شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
المحرّمات في الصحافة المغربية: رواية انفصال جلالة الملك عن اللالة سلمى نموذجاً

المحرّمات في الصحافة المغربية: رواية انفصال جلالة الملك عن اللالة سلمى نموذجاً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 29 مايو 201811:30 ص
عند جيراننا الإسبانيين، وبعد تداول شريط فيديو يوثق "عراك" الملكة ليتيزيا والملكة-الأم صوفيا في احتفالات "عيد الفصح"، مطلع شهر أبريل 2018، شرعت وسائل الإعلام الإسبانية في "النبش" في الموضوع لكشف خلفيات التوتر بين ملكة إسبانيا وحماتها، وذلك في إطار حق "الرعايا" الإسبانيين معرفة آخر المستجدات المتعلقة بحياة العائلة الملكية.
ولطالما نبشت الصحافة الإسبانية في حياة خوان كارلوس لما كان ملكاً وابنه فيليبي لما كان ولياً للعهد، وشقيقته الأميرة كريستينا التي مثلت أمام القضاء أواخر سنة 2014 بتهم فساد تتعلق بالتهرب الضريبي وغسل الأموال في سابقة هي الأولى من نوعها في حياة الأسرة المالكة. مناسبة هذا الكلام ما يحدث في المملكة المغربية، حيث يجري تداول خبر "طلاق" بين الملك محمد السادس وعقيلته الأميرة لالة سلمى منذ نحو شهرين، وذلك بعدما أقدمت صحف إسبانية (أبرزها "إيلموندو و أيهولا") على التطرق إلى الموضوع.
وفي الوقت الذي لم يصدر القصر الملكي المغربي أي بلاغ أو حتى إشارة  (في إطار إستراتيجية التواصل الجديدة التي يعتمدها القصر المغربي وترتكز على نشر الصور العفوية على فيسبوك للرد على مختلف الإشاعات) ، لم "تجرؤ" الصحف والمجلات المغربية على الاقتراب من الموضوع؛ ولو بطريقة "محتشمة"، وهذا ما جعل الموضوع يدخل في خانة "التابوهات" .
قبل فرابة عشر سنوات، كانت مجلة Telquel تيل كيل الواسعة الانتشار في المملكة، لمؤسسها أحمد بن شمسي الذي يشغل حالياً منصب ناطق رسمي باسم منظمة "هيومن رايتس ووتش" في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، (كانت) قد فتحت النقاش حول العلاقة بين  الصحافة والملكية انطلاقاً من سؤال فيه نوع من التحدي: "إلى أي حد يمكننا أن نصل؟"، وهو نقاش حر وصريح شارك فيه عدد من الصحافيين المغاربة البارزين أمثال حمد بن شمسي، وخالد الجامعي، وتوفيق بوعشرين.
كانت واحدة من أهم خلاصاته أن "المؤسسة الملكية  لطالما ربطتها علاقات متوترة بالصحافة المغربية على الرغم من أن الصحافة -المستقلة منها تحديداً- كانت هي الداعم الأول للملكية ولمشروعيتها" خلال ما كان يسمى آنذاك "العهد الجديد" ، وهو الاسم الذي أطلق على عهد الملك الحالي محمد السادس. لكن يبدو أن العلاقة بقيت متوترة إلى يومنا هذا.
بل لم يعد هنالك سبب لكي تبقى هذه العلاقة متشنجة أصلاً بعد إعدام كل التجارب الإعلامية المستقلة في المغرب حيث تمت "تصفية" كل الجرائد والمجلات المشهود لها بالاستقلالية والمهنية والجرأة في معالجة أكثر المواضيع احساسية، ولا سيّما منها المتصلة بالملك والملكية والثروة وأسلوب الحكم، وهذا ما جعل معظم الصحف والمجلات المغربية حالياً لا تجرؤ على الاقتراب من هذه المواضيع.

تصفية متعمدة

فخلال العشر سنوات الماضية، كان الحقل الإعلامي المغربي يزخر بجرائد ومجلات تناقش أكثر المواضيع حساسية، من  قبيل الحديث عن الحياة الخاصة للملك وأسرته، وسلطة الملك في الحقل السياسي، والصحراء والثروة، وغيرها من المواضيع المثيرة للجدل، لكن يبدو أن الدولة قد ضاقت ذرعاً من منسوب الجرأة المرتفع لدى بعض الصحف، وهو ما يفسر المضايقات التي عانت منها تجارب إعلامية جريئة أدت إلى توقفها نهائياً، كما حدث مع مجلة لوجورنال Le journal التي أغلقتها السلطات سنة 2010 بدعوى عدم تسديد "ديون كبيرة".
ولقد شكلت تجربة لوجورنال نقطة تحول حاسمة في مجال حرية التعبير في المغرب، حيث صدر أول عدد للمجلة سنة 1997 في أواخر حكم الملك الحسن الثاني، وامتلكت الجرأة للحديث عن مواضيع لم يسبق لأي صحيفة مغربية أن تناولتها طوال فترة حكم الملك الحسن.
هل يحقّ للعامة معرفة حال الأحوال الشخصية لملوك وأمراء العرب الذي يعيشون من المال العام؟ أين تتضارب الخصوصية مع مصلحة الشعب بالنسبة لموظفي الدولة؟
نحن عرب، لا نلتفت للشائعات إن مسّت حياتنا الشخصية. إلى متى تعتمد حكوماتنا هذا الأسلوب لتفادي المحاسبة وتلميع صورتها وهي تتدخل في كل مجالات حياتنا الشخصية
وكان الإعلان عن إغلاق المجلة قد خلّف صدمة كبيرة في الأوساط الإعلامية المغربية، فيما أكد مؤسسها أبو بكر الجامعي، غداة إغلاق مجلته، أن المصير الذي تعرضت له المجلة يعود بالأساس إلى انتقادها الجهات النافذة في المملكة، وعدم ترددها في قول الحقيقة، وهو الأسلوب الذي اشتغلت به المجلة طوال 13 سنة من الصدور، إذ كانت تنشر ملفات وتحقيقات تنتقد العاهل المغربي وأسلوبه في الحكم.

الصحافة والقصر

طوال فترة حكم محمد السادس التي تصل هذا الصيف إلى 19 سنة، شكلت المواضيع المتعلقة بالقصر والحياة الخاصة لسكانه والأمن والجيش والثروة والصحراء إزعاجاً للسلطات المغربية، مما جعل لحظات الصدام تتعدد بين الصحافيين والسلطات. من منع الجرائد واعتقال الصحافيين  وإتلاف المجلات، رصد رصيف22 أبرز محطات المواجهة بين البلاط وصاحبة الجلالة.

2000: إيقاف ثلاث جرائد

خلال هذه السنة، حدثت أول مواجهة مباشرة بين السلطات والصحافة المستقلة، وذلك بعدما أصدر الوزير الأول الاشتراكي السابق عبدالرحمن اليوسفي قراراً قضى بمنع ثلاث أسبوعيات بصفة نهائية (الصحيفة - لوجورنال - دومان) بعد نشرها وثيقة تاريخية تكشف تورط اليسار المغربي في عملية الانقلاب ضد الملك الحسن الثاني صيف 1972. وستعود الجرائد الثلاث للصدور بعد أربعين يوماً من المنع ولكن تحت أسماء جديدة.

2003: التهمة إهانة المقدسات

في مايو 2003، تم اعتقال الصحافي علي المرابط، الذي كان يصدر مجلة "دومان" الساخرة، بتهمة الإخلال بالاحترام الواجب للملك والمس بالنظام الملكي والمس بالوحدة الترابية، وذلك بعدما "طفح كيل" السلطات من سلسلة الرسوم الكاريكاتورية والمقالات المتعلقة بموازنة البلاط والحوارات مع معارضي النظام التي كان ينشرها المرابط في مجلته الشهيرة آنذاك. وقضت المحكمة على المرابط بالسجن النافذ أربع سنوات، ثم تم تخفيضها في الحكم الاستئنافي إلى ثلاث قضى منها ثمانية أشهر بعدما صدر في حقه "عفو ملكي" في يناير 2004.

2005: ممنوع الاقتراب من العائلة المليكة

خلال هذه السنة، أطلّت أسبوعية "الجريدة الأخرى" بغلاف مثير يتحدث عن عقيلة عاهل البلاد، وقد تصدره العنوان الآتي "تفاصيل حميمية من حياة الأميرة لالة سلمى تنشر لأول مرة عن السيدة الأولى" ، وهو ما سيدفع في سابقة هي الأولى من نوعها القصر الملكي إلى توجيه رسالة احتجاج إلى هيئة تحرير الجريدة تعبر عن استياء البلاط من الخوض في الحياة الخاصة لزوجة الملك. ومما جاء في الرسالة التي وقعها مدير البروتوكول الملكي: "فقد عمدت أسبوعية "الجريدة الأخرى" إلى نشر مقالات تتعرض للحياة الخاصة لصاحبة السمو الملكي الأميرة اللالة سلمى.
وقد سجلت بكل أسف أن ما ورد فيها يتناول الحياة الشخصية لسموها، ويذهب بها التطاول إلى حد جعلت غلاف العدد المذكور لا يتورع عن ادعاء الخوض في أدق التفاصيل".

"الملكية لا تصلح للمغرب"

العنوان أعلاه صدر على غلاف "الأسبوعية الجديدة" سنة 2005، وهو مقتبس من الحوار الذي أجرته ابنة مؤسسة "جماعة العدل والإحسان" المعارضة نادية ياسين مع الجريدة. ولم تتردد ياسين في توجيه انتقادات لاذعة للنظام الملكي في حوارها، عندما قالت إنها "تفضل النظام الجمهوري" وإن "المغاربة ليسوا ملزمين بقبول هذا النظام". لم يتم حجز الصحيفة، لكن مديرها عبد العزيز كوكاس وصاحبة الحوار نادية ياسين أُتهما بالمس بالأمن العام، وقضيتهما لم تزل عالقة إلى يومنا هذا.

"الملك ليس أخاك!"

صيف سنة 2007 كان مثيراً في الوسط الإعلامي المغربي، بعدما أقدمت السلطات على حجز مجلتي "نيشان" و"تيل كيل" من الأكشاك، بسبب تضمنهما افتتاحية كتبها أحمد بن شمسي وناقش خلالها خطاب الملك بمناسبة عيد العرش لتلك السنة،  و"انتقد" من خلالها كلام العاهل المغربي في ما يتعلق بالملكية المغربية والانتخابات التشريعية التي كانت مقررة تلك السنة.
إلا أن المثير كان هو غلاف المجلة وعنوانه "فين غادي بينا خويا" (إلى أين تأخذنا يا أخانا) ، وهو ما اعتبرته الداخلية المغربية إخلالاً بالاحترام الواجب للملك، فيما تم لاحقاً إتلاف حوالى 92 ألف نسخة من المجلتين اللتين تضمنتا نفس الافتتاحية بالعربية والفرنسية.

ممنوع استطلاع الرأي

"نيشان" و "تيل كيل" مرة أخرى، ففي صيف 2009، أقدمت السلطات على إتلاف 100 ألف نسخة من المجلتين بعد نشرهما استطلاعاً للرأي حول حصيلة 10 سنوات من حكم الملك محمد السادس، وهو ما اعتبر آنذاك "إمساساً بالملك".
وكان مدير المجلتين آنذاك قد بيّن في تصريحات صحفية أن السلطات أبلغته أنه "ليس من المقبول من ناحية المبدأ إجراء استطلاع رأي حول الملك" وأن هذا هو سبب مصادرة العددين، وهذا ما أكده كذلك الناطق باسم الحكومة المغربية آنذاك عندما قال إن "المعاملة نفسها ستطبق على أي جهة تنشر الإستطلاع".

الكاريكاتور حرام

بسبب نشر رسم كاريكاتوري يظهر فيه الأمير مولاي اسماعيل، ابن عم العاهل المغربي وهو فوق "العمارية" بمناسبة حفل زفافه، قررت السلطات إغلاق جريدة  "أخبار اليوم" لمؤسسها توفيق بوعشين، معتبرةً أن الرسم الذي نشرته الصحيفة شكّل "مساً صارخاً بالاحترام الواجب لأحد أفراد الأسرة الملكية" و "إساءة إلى العلم الوطني". وفي الوقت الذي قرر الأمير متابعة الجريدة مع مطالبتها بأداء تعويض مالي قدره 300 مليون سنتيم، سيتنازل لاحقاً عن متابعة مدير النشر ورسام الكاريكاتور، وذلك بعدما نشر صاحب الجريدة رسالة اعتذار رسمية إلى الأمير، عبّر له من خلالها عن غياب أي نية للإساءة إليه كواحد من أفراد الأسرة الملكية، أو للعلم الوطني الذي يعتبر رمزاً للأمة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard