شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
معارضون لأردوغان وجدوا ملاذهم الآمن في القاهرة

معارضون لأردوغان وجدوا ملاذهم الآمن في القاهرة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 14 مايو 201703:32 م

لم يتردد التركي حاجي مصطفى لحظةً في اللجوء إلى مصر، حينما أبلغته مصادره الخاصة في الشرطة التركية بصدور أوامر باعتقاله مع رجال أعمال آخرين في حركة "الخدمة"، بعد ساعات قليلة من احتواء محاولة الانقلاب الفاشلة على نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في يوليو 2016.

مصطفى الذي تخطى عقده السابع بعامين، حزم أغراضه بصحبة بعض أفراد أسرته، وانتقل من مدينة إزمير الساحلية إلى مدن أخرى داخل تركيا، تاركاً خلفه ثروة مكونة من سبع شقق سكنية ومحطة بنزين، إلى أن استقر مقامه في حي التجمع الخامس الراقي على أطراف القاهرة الجديدة.

"هربنا من تركيا إلى مصر خوفاً من الاعتقال والمحاكمة بتهمة تدبير الانقلاب على أردوغان، فنحن مسلمون ملتزمون ومصر دولة إسلامية أيضاً"، قال مصطفى لرصيف22.

أسرة حاجي ضمن 20 أسرة منتمية إلى حركة "الخدمة" التي اتهم أردوغان مؤسسها فتح الله غولن بتدبير الانقلاب ضده، فرّت إلى القاهرة منذ ذلك التاريخ، اعتماداً على انتشارها الكبير في مصر عبر سلسلة مدارسها الدولية ودور النشر التابعة لها.

غير أن التوتر السياسي بين حكومتي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأردوغان، بسبب موقف الأخير من أحداث 30 يونيو 2013، ورفضه الاعتراف بشرعية السيسي حتى الآن، أزال الخوف من نفوس أعضاء الحركة الإسلامية على مستقبلهم في القاهرة حيث لا تطالهم أيادي أردوغان.

يجلس مصطفى بجوار زوجته زينب في منزلهما في منطقة الياسمين بضاحية التجمع الخامس. استدعيا الذكريات السيئة عن وقائع ليلة الهروب من إزمير، واعتقال ابنهما الأكبر حسين، الذي رفض مغادرة محل إقامته هو وزوجته وأطفاله الثلاثة.

ويقول مصطفى بنبرة هادئة: "فقدنا ابننا وممتلكاتنا التي ستعرضها الحكومة للبيع خلال هذا الشهر، والآن نعيش داخل مسكننا مع ولدنا وأحفادنا في أمان، دون أمل لنا في العودة من جديد".

مضى على انضمام مصطفى إلى الخدمة نحو 40 عاماً. كان نشاطه عبارة عن تمويل النشاط الخدمي والتعليمي في بلدته الواقعة في غرب تركيا، اقتداءً بالأفكار الأساسية التي يروج لها غولن باستمرار.

رغم الفترة الطويلة التي قضاها الثنائي في الخدمة، فقد ابتعدا عن المشاركة السياسية، تقول زينب: "الخدمة تخدم الناس ولا تمارس السياسة، فلم نؤسس حزباً أو نشارك في حزب سياسي، ولا نعلم لماذا تحاربنا حكومة أردوغان؟".

تشعر الزوجة الآن بالأمان على حياتها في القاهرة. مرت ثمانية أشهر على وصولها. حتى اللحظة، لا تزال الإقامة قانونية بجوازات سفر سارية، وتوضح: "لا نعرف مصيرنا لكن المؤكد أننا لن نستطيع العودة إلى بلادنا في حكم أردوغان. يتعرض أقاربنا لانتهاكات مستمرة".

يلتقط مصطفى طرف الحديث من زوجته: "ينتظرنا مستقبل سيئ، فلا يوجد أمل لدينا في العودة وسوف يقبضون علينا حال عودتنا في أي وقت. من الممكن أن نعيش باقي حياتنا في مصر".

التجمع الخامس حاضنة الأتراك

يبدو حي التجمع الخامس حاضنة اجتماعية للأتراك المعارضين على أرض مصر. تعيش في الحي نحو 100 أسرة جميعها من حركة الخدمة، و20 منها جاءت إلى مصر العام الماضي بعد فشل الانقلاب على أردوغان. كذلك، توجد مؤسسات الحركة المتمثلة في مدارس صلاح الدين الدولية، ودار النيل للنشر، التي تتبني نشر أفكار الزعيم الفكري للحركة فتح الله غولن، ومقر لجريدة الزمان المعارضة.

ومصر ضمن 160 دولة تنتشر فيها أفكار غولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود. وتتخذ حركة الخدمة من التعليم الإسلامي وسيلة لها لتشكيل هوية إسلامية قائمة على نشر تعاليم الدين الصحيح تحت مصطلح "الإسلام الاجتماعي"، استناداً إلى مبادئ غولن التي تضع الجهل والفقر والتفرق في أولويات القضايا التي تعمل على حلها.

القاهرة بيئة آمنة لنشاط المعارضين الأتراك من أتباع فتح الله غولن ولنشاط وسائل إعلامية معارضة
يحتضن​ حي التجمع الخامس في مصر الأتراك المعارضين وهم نحو 100 أسرة تنتمي إلى حركة الخدمة

وصلت أفكار الخدمة إلى مصر بتأسيس أولى مدارسها في القاهرة عام 1998 في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ثم توسعت لتشمل سلسلة مدارس في محافظات القاهرة والإسكندرية وبني سويف.

يدرس في هذه المدارس الطلاب الأتراك والمصريون مناهج تعليمية يغلب عليها الطابع الديني، وقد تأسست على يد رجال أعمال أتراك منتمين إلى الحركة تحت إشراف وزارة التعليم المصرية.

الاحتواء المصري لمشروعات غولن استمر من حكومات مبارك إلى السيسي، وهو ما ساهم في تفكير أعضاء الحركة الملاحقين باللجوء إلى مصر بعد اعتقال عدد كبير منهم. ورفضت الحكومة المصرية طلباً لتركيا لإغلاق مدارس الحركة بعد 30 يونيو، بعكس دول المنطقة التي استجابت لضغوط أردوغان.

وتبنى نواب مصريون فكرة استضافة فتح الله غولن إذا ما قررت الولايات المتحدة الأميركية التخلي عنه في أي وقت، وهو الطلب الذي لم ترفضه الحكومة وركلت بالكرة إلى ملعب زعيم الخدمة ليقرر مصيره، ما يعكس إرادة القاهرة في الضغط على أردوغان.

استقبال على خلفية توتر

لا ينفي إسحاق إنجي، رئيس تحرير النسخة العربية لجريدة زمان التركية التي تمتلك مقراً لها في التجمع الخامس، وهي إحدى الواجهات الإعلامية لحركة الخدمة، أن التوتر السياسي بين الحكومتين بعد 30 يونيو لعب دوراً كبيراً في استقطاب أعضاء الحركة إلى مصر بعد فشل الانقلاب على أردوغان.

ويوضح إنجي لرصيف22، أن بعض البلاد العربية سلمت أعضاء الخدمة بإيعاز من أردوغان، ومنها الصومال والسودان والسعودية، فيما كانت مصر في الوقت ذاته ترحب بهم وترفض تسليمهم أو غلق مدارسهم على أراضيها.

ويشير إنجي، الذي يقيم في القاهرة منذ 15 عاماً، إلى أن معظم الذين فروا من تركيا إلى القاهرة بعد أحداث الانقلاب الفاشل، إما صادرت الحكومة ممتلكاتهم، أو هددوا بالاعتقال والمحاكمة، وجميعهم من ميسوري الحال كرجال الأعمال والمدرّسين، لكنهم يعانون أيضاً من تضييق القنصلية التركية في القاهرة لدى تجديد الإقامة وجوازات السفر، بعد تطهير السفارات من المنضمين إلى الخدمة.

ويكشف مصدر قريب من حركة الخدمة لرصيف22 أن أجهزة الأمن المصرية تسعى إلى تسهيل إقامة أنصار غولن في القاهرة، كونها ورقة ضغط من السلطات المصرية على نظيرتها التركية، لافتاً إلى أن الأجهزة تستعين بهم في فهم الأحداث الجارية في أنقرة.

لكن إنجي يؤكد أنهم لم يحصلوا على أي دعم مالي من الحكومة المصرية منذ بدء نشاطهم، لكنه لم ينفِ في الوقت نفسه موافقتها على عقد ندوات سياسية في مركز النيل للترويج لأفكار الحركة، وشرح الأوضاع السياسية في تركيا.

يبدو إنجي واثقاً من عدم استغلال وجودهم في القاهرة في الضغط على حكومة بلادهم تحت أي ظرف، ويقول: "لا توجد نية لدى مصر لاستخدامنا سياسياً"، متوقعاً أن يستمر تسهيل أمورهم مت دامت الخلافات بين القاهرة وأنقرة قائمة.

يعمل في مكتب جريدة زمان في القاهرة ثلاثة صحافيين أتراك بينهم إسحاق إنجي وتورغوت أوغلو، المدير الإقلميى للشرق الأوسط، ومجموعة من الكتاب والمترجمين المصريين. تركز جزء من عملهم على نشر أفكار غولن ورصد خطايا أردوغان، إلى جانب الدفاع عن مواقف الحكومة المصرية والجيش في بعض القضايا.

وقال تورغوت أوغلو لرصيف22 إن حركة الخدمة ووسائلها الإعلامية "تقدر أهمية دور مصر كقلب نابض للأمة العربية، وتسعى إلى الانتشار من خلال مؤسساتها التعليمية والثقافية دون التورط في النزاعات السياسية كالإخوان المسلمين".

استقر أوغلو في مصر منذ 18 عاماً. يرى نفسه ضد أفكار حزب العدالة والتنمية وفي المعسكر الصحيح للدفاع عن مشروع الإسلام الوسطي والديمقراطية.

يعزو أوغلو نشاط الخدمة المكثف في مصر بعد "مسرحية الانقلاب"، بحسب وصفه، إلى شجاعة النظام المصري على مواجهة جنوح أردوغان، مدللاً على ذلك باعتقال أفراد من الحركة قبل شهرين في السعودية بحجة الانتماء إلى تنظيم داعش.

يتجلى التقارب المصري مع حركة الخدمة في المصريين المساهمين في مشروعاتها سواء التعليمية أو الثقافية، فيظهر اسم الشيخ علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، ضمن مجلس أمناء مدارس صلاح الدين الدولية. كما يشرف مصريون على إصدار مجلة "نسمات" الإلكترونية الفصلية، المهتمة في نشر الأبحاث عن أفكار الزعيم فتح الله غولن.

يقول صابر الشرفي، رئيس تحرير "نسمات"، إن الحركة يشارك فيها مصريون كثر من المهنيين والباحثين والصحافيين والمدرسين، وجميعهم يعملون منذ سنوات تحت لواء غولن ويؤمنون بمشروعه القائم على المعرفة.

ويضيف لرصيف22 أن جميع مؤسسات الخدمة تعمل بشكل قانوني تحت أعين الدول المصرية، خصوصاً أن هدفها الأول خيري عملاً بمقولة غولن: "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة".

وينقل إسحاق إنجي رسالة غولن إلى أعضاء الخدمة، وهو كان قد زاره في مقر إقامته بالولايات المتحدة في يناير الماضي، بأنه ينصح جميع الأعضاء بتأسيس مشروعات جديدة في الدول العربية الداعمة لهم بدلاً من التفكير في العودة إلى تركيا في مثل هذه الظروف.

"الخدمة استفادت كثيراً من الخلاف بين السيسى وأردوغان، ومستقبلها رهن عودة العلاقات بينهما". هذا ما يقوله محمد حامد، الباحث في الشأن التركي، مضيفاً أن انتشار مدارس صلاح الدين في أكثر من محافظة ودار النيل والسماح لفريق جريدة زمان المعارضة بالعمل من مصر كلها، دلائل على دعم الحكومة المصرية لجماعة فتح الله غولن، حتى وإن لم تقدم لهم الدعم المادي. وبرأيه، هي رسالة سياسية واضحة للرد على احتضان أردوغان لقيادات الإخوان المسلمين.

ويعتبر حامد أن "الخدمة ستتمدد في مصر ويعيش أعضاؤها في أمان وحماية الأمن المصري ما دامت العلاقات ندية بين القاهرة وأنقرة، لكن إذا تحسنت وارتفت إلى حد تقارب وجهات النظر، فربما يجدون أنفسهم ضحية في النهاية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard