شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل يمكن تفادي ”عرقنة“ لبنان؟

هل يمكن تفادي ”عرقنة“ لبنان؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 21 أكتوبر 201611:52 ص

تفجير في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت. تفجيران في مدينة طرابلس. القتلى عشرات. الجرحى مئات. المناطق المستهدفة مناطق سكنية، شيعية في الحالة الأولى وسنّية في الحالة الثانية. يبدو أن الأزمة السورية انفجرت أخيراً في لبنان.

بعد وقوع التفجير الإرهابي في منطقة الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت، في 15 أغسطس الحالي، اعتبر رئيس الوزراء العراقي أن هذا التفجير "حلقة متقدّمة للفتنة الطائفية" لافتاً إلى أن "الجهات التي نفّذته تقف وراء تفجيرات العراق"! المقارنة بين التفجيرات التي وقعت في لبنان وتلك التي يشهدها العراق منذ سنوات عُقدت على لسان شخصيات سياسية عدّة نبّهت إلى خطورة حالة الشحن المذهبي المستشرية بين شيعة لبنان وسنّته، والتي تنذر بخطر الانجرار إلى استيراد نسخة لبنانية من السيناريو العراقي.

يشهد لبنان منذ فترة أزمة سياسية حادّة حالت دون إجراء انتخابات نيابية كان من المفترض إجراؤها يونيو الماضي، وأدت إلى استقالة حكومته والعجز عن تأليف حكومة جديدة، وعطّلت عمل المؤسسات السياسية. التوتر السياسي في لبنان ليس أمراً مستجداً، فجذوره تعود إلى أواخر العام 2004 ونتجت عنه موجات اغتيال كثيرة طالت شخصيات سياسية وإعلامية معادية للنظام السوري. لكن قرار حزب الله اللبناني المشاركة عسكرياً في المعارك الدائرة في سوريا عقّد الأمور كثيراً، خاصة بعد معركة مدينة القصير التي أخذ الحزب مهمة استرجاعها من مقاتلي المعارضة على عاتقه. حزب الله أعلنها حرباً ضد ما أسماه "تكفيريين" لتبرير دفاعه عن النظام السوري. في المقابل ذهب عشرات من السلفيين اللبنانيين لـ"نصرة" الشعب السوري، وانخرطت شخصيات سياسية لبنانية عدّة في دعم المعارضين السوريين لوجستياً. لم يكن ممكناً ألا تصل آثار التورط اللبناني في الحرب السورية إلى ديارهم. جديد التفجيرات أنها صارت تستهدف المدنيين. كل القوى السياسية اللبنانية تعترف بأن الخلل الأمني في لبنان هو نتيجة للحرب الدائرة في سوريا وإن اختلفت طرق تعبيرها عن هذا الارتباط. بعد تفجيري طرابلس، في 22 أغسطس، اعتبر بعض السياسيين أنهما يحملان بصمات النظام السوري وحلفائه في لبنان، واكتفى البعض الآخر بردّهما إلى تورّط حزب الله في سوريا. من ناحية ثانية، وبعد تفجير الرويس، اعتبر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن "هذه المجزرة تأتي في سياق المعركة الكبيرة المفتوحة منذ عشرات السنين" والهادفة إلى القضاء على "محور الممانعة".

إذن، الخلاف ليس على ارتباط أحداث لبنان بأحداث سوريا، بل على القراءة السياسية لهذا الارتباط. الأدوار الإقليمية التي ارتضى بعض اللبنانيين أداءها لصالح حلفائهم جرّت لبنان إلى المستنقع الإقليمي، وربطت استقراره بتسوية إقليمية لا يبدو أنها ستنضج في الأمد القريب. النائب وليد جنبلاط نبّه من "أنّ هذا الإرهاب المدروس والمبرمج هدفه الأساسي التذكير بأن اللاعبين اللبنانيين ليسوا سوى جزء من لعبة أكبر يديرها أطراف إقليميون، وربما دوليون".

البعد الإقليمي للتفجيرات اللبنانية أشارت إليه أطراف سياسية عدّة. كتلة "الوفاء للمقاومة" من نوّاب حزب الله اعتبرت أن انفجار الرويس "دبّرته أجهزة مخابرات دنيئة في المنطقة تستثمر مجموعات من الإرهابيين التكفيريين". ما أخفته الكتلة بدبلوماسية أعلنته عبر كتابات الصحافيين المرتبطين بها، حين وجهّوا اتهاماتهم صوب المملكة العربية السعودية. والأخطر أن الكتلة اتهمت خصومها اللبنانيين بأنهم يشكلون  "حاضنة سياسية تحريضية" لهذا الإرهاب خدمةً لـ"أسيادهم". بعد تفجيري طرابلس كذلك، اتهمت شخصيات عدّة النظامين الإيراني والسوري بالوقوف وراءهما.

يرفض حزب الله إقامة فصل بين لبنان وسوريا. ما يحصل في سوريا يستهدفه بشكل أساسي، هو وما يمثله، على ما يظنّ. برأيه الثورة السورية مؤامرة لقطع أوصال المحور الممتد من طهران إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا. لذلك ضرب بعرض الحائط "إعلان بعبدا" الذي تعهدت فيه القوى السياسية اللبنانية "النأيَ بالنفس" عن التطورات السورية. حزب الله يرفض النأي بالنفس طالما أن النظام السوري يحتاج إلى خبرته العسكرية. رداً على تفجير الرويس، أكّد نصر الله أنه سيضاعف عدد قوات حزبه في سوريا، وقال: "إذا احتاجت المعركة مع هؤلاء الإرهابيين أن أذهب أنا وكل حزب الله الى سوريا فسنذهب"!

"إننا في بداية العاصفة"، حذّر وزير المال محمد الصفدي. هناك "من يريد إشعال حرب الألف عام بين الشيعة والسنة"، نبّه رئيس مجلس النواب نبيه برّي. فهل يتحوّل لبنان إلى عراق آخر؟ كل المؤشرات تؤكد أنه إذا لم يسارع اللبنانيون إلى تشكيل حكومة وتجديد "إعلان بعبدا" عملياً، لا خطابياً، فإن موجة التفجيرات لن تتوقّف، وستتعمّق الأزمة السياسية اللبنانية مهدّدة بانحلال ما تبقّى من الدولة، خاصةً في ظل لجوء حزب الله إلى منظومة أمن ذاتي لحماية مناطقه، وترجيح سلوك السلفيين المنحى نفسه، إن تكرّرت التفجيرات التي تطال مناطقهم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard