شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"مثلي" وليس "شاذاً"... حضور عابر لمثليين في أغنية عربية مصورة يعيد الجدل بشأن المثلية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 20 يناير 201907:32 م

يرقصون كالنساء.. يجرحون رجولة التوانسة.. و"مش نورمال" (غير طبيعيين).. هذه عيّنة من التعليقات على أربعة شباب تونسيين شاركوا في فيديو كليب "دَيْ دَيْ" للمُغنية التونسية مريم نور الدين. وفور ظهور الشباب يرقصون في الأغنية المصورة، اتُهمت مريم من قبل فئات من المُجتمع التونسي بأنها استعانت بهم لتوجيه رسالة تقول إن المثليين جزء لا يتجزأ من المجتمع، يتوجب الاعتراف بهم وتقبلهم.

في خطوة الفنانة الشابة جرأةٌ لافتة ومفاجئة، وأياً كان مقصدها تعنيه حقاً أم تعنيه وتخشى البوح به، كانت أغنية مريم نافذة طلت منها فئة منبوذة في المجتمع التونسي وهو جزء من المُجتمعات العربية رغم الادعاء بأن تونس "مختلفة" من حيث النَفَس التحرري والزخم الحقوقي وصلابة المجتمع المدني الذي لا يترك شاردة ولا واردة في سجل الانتهاكات إلا وتعقبها وطارد مرتكبيها ولو بعد حين. إلا أن موضوع المثلية الجنسية الذي تسعى تونس بعد الثورة من خلال الحقوقيين إلى معالجته بمقاربة جريئة تضمن حقوق هذه الأقلية الجنسية، ما زال موضوعاً حساساً بل "تابو" يصطدم في كل محاولة جريئة برفع الظلم عن المثليين بجدار ممانعة اجتماعية وتشريعية ودينية. تلك الفنانة الشابة التي اختارت الأصعب: مشهد راقص خلفها وبه شباب وصفهم المشاهدون بـ "المثليين" ولم تنكر الفنانة أنهم كذلك لكنّها قالت عبر إذاعة تونسية إنه لم يكن هُناك "رسالة" من وراء حضورهم معها، لافتةً إلى أنه في الوقت ذاته لا يزعجها ظهورهم في أغنيتها المصورة.

وأضافت مريم نور الدين: الكليب ليس مصالحة مع المثليين.. لكنهم يعيشون معنا في مجتمعنا. ورغم إنكار المُغنية التونسية نيّتها "فرض تقبل المثليين في المجتمع"، بات للمثليين حضور "أكثر علنية" في تونس التي أطلقت أوّل إذاعة للمثليين في العالم العربي للدفاع عن الأقليات الجنسية "المضطهدة"  بحسب ما قاله بوحديد بلهادي، رئيس جمعية "شمس" المعنيّة بالدفاع عن المثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسياً (LGBT).

وكانت جمعية "شمس" قد أطلقت مجلة إلكترونية باسم "شمس" في مارس 2017 لمواجهة "تشويه" و"تهميش" الأقليات الجنسية في الإعلام التونسي، ومكافحة "رُهاب المثليّة الجنسيّة" (هوموفوبيا) ووضع حد لخطابات الكراهية ودعوات العنف المُوجهة ضدهم على مواقع التواصل. ثم أطلقت بعدها بتسعة أشهر، وتحديداً في ديسمبر 2017، إذاعة "شمس" الإلكترونية أو "شمس راد"، التي يعتبرها مدير الإذاعة، بوحديد بلهادي، مغامرة لأن "المجتمع يغلب ثقافة النقل على العقل"، وفق تعبيره.

ولفت بلهادي إلى أنه تلقى نحو 4700 رسالة "مسيئة"، بما في ذلك تهديدًا بالقتل ورسائل وعيد من "أئمة يطالبون بضربه وقتله"، بحسب قوله، مُشيراً إلى أنه تعرض كذلك لاعتداء جسدي.

وقال مدير البرامج في الإذاعة، نضال الزيدي، وهو إمام سابق بأحد مساجد ولاية المنستير، إنه رغم التزام الإذاعة بالدفاع عن الأقليات الجنسية، إلا أنها لن تدعوَ إلى الإباحية أو تشريع زواج المثليين، مُشيراً إلى أنها تُطالب بإلغاء الفصل 230 من القانون الجنائي وبقية الفصول القانونية التي تتعارض مع دستور تونس الصادر عام 2014، والذي ينص على "ضمان الحريات الفردية وعدم التمييز، مهما كان نوعه، بين المواطنين".

وتقول الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، نيلا غوشال، إن الإعلام المحلي التونسي يستخدم عبارة "شخص شاذ" أو "شخص منحرف" للإشارة إلى الشخص المثلي، وهو الخطاب الذي تحاول جمعية "شمس" تغييره.

وتواجه الإذاعة الممولة من السفارة الهولندية بتونس "تحديّات" في التمويل ونقصاً في "العاملين المحترفين"، بسبب خوف الشركات الإعلان عبر هذه الإذاعة، وكذلك خوف الصحافيين المحترفين من التعاقد معها بسبب الحملات التي قد تُشن ضدهم، وفقاً للحقوقي الداعم للجمعية منير العش.

ولفت العش إلى "رفض" فئات من المجتمع المثلية الجنسية في تونس، مُذكراً حادثتين وقعتا عام 2016، واحدة تتعلق بسائق تاكسي علّق على زجاج سيارته "ممنوع ركوب المثليين"، وأُخرى قام فيها صاحب مطعم بالعاصمة بتعليق لافتة على واجهة محله كُتب عليها "ممنوع دخول المثليين".

وكانت المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة قد قررت، فبراير الماضي، رفض إيقاف بث إذاعة شمس ماد، بعد أن تقدمت نقابة الأئمة في ديسمبر 2017 بدعوى قضائية "استعجالية" لإيقاف بثها لـ "مخالفتها أحكام الدستور". وعلّق الزيدي آنذاك أن "الدعوى تأتي في سياق تحريضي من قبل أئمة متشددين".

ومن بين مُنتقدي الإذاعة، الداعية التونسي بشير بن حسن الذي اعتبرها "إرهاباً جنسياً" مطالباً السلطات بـ"التصدّي" لها "قبل أن تنزل بنا نقمة الله".

يرقصون كالنساء.. يجرحون رجولة التوانسة.. و"مش نورمال"... هذه عيّنة من التعليقات على أربعة شباب تونسيين شاركوا في فيديو كليب "دَيْ دَيْ"!
كان بودي خليك بقربي.. عرفك عأهلي وتتوجلي قلبي.. أطبخ أكلتك أشطفلك بيتك.. دلع ولادك أعمل ست بيتك..
"كنت عارف أني مميز، بس ما كنت عارف أنا شو لبين ما سمعت كلمة Gay"

شم الياسمين

وإلى جانب تونس، تعد لبنان من الدول العربية القليلة التي تسعى للدفاع عن حقوق المثليين وقبولهم مجتمعياً، ولعل الأغاني التي تُقدمها فرقة "مشروع ليلى" اللبنانية "المُتمردة" تقدم دليلاً على هذا. الفرقة التي مُنعت من الغناء بالأردن عام 2017 نظراً لـ "فقرات تستفز المشاعر العامة"،بحسب وصف وزير الداخلية الأردني السابق غالب الزعبي، خلفت جدلاً واسعاً في مصر في العام ذاته حين تم رفع علم "قوس قزح" وهو شعار المثلية في إحدى الحفلات، ما دفع  بوزارة   الداخلية المصرية لإصدار قرار منع إقامة الفرقة حفلات في المستقبل.

وأقرّ أحد أفراد مشروع ليلى، حامد سنّو، عبر مجلة "TETU" بمثليته الجنسية، وقال عبر برنامج "شباب توك" إنه اكتشف ذلك في سن المراهقة مؤكداً أنه "شيء لا يتغير"... ولكن كان يشعر وكأنه "بعبع" (مُخيف) في المُجتمع، بحسب تعبيره.

وكانت فرقة مشروع ليلى قد أطلقت عام 2010 أغنية "شم الياسمين" التي يُغني حامد سنو فيها عن علاقة شاب بحبيبه الذي رحل وتركه وحده، قائلاً في إحدى مقاطعها:

كان بودي خليك بقربي

عرفك عأهلي وتتوجلي قلبي

أطبخ أكلتك أشطفلك بيتك

دلع ولادك أعمل ست بيتك

ما كنت عارف أنا شو

"كنت عارف أني مميز، بس ما كنت عارف أنا شو لبين ما (حتى) سمعت كلمة Gay (مثلي)"، يقول خالد عبد الهادي، مؤسس المجلة الإلكترونية"ماي كالي"، وهي المنصة الأردنية الوحيدة المعنيّة بشؤون المثليين جنسياً، والتي تعمل رغم حجب موقعها الإلكتروني محلياً.

ظنّ عبد الهادي أنه "المثلي الوحيد" في العالم، بحسب ما قاله لـ "بي بي سي"، وهو ما دفعه إلى تأسيس "ماي كالي" عام 2007، وبدأت حكايته معها لدى سماع كلمة "مثلي" وبحث عنها في القاموس، وتبيّن أنها تصفه تماماً.

يُضيف: "حسيت حالي مختلف، وعندي مرض"، لعدم لقائه شخصاً يُشاركه الميول ذاتها، لافتاً إلى أن المجلة أبصرت النور لعدم قدرته على التعبير عن نفسه، كحال الكثيرين. وتُعرّف المجلة عن نفسها بأنها "صوتٌ من أجل العدالة الاجتماعية في مجتمعاتٍ قمعية".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard