شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
MAIN_Prostitution

كانت "عاهرة مقدسة" في المعبد وأصبحت بائعة هوى منحطة في نظام الرأسمالية

MAIN_Prostitution

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 1 سبتمبر 201804:00 م

كان ما كان في الهند القديمة، خدمت امرأة عجوز راهبًا بوذيًا ثلاثين عامًا، فعلَت كلّ شيء من أجله، خدمته كأم، والراهب مستغرق في التأمل، وفي اليوم الذي شارفت فيه العجوز الموت، استدعت بائعة جنس من المدينة، وطلبت منها أن تذهب إلى كوخ الراهب، وعندما ذهبت هناك، واقتربت منه، صرخ بها: "ماذا تفعلين هنا؟ اخرجي!"، وخرج من الكوخ صارخًا: "إنّها تحاول أن تغريني". عادت بائعة الجنس وأخبرت السيدة العجوز بما حدث، فأرسلتها مرّة أخرى لتحرق الكوخ، وقالت إنّه ليس بريئًا، قد يكون قديسًا، ولكنّها قداسة قبيحة، كانت تظنه متساميًا عن غريزته، وأنّ ظهور ألف فتاة جميلة أمامه لن يهزّ روحه.

تكشف الحكاية الهندية عن ضعف الرجل أمام رغباته، وازدواجيته، واستحالة الوصول إلى الاستقامة المنشودة، النزيهة عن رغبات الجنس. تقول بائعة الهوى ماريا، في رواية "إحدى عشر دقيقة" للكاتب البرازيلي باولو كويلو: "بت أدرك مع مرور الأيام هشاشة الرجال، وعدم استقرارهم، وقلة ثقتهم بأنفسهم، وتصرفاتهم التي لا يمكن التنبؤ بها، حاول بعض آباء صديقاتي استدراجي إلى علاقة حميمية معهم لكني قابلتهم بالصد، في أول الأمر صُدِمتُ بتصرفاتهم، أمّا الآن فأدرك أنّ ذلك يُمثّل جزءًا من الطبيعة الذكورية". كانت ماريا تهتم باللذة، واكتشاف مكامن المتعة في بداية احترافها للجنس، وانتهى بها الأمر إلى فهم طبيعة الذكور في مجتمعات يهيمن فيها الرجال على مختلف المجالات العامة، ويخلقون قيمًا وأخلاقيات. تشير رواية باولو كويلو إلى المرأة عندما لا تقاوم ذكورية المجتمع، بقدر ما تستغلّ مكامن ضعف هذه القيم الذكورية، محوّلة حياتها لاحتفاء خاص، واحتفال بمباهج الحياة. فهل بائعات الجنس في عالم الواقع يشبهن ماريا؟


بائعة جنس كندية: كلنا نرغب في ذلك

عمِلَت أندريا ويرهون في مرافقة الرجال بترونتو الكندية عندما بلغت 22 عامًا، أخبرت والدها فباركها، ولكن أمّها الكاثوليكية المعجبة بالقديسة مريم العذراء على حد تعبير أندريا رفضت، تقول عن والدتها "لقد أحرقتُ أمي الحبيبة بالحقيقة". وعن احترافها للجنس في كتابها "مذكرات عاهرة حديثة" تكتب: "استُخدِمَت "مفردة العهر" تاريخيًا لإبعاد النساء بسبب جنسي، نخشى الاتهام بعدم اللياقة الجنسية مثل الطاعون، أن تكوني "عاهرة" يعني أن تكوني خارج حدود المرأة الصالحة والمحترمة، وبصراحة، العديد منّا يُفضّل البقاء هناك".
"استُخدِمَت "مفردة العهر" تاريخيًا لإبعاد النساء بسبب جنسي، نخشى الاتهام بعدم اللياقة الجنسية مثل الطاعون، أن تكوني "عاهرة" يعني أن تكوني خارج حدود المرأة الصالحة والمحترمة، وبصراحة، العديد منّا يُفضّل البقاء هناك".
في عالم مثالي يمكن أن تتعايش الزوجة و"العاهرة"، كلتاهما تخدم مهمة واحدة، وما هو مفقود بينهما نزاهة الذكر، فمن السهل اتهام كلّ النساء حول ظروفهن الخاصة لعدم تلبية رغبات الرجل، ولكن المشكلة هو أنّ الرجل يكذب بشأن رغباته.
نضجت ويرهون جنسيًا في وقت مُبَكّر، مما حفّز فضولها الجنسي، بدأ ثدياها في البروز عندما كانت في العاشرة، ذهبت إلى مقصف المدرسة، واكتشفت الصور الإباحية، وإحدى أشد ذكرياتها حيوية عندما جلست في مقصف المدرسة ذلك العصر، وفكّرَت بأنه لا أحد يعلم أنها مدمنة على المواد الإباحية. بدأت تتساءل: لماذا أنجرف بعيدًا في الفقر، إن كان يمكن أن أصنع الكثير من المال، وأذهب إلى ما أريد فورًا؟ وبقدر ما استمتعت بالجنس، استمتعت بالمحادثة والتواصل أكثر، تعلّمت أشياء جديدة، وغذّت فضولها عن الناس وتعقيداتهم، وهذا ما تفتقده في مرافقة الكثير.

وعُرِفَت ويرهون بتقديم "تجربة الصديقات" لزبائنها، كنمط إغراء، حيث يتضمّن إغراؤها محادثات محفزة، وكان أحد العيوب في مهنتها أنّها كوّنت علاقات متقطّعة مع شريحة واسعة من الزبائن، رجال أعمال مهذبين، وزوجاتهم، وأولادهم. وترى ويرهون أنّه في عالم مثالي يمكن أن تتعايش الزوجة و"العاهرة"، كلتاهما تخدم مهمة واحدة، وما هو مفقود بينهما نزاهة الذكر، فمن السهل اتهام كلّ النساء حول ظروفهن الخاصة لعدم تلبية رغبات الرجل، ولكن المشكلة هو أنّ الرجل يكذب بشأن رغباته. وتأمل ويرهون بعد إطلاق حملة "وأنا أيضًا" أن يساهم كتابها في التحدث علنًا عن مهنة احتراف الجنس، ما دمنا نتحدث عن الجنس بشكل علني أكثر، مثل الاعتداء الجنسي، والتحرش، والاغتصاب.



في النهاية، تحكي ويرهون أنّ أمها الآن تضع نسخة من كتابها بجوارها لمشاركتها مع الأصدقاء، ولكن في الماضي، جعلها عملها في الجنس حزينة على مستقبلها، وخافت على حياتها، فكانت تبكي في منتصف الليل، ولكنها لم تتوان عن تقديم قضيتها في العمل في مجال الجنس، إنه عمل، ويجب علينا أن نمنحه نفس حقوق الإنسان مثل أي شخص آخر يخضع للقانون، بحسب ويرهون. ولكن ماذا عن احتراف الجنس في مجتمعات يعتبر مجرد الحديث فيها عن هذه الأشياء بصراحة من التابوهات، هل يستمتعن بائعات الهوى في الطبقات الشعبية والمتوسطة في دول نامية كمصر بمهنتهن؟ وهل اخترنها رغبة في اكتشاف وكشف مكامن الرغبة والمتعة؟

الرأسمالية حولت الحميمية إلى "بغاء"

منذ أعوام، زميلة لنا في مؤسسة صحفية كنت أعمل بها، وكان عمرها 28 عامًا، عرفتُ أنها تمارس الجنس مقابل المال، وعندما حكت لي عن تجربتها قالت إنّها تكره الجنس، وتحتقره، وإنها تعتبر الرجال مثل الوحوش، ولكنّها تريد المال والمناصب، لذا لن تتردد في ممارسة الحميمية طالما كان الرجل قادرًا على أن يدفع لها الكثير، ويفتح لها مجالات عمل لائق. تقول إن بدايتها كانت من المنزل، حيث تعرضت لتحرش من والدها، كان يتسلّل إلى غرفتها، ويلمس جسدها، وعندما تعاركت معه، وأخبرت والدتها، ضربتها ضربًا موجعًا وأمرتها ألّا تكرر هذا الكلام مرة أخرى.
كن هؤلاء بائعات الجنس نجوم عصرهن، واضعات الموضة، وشاعرات، ومغنيات، وكاتبات، وسياسيات، وراقصات، ويمارسن السلطة والنفوذ، ولديهن رعاة.
عندما كنّا مراهقين في الجامعة، أراد بعض الأصدقاء دخول عالم البالغين عبر ممارسة الجنس، قال لي صديق حينذاك "أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك مع صديقتي الجامعية التي أحبها، يجب أن أحافظ على أخلاقية علاقاتنا وعلى طهارتها"، سافر وأصدقاء لنا إلى الاسكندرية، وصاحب هناك إحدى بائعات الجنس، وحكت له صديقته أن بداية احترافها لممارسة الجنس كانت اغتصابًا قام به أحد أقربائها، حيث كانت هي وإخوتها وفتيات كثر في العائلة يعيشون في حي عشوائي، وكانت الغرف مكدسة "بلحم الفتيات والشباب للعائلة الواحدة". وبالنسبة للطبيبة النفسية التي عملت مع حكومات غربية عدة في مجال تقنين أوضاع الجنس الاحترافي سوزان ل. سمالي، فإنّ نمط السقوط هذا هو الشائع بين محترفات الجنس، ففي معظم المجتمعات، ترى الكاتبة، يبدأ احتراف الجنس للفتيات دون سن القانونية، إذ تحتاج المرأة إلى المال، ولا يوجد بدل بطالة، أو عمل، وأن تقنين الدعارة يزيد الوضع سوءًا. وتقول: نادرًا ما تجد محترفة للجنس لم تتعرّض للعنف والاستغلال والانتهاك الجنسي، هذه هي الأجواء التي باتت عليها أقدم مهنة في التاريخ، حتى لتكاد تُرمز في الكثير من الأفلام والكتب والدراسات كرمز للسقوط، وانتهاك الكرامة، والابتذال. وترجع سمالي ذلك إلى المنظومة الاقتصادية للرأسمالية الحديثة، مستشهدةً بمايكل ساندال، أستاذ فلسفة في جامعة هارفارد، أنه عندما يدخل المال واقتصاد السوق الحر نسيج حياتنا الاجتماعية، سواء في التعليم أو الخدمات الطبية، أو العلاقات الجنسية، يرغمنا على تكييف النموذج الاقتصادي مع العلاقات الاجتماعية، وهو ما يؤدي إلى فساد، وعدم مساواة بين أطراف المجتمع، وهذا واضح للغاية في البغاء. ويتضح ذلك أكثر إذا ما عدنا إلى الحضارات القديمة، حيث كان لاحتراف الجنس مكان ومكانة.

بائعة الهوى في الحضارات القديمة "نائبة الإله"

كلمة Prostitute ذات أصل لاتيني وتعني نيابة عن Pro-Stituare، وكانت "العاهرة" العلمانية نائبة عن الزوجة، أو الحبيب، أو صديقة الغائب، أو غير الراغب، أو عن توفير الرغبة في التنوع أو الخبرة، أما "العاهرة" المقدسة فتعني نائبة عن الآلهة، يتم تدريبها كمعالجة وراقصة مقدسة، وتعمل في مجال الطاقة والبركة الإلهية. كانت  طبقة هيتيريا في اليونان القديمة، والجيشا في اليابان القديمة، ومحظيات القرون الوسطى وعصر النهضة الأوروبي، مكونة من بائعات جنس ضمن مجتمع النبلاء، ويسمح لهن بالدراسة، والقراءة، والسفر، بينما الزوجات محميات وغير متعلمات. كن هؤلاء بائعات الجنس نجوم عصرهن، واضعات الموضة، وشاعرات، ومغنيات، وكاتبات، وسياسيات، وراقصات، ويمارسن السلطة والنفوذ، ولديهن رعاة. في الهند كانت بائعة الجنس تُسمّى ديدفاسي، في الشرق الأوسط القديم قاديشتو، وكانت مُدرَّبة بطريقة ماهرة في ما يمكن أن نسميه "فنون التانترا" من التنفس والطاقة والتواجد والبركة، وكانت لها أسماء أخرى مثل داكيني، تانتريكا، وامرأة النار. ومنذ خمسة آلاف عام كان الرجال العائدون إلى ديارهم من الحرب، يذهبون إلى المعابر فورًا، ويمكن تطهيرهم من جروح الحرب حتى "روحهم"، عبر اللمس والجنس، وفي بعض الثقافات يذهب الشباب إلى المعبد لتدربهم "العاهرة المقدسة" على فنون الحب، ليكونوا عشاقًا رائعين، مباركين، لزوجاتهم. توجز أندريدا ويرهون تجربة البغاء كما اختبرتها النساء عبر مئات السنين قائلة: "لا يوجد عمل آخر بالنسبة للجنس النسائي بقدر ما نعرفه مثل هذا، إنّه أمر مثير، يبدو وكأنّنا خلقنا شيئًا لم يُخلَق من قبل".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard