على منافسه آنذاك نائب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. لكن التخبّط الذي عاشه لبنان، ولا يزال، انعكس كذلك تخبطاً في قراءة جسد الحريري. وهذا ما يضيء عليه النص.
عن تخبّط علم لغة الجسد وخبرائه في تحليل السياسيين... سعد الحريري نموذجاً
يقول خبير علم الجسد توم شيفر إن شخصية شيرلوك هولمز التلفزيونية زرعت في داخل كل منا "شيرلوك صغير"

بين القراءة العلمية والميول السياسية

سيل القراءات، وتضاربها أحياناً، في ما قاله جسد الحريري أعاد طرح سؤال كان قد شغل العديد من الباحثين، وهو: إلى أي حد تعد قراءة لغة الجسد دقيقة؟ وأين الحد الفاصل بين القراءة العلمية وتوهمها، أي بين ما تقوله النظرية عن لغة الجسد وما توحي به الأهواء والقراءة السياسية عند قراءتها؟ يوجد نظريتان تفيد العودة إليهما في معرض الإجابة عن هذا السؤال. وهاتان النظريتان تلتقيان حيناً، وتتناقضان حيناً آخر. الأولى تسعى للتأكيد على أن لغة الجسد دقيقة، وأن محاولة السياسي السيطرة على حركاته تفضحها دائماً "التعبيرات الجزيئية" (Microexpressions) كما أسماها فرويد. حسب هذه النظرية، ومهما بلغ ذكاء الإنسان من تطور وتعقيد يبقى خاضعاً للقواعد البيولوجية التي تتحكم بحركاته وردود أفعاله ولغته. الثانية تشكك في منسوب الدقة المصاحبة لقراءة لغة الجسد. يشير أصحاب هذه النظرية إلى عوامل عدة تدخل في ما يمكن اعتباره لغة جسد لدى السياسي. من هذه العوامل ما يتعلق بالسياسيين وما طوّروه من لغة أجسادهم عبر الوقت ومع تطور الاهتمام بالصورة وتأثيرها. ومنها ما يتعلق بمن يحاول القراءة وإسقاطاته الثقافية والسياسية والنفسية. في ما يتعلق باستقالة الحريري وشكلها، بدت النظريتان في حالة تخبط. من جهة انشغل كثر بنظرة عينيه وحشرجة الصوت وخفوته وشفاهه الجافة ليثبتوا تعرض الحريري لضغط سعودي. في المقابل، أتى رد رافض (داعم للحريري) لتلك التحليلات، رأى فيها تخيّلات زرعتها نظرية المؤامرة في عقول أصحابها. انسحب حال التخبّط نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط انتقادات طالت تحوّل اللبنانيين جميعهم إلى خبراء لغة جسد. في ظلّ هذا المشهد العبثي، يبدو مفيداً استعراض أبرز المحاذير التي أشار إليها الباحثون في قراءة لغة الجسد، والسقطات التي قد تحصل لدى خبراء هذا العلم.

1- الضغط التلفزيوني والتسطيح

تطوّر علم لغة الجسد كثيراً مع الوقت، فأصبح يُقسم إلى ما هو علم تقليدي ونظريات حديثة. القراءات اللبنانية، والعربية عموماً، للغة جسد الحريري تستند بغالبيتها إلى الشق التقليدي الذي يربط الحركة (أ) بالتفسير (ب) حكماً (مثال: هبوط الكتفين يعني عدم الارتياح). لكن هذا الربط هو محط انتقاد لدى خبراء كثر حول العالم. الحركات تختلف من شخص إلى آخر، فحركة معينة قد تحمل معاني مختلفة حسب الثقافة والشخص، وقد تكون عادة شخصية أو ثقافية أو ظرفية. هذه الخفة في مقاربة حركات الجسد والاكتفاء بالخطوط العامة تعني تسطيحاً وتنميطاً لعالم مهول ومتشعب. وبحسب أحد خبراء التدريب على هذا العالم، فإن الأكثرية من ممارسي هذا العلم لديهم فهم خاطئ لكيفية تحرك الناس وخلفيات حركاتهم. يعزو مارك وولش ذلك إلى سطحية من يدّعون الخبرة في هذا المجال، إضافة إلى ما أرخته الثقافة الحديثة من قدرة لدى الإنسان على السيطرة على مواقفه، ما أفقد الأخيرة العفوية المطلوبة لقراءتها. في وصف هذا التقصير، كان لنيك مورغان سبب آخر. برأيه، ينطلق ذلك من الضغط الذي يعيشه الخبراء في المقابلات المتلفزة لكي يظهروا جازمين وواثقين من تحليلاتهم في وقت محدّد، بينما يهتم الإعلام بـ"الساوند بايتس" أكثر من اهتمامه بالحقيقة.

2- الأفكار المسبقة

يشير الباحثون كذلك إلى عامل خضوع الأشخاص إلى الكثير من الأفكار المسبقة. هنا يشكك براون بدقة قراءة الآخرين، لأن ما يقوم به الإنسان حسب "شبكة الخلايا العصبية المرآتية" هو استحضار مشاعر مماثلة لديه ومحاولة التماهي مع ما يعيشه الآخر، وذلك انطلاقاً من مرآته الداخلية. وهذا يترك الحكم خاضعاً لكثير من الأفكار المسبقة. لنأخذ هنا مثال العلاقة بين ترامب وميلانيا. انغمس كثر في تحليل البرود وغياب الحب بين الاثنين بناء على ما يقوله جسديهما في العلم. ولكن هل كانت التحليلات لتكون نفسها في حال كانت ميلانيا من عمر ترامب، أو كان لترامب منسوب الجمال نفسه الذي تحظى به ميلانيا؟

3- الوجه لا يعكس الحقيقة

نقطة أخرى يشكك فيها الخبراء هي القدرة على قراءة الوجه. يقول براون إن الإنسان مع الوقت نجح في السيطرة على حركات وجهه، ما يجعل قراءة الجسد أكثر صدقية من الوجه. يوافق أستاذ علم التصرف في جامعة شيكاغو نيكولا إيبلي على هذه المسألة. يقول "حتى أكثر الناس الذي يعتقدون بقدرتهم على قراءة تعبيرات الوجه يخطئون في أغلب الأحيان". لا يشكك إيبلي بالنظريات التي تحدث فيها العلماء، كداروين وفرويد، عن "الحدس" الذي يمتلكه كل منا ويساعد على فهم نوايا الشخص من جسده، ولكنه يعيد التأكيد على رسالته الأساسية وهي "التواضع لدى من يدّعون المعرفة". "نحن لا نعرف لغة الجسد بقدر ما نعتقد"، يقول إيبلي، فهل تصل رسالة إيبلي إلى قارئي لغة الجسد في عالمنا العربي؟

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard