شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من مذكرات الغباء الأبوي.. لماذا على الأهل الامتناع عن الصراخ على أطفالهم؟

من مذكرات الغباء الأبوي.. لماذا على الأهل الامتناع عن الصراخ على أطفالهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 14 سبتمبر 201804:32 م
في الماضي كان يلجأ الأهل إلى ملعقة الخشب والخفّ لتأديب أولادهم، إلا أن "الضرب على المؤخرة" شهد تراجعاً ملحوظاً في السنوات الـ50 الماضية لمصلحة الصراخ الهستيري، الذي تبيّن أنه "الغباء الأبوي" الأكثر انتشاراً في وقتنا الراهن. إن الصراخ على الأطفال هو تصرفٌ شائع ووسيلة يستخدمها الآباء بغية التنفيس عن غضبهم ولاعتقادهم بأنه من خلال الصوت العالي والنبرة الحازمة يقومون بإرشاد أولادهم إلى التصرف السليم.

الغباء الأبوي

ففي معظم البيوت، غالباً ما تسير الأمور بين الأهل وأولادهم على هذا النحو: عندما لا ينصت الأطفال إلى إرشادات الوالدين التي تتعلق بالأكل والدرس والنظافة الشخصية... يتسلل الإحباط رويداً رويداً إلى نفسية الأب والأم ثم تبدأ موجة الغضب والصراخ الجنوني، فهل هناك أهل لم يختبروا هذا الأمر مع أولادهم؟ الجواب هو قطعاً لا حتى لو حاول البعض إنكار ذلك والزعم بأنهم لم يصرخوا يوماً بوجه طفلهم. تقول الكاتبة "ليزا كاداني":"أنا لا أصرخ كثيراً ولكن عندما أرفع صوتي يكون هناك أمرٌ ما قد دفعني نحو الحافة"، مشيرةً إلى أنها ليست الأم الوحيدة التي "تمرّن" حبالها الصوتية مع أولادها. سواء كان صراخ الأهل نابعاً من إيمانهم بتعاليم المدرسة القديمة في الانضباط والتربية أو نتيجة فقدان رباطة الجأش في بعض الأحيان، فقد كشفت دراسة نشرت في العام 2003 أن حوالي 90% من الآباء الذين شملهم الاستطلاع تعاملوا مع مشاكل أطفالهم بالصراخ.
تميل الأسر التي تعاني من حوادث صراخ منتظمة إلى أن يكون لديها أطفال يعانون من تقدير ذاتي منخفض ومعدلاتٍ عاليةٍ من الاكتئاب.
إن الصراخ يجعل الأهل أكثر إحباطاً وغضباً مما كانوا عليه من قبل، خاصة في حال لم تفلح هذه الطريقة في جعل الولد ينصاع للأوامر. وبعد الصراخ يشعر الآباء بالذنب والندم، فتشعر الأم مثلاً بأنها أم سيئة.
فما الذي يدفع الأهل إلى تبني مثل هذا السلوك الخاطىء؟ "يصرخ الآباء لأنه يتم جذبهم في مليون اتجاه مختلف، كما أنه يحدث شيء ما يجعلهم في حالة من الإحباط، فهم يرون أطفالهم يتقاتلون أو يقومون بأمورٍ لا يوافقون عليها، لذا فإنهم سرعان ما يخسرون رباطة جأشهم"، هذا ما قالته "نينا هاو"، أستاذة في جامعة كونكورديا، وأكدت أن "الصراخ هو نوع من الاستجابة التلقائية".

سلبيات الصراخ

لا يجعلك الصراخ تبدو حازماً، بل يظهرك فاقداً للسيطرة تجاه أولادك كما أنه يجعلك تبدو أمامهم ضعيفاً، فالصراخ هو ردّ فعل شخصٍ لا يعرف كيف يتصرف. وتعليقاً على هذا الموضوع، أكد أستاذ علم النفس الدكتور "ألان كازدين"، أن الصراخ لا يعتبر إستراتيجية ناجحة مع الأطفال:" إذا كان الهدف هو تغيير شيءٍ ما في الطفل أو جعله يطوّر عاداتٍ إيجابيةٍ، فإن الصراخ ليس الطريقة الأفضل للقيام بذلك". فبالرغم من أنه سلوك شائع، ليس الصراخ أفضل الطرق لتأديب الأولاد وتصحيح سلوكهم، بل على العكس فهو يشكل ضرراً في عملية الانضباط: تميل الأسر التي تعاني من حوادث صراخ منتظمة إلى أن يكون لديها أطفال يعانون من تقدير ذاتي منخفض ومعدلاتٍ عاليةٍ من الاكتئاب. فقد أثبتت دراسة أجريت في العام 2014 ونشرت في مجلة تنمية الطفل أن الصراخ يؤدي إلى نتائج مماثلة للعقاب البدني الذي يمارسه بعض الأهل على أطفالهم: زيادة مستويات القلق والتوتر والاكتئاب إلى جانب زيادة المشاكل السلوكية. في مقال ورد في صحيفة "هافيغتون بوست"، تحدثت الكاتبة "بريتاني كيلي" عن الأسباب التي يجب أن يأخذها الأهل بعين الاعتبار بغية التوقف حالاً عن الصراخ على أولادهم. -انعكاس الضرر على الآباء: كيف يكون حالكم بعد أن تصرخوا على أطفالكم؟ من المرجح أن الصراخ لا يجعلكم تشعرون بالتحسن على الإطلاق كما أنه لا يجعل الأطفال أيضاً يشعرون بالتحسن. إن الصراخ يجعل الأهل أكثر إحباطاً وغضباً مما كانوا عليه من قبل، خاصة في حال لم تفلح هذه الطريقة في جعل الولد ينصاع للأوامر. وبعد الصراخ يشعر الآباء بالذنب والندم، فتشعر الأم مثلاً بأنها أم سيئة. -تصرف فاشل: اتّضح أن الصراخ "تكتيك" فاشل لا يؤدي إلى أي نتائج، فالأطفال لا يستجيبون إلى صراخ البالغين تماماً كما يفعل الشخص الراشد عندما يصرخ شخص آخر بوجهه. via GIPHY -غياب الاحترام: يستحق أطفالنا الحصول على احترامنا، فلمجرد أنهم أصغر منا في السن وأضعف منا فهذا لا يعني أنهم ليسوا بشراً مثلنا تماماً، ومن خلال الصراخ لا يفرض الأهل احترامهم بل يزرعون في قلوب أطفالهم الخوف والذعر، وعليه إذا كنتم تريدون من أطفالكم أن يحترموكم فعليكم أيضاً أن تظهروا لهم قدراً كبيراً من الاحترام، فالبلطجة ليست نوعاً من أنواع الانضباط. -القرد يرى القرد يفعل: هل تريدون أن تعلموا أطفالكم أن يصرخوا بدورهم في وجه أقرانهم؟ معلميهم؟ أزواجهم وأطفالهم في المستقبل؟ من خلال قيامكم بالصراخ على أولادكم فإنكم تقولون لهم بشكلٍ غير مباشرٍ أن هذه هي الطريقة الأنسب للتعامل مع الغضب.

نحو تربية أفضل

يبقى الطفل "المشاغب" الذي يحاول دوماً تجاوز الحدود والتمرد على الإرشادات والنصائح، الأمر الذي يجعل الأهل، في نهاية المطاف، يفقدون السيطرة عن أنفسهم ويخرجون عن طورهم. via GIPHY وعليه يحتاج الآباء إلى بذل مجهودٍ إضافي لتربية أبنائهم حتى يتحولوا في المستقبل إلى أشخاص بالغين يعرفون جيداً كيف يتعاملون مع عواطفهم ويجيدون التعاطف والتواصل بشكلٍ صحيح مع الآخرين. إليكم بعض الطرق التي يمكن للأهل اتّباعها مع أولادهم بدلاً من الصراخ غير النافع بوجههم: -الغوص في الأسباب الدفينة: لا ينبع الصراخ من العدم، بل هو ردّ فعل على سلوكٍ معيّنٍ يكون قد "أشعل الفتيل"، وبالتالي إذا تمكنتم من اكتشاف الأسباب التي دفعتكم إلى الصراخ فلديكم فرصة أكبر لتفادي هذا السلوك الخاطىء مع أولادكم. -تحذيرات مسبقة: في بعض الأحيان يكون التحذير الرصين والمهذب كافياً لإقناع الطفل بالانصياع إلى الأوامر. -الاختلاء مع الذات: تفضل الأخصائية في تنمية الطفل "جودي أرنال" الذهاب إلى الحمام والصراخ هناك بدلاً من رفع صوتها بوجه أولادها، ويبدو أن الاختلاء مع الذات وتنفيس الغضب بينكم وبين أنفسكم هو سلوك نافع إذ يساعد على ضبط النفس بشكلٍ أفضل. -تلقين الدرس: الصراخ ليس وسيلة تواصل بل الأجدر فعله هو ممارسة ضبط النفس لتأتي بعدها مرحلة "تلقين الدرس" التي تكون فعالة جداً في حال كان المرء أكثر هدوءاً في تعاطيه مع أطفاله، فالأمر أشبه بالنصائح التي نسمعها قبل إقلاع الطائرة، والتي تشدد على ضرورة التحلي بالهدوء ووضع قناع الأكسيجين قبل الاهتمام بالطفل الذي يجلس إلى جانبنا وتلقينه التعليمات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard