شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"حرب أكتوبر"... هل كانت تمثيليّة من إخراج كيسنجر وبطولة مصر وإسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 4 أكتوبر 201711:18 ص

يخوض مؤرخون إسرائيليون جدلاً حول حرب أكتوبر. وفي هذا الإطار كتب المؤرخ العسكري الإسرائيلي أوري ميلشتاين مقالاً في صحيفة معاريف، حول كتابه "انتصار باحتمالات ضئيلة... حقائق حول حرب يوم الغفران"، والذي سيُنشر قريباً، يذهب فيه إلى أن تلك الحرب كانت بمثابة خطة في غاية الدهاء برعاية وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر. ومع الانتباه إلى سعي بعض الإسرائيليين إلى التقليل من أهمية الانتصار المصري في أكتوبر، فإنه من المهم عرض ما يُقال وفتح المجال للباحثين المصريين للرد وتقديم رواية متماسكة، عسكرية-دبلوماسية، عن ذلك الحدث المهم. يقول ميلشتاين: "أصعب الأسئلة المتعلقة بحرب أكتوبر هو لماذا لم يتم تجنيد قوات الاحتياط حتى صباح ذاك اليوم، في اللحظة الأخيرة، رغم حصول إسرائيل على معلومات عبر قنوات مختلفة تؤكد جميعها أن الحرب على الأبواب". ويضيف: "الحجة الرائجة لهذا الأمر هي انعدام رغبة القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية في استدعاء الاحتياط للمرة الثانية خلال أربعة أشهر، بعد استدعائه هباء في مايو 1973، بسبب تقديرات تقول إن الحرب على الأبواب". ويشرح أن "أحد الأسانيد التي يستند عليها هذا الرأي هو أنه بعد 25 يوماً من موعد اندلاع الحرب، كان من المقرر أن تجرى انتخابات في إسرائيل، وفضّلت القيادة تجنب مثل هذه التعبئة قبل الانتخابات". ولكن برأيه، هذا التفسير ليس الوحيد ولا الأكثر منطقية.

"المؤامرة"

يفترض ميلشتاين أن هناك "مؤامرة" أو "خطة ذكية أعدت لحرب أكتوبر". ويقول: "بشكل عام، المؤامرة التي أتناولها في كتابي تتلخص في التالي: من أجل إقامة السلام بين مصر وإسرائيل، ونقل مصر من حضن الاتحاد السوفياتي إلى الحضن الأمريكي، في ظل الظروف الثنائية والدولية والإقليمية السائدة عام 1973، فكر وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر، والرئيس المصري محمد أنور السادات أو وزير الدفاع (الإسرائلي)، موشيه ديان، أو كلاهما، وربما هنري كيسنحر بمفرده في وضع خطة سرية". وبحسب الخطة التي يفترضها، يسمح الجيش الإسرائيلي للجيش المصري بمفاجأته وعبور قناة السويس، وتحقيق انتصار محدود يزيل به عار الهزيمة التي لحقت به عام 1967، فهذا الانتصار الصغير سيهز الشعور بالأمن لدى الإسرائيليين ويجعلهم مستعدين للتنازل عن سيطرتهم على سيناء مقابل اتفاق سلام. ثم يقوم الجيش الإسرائيلي بتعبئة الاحتياط، ويطرد المصريين من الضفة الشرقية، ويعبر قناة السويس ويحتل قواعد للجيش المصري غرب القناة، وبذلك يثبت للمصريين أنهم غير قادرين على طرد إسرائيل بالقوة من سيناء، وإذا رغبوا في استعادة القناة وسيناء، فعليهم الموافقة على اتفاق سلام مع إسرائيل. ثم تفرض الولايات المتحدة على إسرائيل وقف إطلاق النار والانسحاب من الضفة الغربية لقناة السويس، وبذلك يثبت للمصريين أنه من الأفضل البقاء في ظل الرعاية الأمريكية بدلاً من السوفياتية. وبحسب ميلشتاين، يستند نجاح الخطة على امتناع إسرائيل عن تعبئة الاحتياط رغم حصولها على معلومات استخباراتية تؤكد أن الحرب على وشك الاندلاع. ونظراً لأن تعبئة الاحتياط كقرار مرتبط بصلاحيات رئيسة الوزراء، غولدا مائير، ونظراً لأن الاستخبارات العسكرية كانت لديها قناعة بأن مصر لن تشن حرباً بسبب ضعف جيشها، فسيكون هناك عذر مقبول لعدم التعبئة، وبذلك يمكن تقليل عدد المتشاركين في الخطة بالسر مع غولدا مائير وموشيه ديان.

خطة شفوية

ويتابع ميلشتاين أن الخطة تم الاتفاق عليها شفوياً. ولذلك، فإذا لم يقم أحد المشاركين فيها بكشف هذا السر، فلن يُكشف بعد ذلك على الإطلاق. كما استندت الخطة على فرضية أن الجيش الإسرائيلي أكثر قوة من نظيره  المصري، وتضمن قوة الجيش الإسرائيلي أن يحقق نظيره المصري انتصاراً محدوداً، يكلف إسرائيل خسائر محدودة، ويمكن لإسرائيل قلب المعادلة بعد ذلك، حتى بدون تحذير جيشها. وفي تفاصيل حرب أكتوبر، يقول ميلشتاين: "في ليلة السبت 29/9/1973، أي قبل اندلاع الحرب بنحو أسبوع، سافرت غولدا مائير لحضور مناقشات مجلس أوروبا في ستراسبورغ بفرنسا، وفي حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وصلت رسالة من عميل للموساد (ليس أشرف مروان) قال فيها إن مصر ستشن الحرب غداً، وبعد ساعتين جاء تصحيح للرسالة يقول: يوم الاثنين 1/10/1973 ستبدأ مصر مناورات عسكرية، وفي نهايتها ستقوم مع سوريا بقصف إسرائيل. وقبل الساعة الرابعة فجراً، قدّم مدير مكتب رئيس الوزراء، إيلي مزراحي، تلك المعلومات إلى يغال ألون، نائب رئيس الوزراء، لكن ألون قلل من أهمية تلك المعلومات. وبعد الحرب طُلب من مزراحي عدم ذكر ذلك أمام لجنة أغرانات، وهو ما نفذه بسهولة لأنه لم يكن مطلوباً للشهادة أمام اللجنة"في المقابل، طلب وزير الدفاع، موشيه ديان، من مزراحي ومستشار رئيس الوزراء إسرائيل غليلي أن ينسقا اجتماعاً مع غولدا مائير فور وصولها. فاتصل غليلي بها، وبعد انتهاء المحادثة معه قررت التبكير بعودتها لتصل في 2/10/1973. وبحسب مزراحي فقد طلب منه غليلي عدم ذكر تلك المعلومات أمام لجنة أغرانات. يوم الثلاثاء 2/10/1973، أكد المصدر المعلومة التي تقول إنه بعد انتهاء المناورات ستندلع الحرب، وأكدت سبعة مصادر أخرى تلك المعلومة، وانتظر ديان غولدا مائير بالمطار، وتحدثا على انفراد. لكن في الاجتماع الذي عقد الأربعاء 3/10/1973، بناء على طلب ديان، لم يتم الحديث نهائياً عن الحرب التي يمكن أن تندلع. ويقول تسيفي زمير، رئيس الموساد آنذاك، عن هذا الاجتماع: "كان من الصعب معرفة هدف هذا اللقاء". ويروي ميلشتاين: "تم عقد اللقاء قبل حوالي 100 ساعة من الموعد المحدد لانتهاء المناورات المصرية والتي ستؤدي إلى الحرب، ونظراً لأن المعلومة التحذيرية وصلت من مصادر موثوق بها فمن الممكن فهم لماذا تثار أسئلة صعبة وتوقعات بوجود مؤامرة".
مؤرخ إسرائيلي: حرب 73 مؤامرة لكسينجر هدفها إزالة عار هزيمة 67 عن مصر وجعل إسرائيل ترضى بالتخلي عن سيناء
مؤرخ عسكري إسرائيلي: حرب أكتوبر كانت خطة في منتهى الدهاء برعاية وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر لدفع المصريين والإسرائيليين إلى اتفاق سلام

أساسان لنظرية المؤامرة

ترتكز نظرية المؤامرة على سؤالين أساسيين: الأول هو لماذا لم تتم تعبئة وحدات الاحتياط بالقوات البرية والتي تشكل القوة الأساسية للجيش الإسرائيلي، رغم المعلومات الموثوق بها التي وصلت إلى القيادة العليا في إسرائيل حتى الساعات الأولى "من يوم الغفران" نفسه، أي قبل ساعات قليلة من اندلاع الحرب؟

 والسؤال الثاني هو لماذا أصدرت القيادة العليا للجيش أوامر بتعبئة الاحتياط صباح يوم الحرب على الرغم من تعهدها لكيسنجر بعدم فعل ذلك؟ ويوضح ميلشتاين أنه بالنسبة للسؤال الأول، فقد قدمت إجابات غير كافية من الناحية العسكرية والسياسية، أما السؤال الثاني، فلم يتطرق إليه النقاش الإسرائيلي نهائياً. ويتابع أنه في عام 1973، كانت الاستخبارات العسكرية لديها أداة سرية تطلق عليها اسم "الأدوات الخاصة"، وهي مجموعة عناصر تمد إسرائيل بمعلومات موثوق بها. وعلى مدار السنوات التي مضت منذ اندلاع الحرب، يُطرح سؤال واحد: "لماذا لم تفعّل الاستخبارات العسكرية تلك الأدوات؟". في 4/7/2013، خلال اجتماع الجمعية الإسرائيلية للتاريخ العسكري، هاجم البروفسور أوري بار يوسف، واللواء احتياط، يوسي لنجوتسكي، رئيس الاستخبارات العسكرية إبان الحرب، إيلي زعيرا، بسبب عدم تفعيل الأدوات الخاصة في الأسبوع السابق للحرب، بل قالوا إن زعيرا أخبر رئيس الأركان، دافيد أليعازر، ووزير الدفاع ديان، بأن تلك الأدوات عاملة بالفعل. وقال ضابط احتياط في الوحدة 848 (تحوّلت في ما بعد إلى الوحدة 8200)، هو صافي بن يوسف، إنه الوحيد الذي كان يقود الوحدة التي تتلقى المعلومات من الأدوات الخاصة وتحليلها. لكنه في صباح يوم 6 أكتوبر، كان يمارس رياضة الغوص في إيلات وبعدها تم استدعاؤه للعودة إلى وسط البلاد وقال: "الأدوات الخاصة بدأت العمل بعد مضي 8 ساعات من اندلاع الحرب".

ويرفض ميلشتاين الحجج التي يسوقها أتباع زعيرا والتي تقول إنه لم يشغل تلك الأدوات خوفاً من اكتشافها أو إنه كان شخصية عنيدة ومغرورة وكانت توقعاته تخالف المعلومات الموجودة لدى القيادة السياسية. لذلك كذب على وزير الدفاع، ويقول: "زعيرا رجل متعجرف لكنه ليس غبياً".

 ويتابع ميلشتاين أن السؤال الأبرز في نهاية الأمر يدور حول تنفيذ عملية تعبئة الاحتياط في يوم عيد الغفران، يوم السبت، رغم أن إسرائيل تعهدت لكيسنجر بعدم تعبئة الاحتياط، ورغم أن وزير الخارجية الأمريكي أوضح لها أنها إذا لم تلتزم بتعهداتها فإن بلاده يمكن ألا تمدها بالمعدات العسكرية كما تعهدت لها.

مؤامرة أمريكية قادت لحرب 6 أكتوبر، أم أنها مجرد ادعاءات إسرائيلية ضمن حملاتهم للتقليل من أهمية الانتصار المصري في هذه الحرب؟

لكن قبل الساعة العاشرة صباحاً بوقت قليل، بدأت تعبئة الاحتياط، رغم أن معلومة اندلاع الحرب كانت لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية الساعة الثالثة فجراً، ونقلها رئيس الموساد، تسيفي زمير، في نهاية لقائه مع أشرف مروان بلندن. ويشير المؤرخ العسكري إلى أن 6 ساعات ونصف وقت كافٍ جداً لتعبئة الاحتياط، وأن أشرف مروان لم يكن عميلاً للموساد ولم يكن عميلاً مزدوجاً لمصر، بل رجل اتصال، مهمته الأساسية أن ينقل لإسرائيل المعلومة قبل 12 ساعة من اندلاع الحرب، تلك المعلومة التي تتم بها المؤامرة.

دور كبير لديان

وبحسب ميلشتاين، منع ديان، الذي ربما يكون الطرف الإسرائيلي الوحيد في المؤامرة، تجنيد الاحتياط حتى الساعة العاشرة صباحاً، ولو حدثت التعبئة فور تلقي المعلومة من زمير لكانت معظم القوات وصلت إلى جبهتي الجولان وسيناء في الساعة الثانية إلا خمس دقائق، وهو وقت بدء الحرب. ولو حدث ذلك، لكان ممكناً لكتيبة أرييل شارون (الكتيبة 143 مدرعات) وكتية أبراهام أدان (الكتيبة 162) الوصول إلى جبهة القتال في ساعات مبكرة من صباح اليوم التالي ليوم الغفران، وليس بعد الظهر، بعد أن كان المصريون قد نصبوا أنظمتهم الدفاعية في المناطق التي سيطروا عليها، كما كان من الممكن منع قوات الكوماندوز المصرية من تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة وهو في طريقه إلى جبهة القتال، بالإضافة إلى منع وقوع معركة القنطرة.  

 ويؤكد المؤرخ أن هذه الإجراءات لكي تكون ناجحة كان لا بد من إرسال كتيبة واحدة إلى هضبة الجولان وأخرى إلى سيناء لأن الجيش الإسرائيلي لم يكن لديه وسائل النقل اللازمة لإرسال كتيبتين كاملتين إلى ضفة القناة ووحدات إضافية من المدفعية وغيرها. ويقول: "قاد هنري كسينجر بالتنسيق مع الاتحاد السوفياتي قرار مجلس الأمن الخاص بوقف إطلاق النار في 22 أكتوبر". وقامت إسرائيل بخرق هذا القرار بالتنسيق مع كيسنجر، على النحو التالي: في اليومين التاليين تم تشديد الحصار على الجيش الثالث المصري، وقامت قوات إسرائيلية بالسيطرة على ميناء الأدبية على الشاطئ الغربي لقناة السويس، وتم تكليف كتيبة شارون بالسيطرة على الإسماعيلية، وكتيبة باران بالسيطرة على السويس، لكن تم إلغاء مهمة شارون، وفشلت مهمة الاستيلاء على السويس، وتكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة.

في 23 أكتوبر، توجه الرئيس السادات مباشرة إلى الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وطلب منه التدخل ولو عن طريق استخدام القوة من أجل التنفيذ الكامل لقرار وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من أن الموضوع كان حرجاً بالنسبة للسادات، إلا أن كيسنجر لم يتعجل، وبعد أربع ساعات تحدث في الموضوع مع السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، سمحا دينيتس، وضغط على إسرائيل للتراجع بضع مئات من الأمتار.

هكذا يمكن توضيح لماذا تورطت إسرائيل في القتال بالسويس، ما كبدها نحو 80 قتيلاً وحوالي 120 جريحاً، بالإضافة إلى خسائر فادحة في المعدات. ومرة أخرى ثبت ضعف الجيش الإسرائيلي. مقابل ذلك سمح قطع طريق إمدادات الجيش الثالث المصري لكيسنجر بالضغط على إسرائيل لفتحها وبذلك ظهر في صورة المخلص لمصر. انتهت الحرب في 24/10/1973. وفي 18 نوفمبر، تم تعيين اللواء يسرائيل تال، نائب رئيس الأركان، قائداً للقيادة الجنوبية، بدلاً من شموئيل غونين، وكان ذلك بعد ستة أيام من توقيع اتفاق لإقرار وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل في الكيلو 101، وحينها بدأ الحديث عن فصل القوات.

في الانتخابات العامة التي أجريت في مايو 1977، دخل ديان الكنيست كعضو عن المعراخ. وعلى الرغم من ذلك، وفي خطوة مفاجئة للجميع، تم ضمه إلى حكومة بيغن كوزير للخارجية. ثم ترك المعراخ، وأقام كتلة "ياخيد"، وقاد عملية اتفاق السلام مع مصر، وبذلك اكتملت الدائرة: "الولايات المتحدة أزالت الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى راعية، وحصلت مصر على سيناء كاملة، وإسرائيل قبلت اتفاق السلام".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard