شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"في بلادي ظلموني"... حين تصبح مدرجات كرة القدم مساحةَ تعبير عن الهموم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 20 نوفمبر 201801:42 م
"الشعوب العربية تهتم بكرة القدم أكثر من اهتمامها بالسياسة"، جملة كثيراً ما يرددها العرب، لكن من تابع ثورات "الربيع العربي" عن كثب يعلم أن هذه الجملة ليست دقيقة، وأن كل ما تحتاجه بعض الشعوب العربية هو فرصة للتعبير عن نفسها. الرغبة بالتعبير لا تُستثنى منها جماهير الكرة، فهي ليست "سطحية" كما تصورها الصور النمطية، بل هي فاعلة ومؤثرة في أحيان كثيرة. فعلى سبيل المثال كان لمشجعي النوادي الشهيرة دوراً بارزاً في الثورات العربية، ففي مصر على سبيل المثال شارك أعضاء الألتراس (مشجعو النادي الأهلي)، والوايت نايتس (مشجعو نادي الزمالك) في جميع فعاليات ثورة 25 يناير. وفي الأيام السابقة، برز مشهد ذكرنا بقوةٍ بمشاهد الثورات العربية في العام 2011، حين تداول نشطاء مغاربة مقطع فيديو يظهر الآلاف من جماهير الرجاء البيضاوي المغربي لكرة القدم وهم يرددون بشكل جماعي أغنية بعنوان "في بلادي ظلموني"، يقول مطلعها: "أوه أوه أوه، لمن نشكي حالي، الشكوى للرب العالي، أوه أوه أوه، هو اللي داري". الأغنية التي نجحت في التعبير عن ضيق الشباب، وعبرت بقوة عن رغبتهم في تحسين أوضاعهم، رددتها جماهير الرجاء في مباراة فريقهم في كأس الكونفيدرالية الإفريقية في الآونة الأخيرة، حاملةً  دلالات اجتماعية، رافعةً بجرأة شعاراتٍ سياسية تنتقد واقع الشباب وتعامل الحكومة معهم.
كانت كلمات الأغنية جريئة، مباشرة، ونجحت في أن تقول إن مدرجات كرة القدم ليست مكاناً لتشجيع منتخبات فقط، بل بإمكانها أن تكون مساحة للتعبير عن الهموم ومطالبة الحاكم بتحسين الوضع. الأغنية توحي أن لدى أغلب العرب الهموم ذاتها أحياناً والطموحات نفسها تقريباً، وإن ضاقت فضاءات التعبير عنها، تنطلقُ بحرية على المدارج متحررةً من شبح الخوف من السلطة. فتلاحم الأجسام بالآلاف على المدرجات، يمنح قوة جماهيرية، وحماسة جماعية، تتحررات بفعلهما هواجس الخوف من الحاكم وأمنه الحاضر في الملاعب. وهذا ما حدث في المغرب قبل أيام، لذلك لم يكن غريباً أن ينتشر الإعجاب بالأغنية حتى خارج المغرب وتشاركها أعداد كبيرة من المستخدمين العرب على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما يوحي أن المقطع يعبر عنهم أيضاً وليس عن جماهير كرة القدم المغاربة فقط. وبحسب ما نشرته وكالة الأناضول تبدأ كلمات الأغنية بالقول "أوه أوه أوه، لمن نشكي حالي، الشكوى للرب العالي، أوه أوه أوه، هو اللي داري (هو الذي يعرف)". وتتابع الأغنية بلهجة حماسية واضحة: "فهاد (في هذه) البلاد عايشين فغمامة (في غمامة)، طالبين السلامة، انصرنا يا مولانا". تكمل الأغنية بلهجة ساخرة: "صرفو علينا حشيش كتامة"، بمعنى أن السلطات المغربية نشرت في أوساطهم القنب الهندي الذي يوجد بمدينة كتامة المعروفة بزارعة الحشيش، مما جعل المغاربة "خلاونا كي اليتامى نتحاسبو في القيامة (تركونا مثل اليتامى وسنحاسب يوم القيامة)". المُراد بتلك الكلمات، أن يمرر مشجعو الرجاء المغربي رسالة مفادها: السلطات المغربية تهدف إلى تغييب عقولهم، بنشر الحشيش في أوساطهم حتى لا يطالبوا بحقوقهم. وبكلمات تعبر عن حالة غضب عارم تقول الأغنية في مقطع آخر: "مواهب ضيعتوها (ضيعتم المواهب)... كيف بغيتو تشوفوها (كيف تريدون أن تروها).. فلوس البلاد كع كليتوها (أكلتم أموال البلاد) للبراني عطيوتوها (أعطيتموها للغريب)". وتختتم الأغنية بـ"أوه أوه أوه.. توب علينا يا ربي". على وسائل التواصل الاجتماعي كان انتشار الأغنية لافتاً، إذ تفاعل الجمهور الافتراضي مع جماهير الملاعب، فأصغى جيداً لهتاف حناجرها، ولرسالتها الجريئة والعفوية والهادفة. الأغنية كانت امتداداً للاحتجاج الذي شهدته المغرب في الفترة الأخيرة في عدة مناطق، من بينها منطقة الريف التي رفع اسمها على حركة "حراك الريف" الاحتجاجي والمطالب بالتنمية وفرص عمل. حراك الريف ليس الوحيد في المغرب، إذ نظمت فئات أخرى من موظفي القطاع العام تظاهرات للمطالبة بتحسين ظروف العمل ورفع الرواتب.
"أوه أوه أوه، لمن نشكي حالي، الشكوى للرب العالي، أوه أوه أوه، هو اللي داري" أهازيج في ملعب مغربي تحرك الجماهير داخل المغرب وخارجه.
في الموازاة، قالت الحكومة المغربية إنها تبذل جهوداً متواصلة لتنمية المناطق التي تشهد احتجاجات، وإنها خصصت بالفعل موارد إضافية لها ستسهم في توفير فرص عمل لقاطنيها. وبحسب السلطات المغربية، فإن خارطة طريق ستوضع لإصلاح نظام الحماية الاجتماعية بهدف توسيع التغطية لتشمل الشرائح الاجتماعية التي تعاني من العجز والهشاشة لخصوصيتها الديمغرافية ووضعها الاجتماعي والاقتصادي.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard