شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"مفيش صاحب يتصاحب"... لماذا يؤمن "الجدعان" بهذه المقولة ويغنون لها ويكتبون بها سيناريوهات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 3 سبتمبر 201806:33 م
انتشار كلمات ذات مغزى على خلفيات وسائل المواصلات الشعبية (الميركروباص، والتوكتوك، والتروسيكل، وغيرها)، ليس وليد اللحظة بل أخذ في التدرج حتى وصل لما يسميه المصريون اليوم «كلام السرسجية»، أي فئة الشباب الضال. في البدء، كان ما يُكتب على وسائل المواصلات مجرد توصيات من الأبناء للأب «السائق» الذي يخرج للعمل ولا يعلم موعد عودته، مثل: «ترجعلنا بالسلامة يا بابا». وهنالك توصيات تتصل الحسد، مثل: «ما تبصليش بعين ردّية.. شوف إيه اللي اندفع فيّ»، و«دي مش ورث.. دي جاية بخلع الدرس»، و«الحلوة عليها أقساط»، مع رسوم فلكلورية مضادة للحسد: «عين زرقاء، وكف ملطخة بالدماء». تلك الحالة من الرضا المطعّمة بمضادات الحسد، سرعان ما توارت بجلوس جيل جديد وراء مقعد السائق (من 17 إلى 35 عامًا)، وامتلاكه أدوات أكثر حداثة للتعبير عن مكنوناته، وهمومًا أكثر من هموم الأجيال التي سبقته. أحد أبرز هذه الهموم، هو فقدان الصاحب «الجدع»، فلم يجد سائقو هذا الجيل غير خلفيات ميكروباصاتهم وتكاتكهم، للتعبير عن تلك الأزمة، حتى أصبحت ظاهرة، إذ قرأنا جُمَلًا مثل: «لفّينا وعملنا البِدع ما لقينا صاحب جدع»، و«يا بخت اللي صاحبه راجل»، و«الصُحاب في إجازة»، و«البخت مال من الصحاب الشمال». Untitled-1

الصداقة بين الخوف من الشرطة والطمع في 50 جنيهًا

«ليس بالضرورة أن أكون أنا صاحب المكروباص، ففي أغلب الأحيان تكون العربة ملكًا لأحد الأشخاص، ويعدها مشروعًا مُدرًا للربح، وأحيانًا تكون هذه الجُمل هو من يكتبها، وكثيرًا ما نكتبها نحن كسائقين نعمل باليومية، وفي الحقيقة هو لا يهتم بذلك، كل ما يهمه، هو الإيراد الذي نضعه في يده نهاية كل يوم».
ــ مفيش صاحب يتصاحب ــ فأنا مقتنع جدًا بذلك لأن الزمن تغير والمصلحة غلبت كل شيء. شاهدت بأم عيني زميلًا لنا أبلغ الشرطة عن صديقه الذي لم يُجدد رخصة القيادة، وامتلاكه قطعة حشيش.
بعض المنابر تحث أفراد الشعب على الإبلاغ عن جيرانهم ذوي الأفكار المعارضة، وهو ما فتح الباب للكثيرين للزج بالمقربين منهم في السجون لمجرد اختلافات اجتماعية.
بهذه الكلمات وصف أحمد شوقي (سائق ميكروباص بموقف أجرة السيدة عائشة ــ 31 عامًا) المعاناة التي يلاقيها السائق قبل جلوسه على مقعد القيادة. ويُضيف شوقي في حديثه لـ«رصيف 22»: «انتشار الكلام عن غدر الأصدقاء ليس في فئة السائقين فقط؛ لكن كل الناس تشكو من نذالة الأقربين، فالشخص الذي تأكل معه عيشًا وملحًا، قد يبيعك مقابل خمسين جنيهًا، أو يشهد ضدك أمام أمين الشرطة، ويُدخلك قسم البوليس دون اعتبار لأي شيء كان بينكما». Untitled-2 ويقول صابر (رفض ذكر اسمه كاملًا): «لا أفهم ماذا تعني بكلمة ظاهرة، لكن كله أصبح يخاف من كله، حتى أنا خائف أن أقولك لك اسمي الكامل، والزبائن (الركاب) يتعاملون معنا وكأننا لصوص نسرق أموالهم». وتابع: «أما فيما يخص المكتوب على ظهر عربتي ــ مفيش صاحب يتصاحب ــ فأنا مقتنع جدًا به لأن الزمن تغير والمصلحة غلبت كل شيء. شاهدت بأم عيني زميلًا لنا أبلغ الشرطة عن صديقه الذي لم يُجدد رخصة القيادة، وامتلاكه قطعة حشيش». ويشير شوقي إلى أن السائقين الصغار السن لا يعيرون أصول الصداقة اهتمامًا، وكلهم يخافون من أمناء الشرطة، مُضيفًا: «في السابق كان الخوف على زملاء المهنة سِمة أساسية لدى كل السائقين، وأظن أن ذلك يحدث حاليًا في مواقف سيارات الأجرة بالأقاليم». Untitled-3

أغنيات الغدر والرقص على الأوجاع

«كل الكلام اتقال.. على عشرة الأندال.. يا صٌحبة الشوم والعيبة، ولمّة فيها عيال.. ما عدش فيه راجل يصونك.. لو حتى لِبسه من هدومك.. ولُقمته من رزق يومك ما يُصنهاش لو بالحلال»، بهذه الكلمات افتتح المطرب الشعبي رضا البحراوي واحدًا من أشهر مواويله التي لم تخلُ مواصلة شعبية منه، وعلى موقع «يوتيوب» وصل لـ6 ملايين ونصف مشاهدة.
قد تُصيبك الدهشة لو سمعت كلمات مثل هذه تُطلب في حفلات الزفاف الشعبية، فكيف لكلمات تنضح بهذا الكم من البؤس أن تُلقى مُغناة في عُرس؟ الإجابة عن هذا السؤال تحتاج لدرس ما اعترى تلك الفئة التي تترنح يمينًا ويسارًا على كلمات حزينة، بعدما جعلت غالبية الملحنين تجنح لـ«الرِتم» الراقص، وهو ما يحدث منذ أكثر من ثلاثين عامًا، كما في أغنيات عبد الباسط حمودة والراحل حسن الأسمر.
آخر إنتاجات الغناء الشعبي التي تتناول غدر الأصدقاء باستغلال الإيقاع الراقص، كان من نصيب مطرب جديد يُدعى رمضان البرنس، بأغنية «الصُحاب يلا كله شمال» مستعينًا بأهم عازف أورج في الأفراح الشعبية محمد عبد السلام، وقد تخطت الأغنية الـ12 مليون مشاهدة على يوتيوب، وتنافسها في الانتشار أغنية للمطربين محمود الليثي ورضا البحراوي «مش عليّ»، على أنغام عبد السلام أيضًا، وكانت عُرضت في فيلم «أمان يا صاحبي» قبل عام، وتقترب حاليًا من 18 مليون مشاهدة.
أغنية الليثي وُجد بها بعض كلمات تُكتب نصًا على خلفيات الميكروباصات والتكاتك: «صاحبك لو قِلّة.. أعمله كرتلة (ورقة مقواة تستخدم في سجائر الحشيش)»، و«صاحبك لو خانك.. قدّره دخانك». ما ذُكر من أغنيات واسعة الانتشار مُتضمنة انتقادات لغدر الأصحاب، سبقتها أغنية ذائعة الصيت، طُرحت بالأسواق قبل ثلاثة أعوام، هي «مفيش صاحب يتصاحب»، التي تنطبق عليها حرفيًا مقولة «قلبت الدنيا»، لأسباب عدة، أهمها أن فريق المهرجانات الشعبية «شبيك لبيك» الذي أصدرها لم يصل أكبرهم لسن العشرين، وبالرغم من ذلك وصلت الأغنية حاليًا إلى 128 مليون مشاهدة.

«دولة الخوف لا تريد الصداقة»

الحديث عن خيانة الصديق، خاصة على لسان الفئة الشعبية، الأكثر اتصالًا بعضها ببعض، وتشدقًا طوال الوقت بأن مصر مجتمع تسوده الشهامة، يبدو مثيرًا للغاية لأن تاريخ مصر الشعبي يرضخ دومًا لفكرة «الجدعنة» التي تُميز شباب طبقته الوسطى، وهي الطبقة نفسها التي تفرز هؤلاء السائقين الدائمي الشكوى من نذالة الأصحاب. يرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن الأمر مستحدث على المصريين، وأرجعه إلى ثقافة الاستهلاك والفردية التي عمّت البلاد في سبعينيات القرن الماضي جراء اتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي. ويقول صادق لرصيف 22: «للاستبداد السياسي وقمع السلطة ممثلة في جهاز الشرطة، خاصة لفئة السائقين دور في تفشي تلك الظاهرة، فلو اضطر أحد هؤلاء الشباب لشهادة حق بشأن زميل له سيصيبه الضرر، ويجلس إلى جواره بنفس الزنزانة، ويتوقف عن مهنته المعتمدة بالأساس على الدخل اليومي». وأشار إلى أن المجتمعات التي تحكمها أنظمة استبدادية تُشجع على الطائفية والانقسامات، فالدول التي يدب الخوف في أوصال أفرادها لن تُبنى فيها صداقات سوية، بحسب قوله. وتابع: «الإعلام الخاص الذي تُرهبه يد الدولة هو الآخر يرضخ لتلك المفاهيم، عن طريق استضافته ذوي الفكر المتطرف المحرض على الانقسامات، حتى أن بعض المنابر يحث أفراد الشعب على الإبلاغ عن جيرانهم ذوي الأفكار المعارضة، وهو ما فتح الباب للكثيرين للزج بالمقربين منهم في السجون لمجرد اختلافات اجتماعية، والتهمة جاهزة: الاختلاف مع النظام». ويختم سعيد: «تردي الأوضاع الاقتصادية تسبب أيضًا في انتشار الفردية بين الناس، وحب الذات، عملًا بالمثل القائل: اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع، والأمر تخطى الأصدقاء ووصل لأبناء البيت الواحد، فالأخ يحقد على أخيه، ومع الوقت قلت الزيارات الاجتماعية».
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard