شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الدول العربية: بين إعدام المثليين وإدانة قتلهم مجرّد مصالح استراتيجية

الدول العربية: بين إعدام المثليين وإدانة قتلهم مجرّد مصالح استراتيجية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 30 يونيو 201712:01 ص
المشهد الأول: يقدم عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في بلد عربي على قتل عدد من المثليين رمياً من مرتفع شاهق أو رجماً بالحجارة. يستنكر البعض بشكل خجول ممارسات "داعش"، ويلصقها في الإطار العام لكل جرائم التنظيم الدموي، بينما تعتبر الدول العربية التنظيم دخيلاً على الإسلام. المشهد الثاني: يقدم شاب أميركي من أصل أفغاني على مهاجمة ناد ليلي للمثليين، ويقتل 50 من الموجودين، ويجرح العشرات. يخرج العالم ليستنكر المجزرة، تواكبه في ذلك العديد من الدول العربية. تعتبر الأمر فعلاً إرهابياً من دون أن تشير حقيقة إلى دوافع هذا الفعل، وتماهيه في بعض الأحيان مع معاقبة المثليين لديها. بعد وقوع المجزرة الأميركية، التي اعتُبرت من بين الأعنف في تاريخ أميركا، خرج عدد من الدول العربية ليستنكر قتل الأبرياء متعاطفاً مع ذوي الضحايا. أول المعزين كانت السعودية إذ بعث الملك السعودية ببرقية تعزية للرئيس أوباما، مما جاء فيها أن "المملكة العربية السعودية تدين الاعتداء على الأبرياء في أورلاندو، وتتعهد بشكل حازم بالتعاون مع الولايات المتحدة للوقوف في وجه الإرهاب”. بدورها دانت الإمارات العربية المتحدة الاعتداء الدموي، ومثلها فعلت البحرين وقطر والكويت التي استنكرت الاعتداء باعتباره "أذى بالغاً على الإسلام، ويبعد تمام البعد عن تعاليمه النبيلة".
اعتداء أورلاندو يكشف الازدواجية التي تتعامل الدول العربية بها مع الاعتداءات الإرهابية التي تمس الإسلام في صلبه
الأردن كذلك دانت الاعتداء "أياً كانت أسبابه ودوافعه" والأمر نفسه انسحب على مصر. لم يتطرق أي ممن دانوا الاعتداء إلى دوافعه بشكل مباشر. لكن ما حصل أثار موجة من النقاش بشأن موقف الإسلام من مثليي الجنس والعقوبات التي تطالهم، وبشأن العلاقة بين "الإسلاموفوبيا" في الغرب و"الهوموفوبيا" التي لا ترتبط حصراً بالإسلام. من هنا تنبع أهمية مقاربة الاعتداء الذي حصل لتداخل وتعقيد دوافعه ومنطلقاته. يقول الكاتب في صحيفة "الغارديان" البريطانية غاري يونغ إن كل طرف سياسي يمكن أن يأخذ ما يريده من هذا الانفجار ويصوّب على أساسه. البعض قد يستغله سياسياً على أبواب الانتخابات، والبعض الآخر يستغله للتصويب على الصراع بين أوباما وجهاز الاستخبارات الأميركية. البعض قد يقول إن المشكلة في الهجرة، لكن عمر متين ولد في الولايات المتحدة. البعض الآخر قد يرد الفعل إلى الإسلام وحده ولكن الاعتدادات الجماعية التي حصلت في السنوات الماضية ليست بسبب الإسلام كلها. هناك من قد ينتقد بيع السلاح المتفلت في الولايات المتحدة، لكن متين اشترى السلاح بناء على رخصة. وثمة من يلوح بـ"داعش"، لكن ما ظهر أن متين لم يكن منتسباً، بل ربما تأثر بالأفكار، فهل يمكن محاسبة الناس على أفكارهم قبل إقدامهم على أي أمر؟ وهناك طرف قد يتحدث عن غياب الاندماج الديني ولكن هل يقبل الدين المسيحي بالمثلية، وقد شهدت الولايات المتحدة في فترات سابقة اعتداءات على مثليين لم يقم بها مسلمون؟ أما من يتحدث عن الإرهاب بشكل عام، فيعوزه أيضاً الانتباه إلى أن الفعل لم يكن اعتباطياً بل استهدف المثليين تحديداً. يشير لذلك ما رواه والد متين عن أن ابنه انزعج من رؤية رجلين تبادلان القبلات أمام ابنه وزوجته، وما تحدثت به طليقة متين عن سلوكه العدائي وازدواجيته. في المقلب الآخر، حيث بعض الدول العربية، لا يمكن فصل التفاعل مع القضية عن المصالح السياسية والاستراتيجية. في العلن، يتبنى الجميع "الحرب على الإرهاب"، لكن في هذه القضية يبدو التناقض واضحاً عند العودة إلى تشريعات وقوانين بعض هذه الدول في تعاطيها مع المثلية الجنسية، إذا أردنا تجنب القول المتداول عن أن الإسلام يحمل في طياته بذور عنف، لما فيه أحياناً من تحوير ومحاولات تلاعب على الأحداث. تتنوع العقوبات التي تطال المثليين في الكويت والسعودية ومصر والإمارات وغيرها، من السجن إلى الرجم والإخصاء الكيميائي وصولاً إلى الإعدام. ما تقدّم يعيد فتح النقاش بشأن فعالية محاربة التطرف التي تأتي على قياس كل جهة، وليس كسلة متكاملة يندرج في إطارها كل ما يعتبر فعل تمييز وكراهية. كان لافتاً في سياق ما جرى، ما أعلنه مسلمو أميركا من تضامن مع الضحايا، في وقت خرج عدد من المسلمين ليعلنوا إما مثليتهم والتزامهم في الوقت نفسه بالشعائر الإسلامية، وإما ليدعوا العالم لعدم محاربة "الإسلاموفوبيا" حصراً وتجاهل "الهوموفوبيا" التي باتت تهديداً فعلياً. وذكر هؤلاء بأن المثليين وتجمعاتهم وقفوا بشكل جدي في وجه الحملات ضد المسلمين وحاربوا "الإسلاموفوبيا" جنباً إلى جنب معهم، فلماذا لا يُقابلوا بالمثل؟ النقاش الذي فتحه بدوره الكاتب في "ذا دايلي بيست" ماجد نواز" بشأن المثلية في التاريخ الإسلامي، والمقاربة العقلانية التي طرحها عن تحوير المسلمين حالياً لموضوع المثلية الجنسية، والرواية المغلوطة لـ"قوم لوط" التي يعتمدون عليها، يبدو ضرورياً (وإن لم يكن دقيقاً مئة في المئة)، ففي ظل هذا التطرف الحاد من الجانبين تنبع الضرورة القصوى لإعادة فتح النقاش على مصراعيه في هذا الشأن. واضح أن الأمور ليست قابلة للنقاش بتلك السهولة التي تناولها المقال، ولا حتماً بسهولة تلك القبلة التي طبعها رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو على فم خصمه زعيم المعارضة تضامناً مع المثليين، ولكن اعتداء أورلاندو يكشف مرة أخرى تلك الاستنسابية التي تقارب بها الولايات المتحدة، والغرب عموماً، ملفاتها والاعتداءات الأمنية على أرضها، ويظهر الازدواجية التي تتعامل الدول العربية بها مع الاعتداءات الإرهابية التي تمس الإسلام في صلبه (الهجوم على  "شارلي هبدو"، الاعتداء على مثليين…). والواقع الدموي لم يعد يحتمل المقاربتين أو بالحد الأدني يصدقهما.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard