شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
عن الصوت الذي يصدر من داخلنا... عندما يتجادل الهو والأنا والأنا العليا في جسدنا

عن الصوت الذي يصدر من داخلنا... عندما يتجادل الهو والأنا والأنا العليا في جسدنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 19 مايو 201801:47 م
سألت نفسي: "هل كل الناس يتحاورون مع أنفسهم مثلي؟". فأجابت: "لمَ لا تسألهم؟". وبالفعل اكتشفت أن الناس الذين أصادفهم خلال اليوم، يمارسون هوية الكلام مع الذات بشكل مستمر. كيف تنبت هذه النقاشات والجدالات في عقولنا؟ وكيف نتحكم بها؟

ماهية النفس التي تحاورنا؟

تقول شيماء أحمد، أخصائية علم النفس التربوي، لرصيف22: "ربما تعود أقدم نظرية لمحاولة اكتشاف النفس البشرية إلى الفيلسوف اليوناني أفلاطون في محاورته "فيدون" حول ليلة محاكمة سقراط". وتوضح أنه في تلك المحاروة يتطرق سقراط في جداله مع هيئة المحاكمة إلى النفس وخلودها وانفصالها عن الجسد، معتبراً أنها لا مادية. وتضيف أن أفلاطون يقسم النفس ثلاثة أقسام معتمداً على نظرية أستاذه سقراط: 1-    النفس العاقلة: ومقرها العقل، ووظيفتها التمييز بين الخير والشر، وغايتها بلوغ الخير المطلق، وفضيلتها الحكمة. 2-    النفس الغاضبة: ومقرها الصدر، ووظيفتها التحكم في العاطفة، وفضيلتها الشجاعة. 3-    النفس الشهوانية: ومقرها البطن، وفضيلتها العفة. وتشير إلى أن هذه النفوس، حسب النظرية الأفلاطونية، تتصارع بداخل الإنسان ولا يتحقق السلام بينها إلا من خلال الإنصات إلى صوت النفس العاقلة فهي المسؤولة عن تحقيق التوازن بين النفوس الثلاث للوصول إلى الكمال المنشود، وهو ما لن يحدث إلا بعد الخلاص من الجسد. وتعلق: "هذه النظرية قد تكون تفسيراً فلسفياً للأصوات التي تحدثنا في الأوقات المختلفة، تلك التي تنبع من نفوسنا المتعددة في مواقف بعينها، التي تصدر من العقل أو العاطفة أو الشهوة". وترى أن علم النفس الحديث قدم لنا تصور آخر، ربما نجد جذوره عند سيغموند فرويد. via GIPHY وتقول: "علم النفس الحديث أثبت خطأ نظرية أفلاطون، على الأقل في المسألة المتعلقة بأمكان النفوس". وتلفت إلى أن النفس لا تزال غامضة حتى على العلماء، فلم يستطع أحد أن يحدد مكانها بالجسد بدقة. وتضيف: "غير أن فرويد رجح أن يكون مقرها الحقيقي العقل، فالعقل هو المسؤول عن التفكير والعاطفة وحتى الشهوة". وتشير إلى تقسيم فرويد للنفس البشرية، وقد قسمها لثلاث نفوس أيضاً: 1-    الهو: أو بما يُعرف باللا وعي، تلك المنطقة المجهولة بالعقل والتي تعمل من أجل اللذة وتجنب الألم. ثم إنها تخضع للأهواء والرغبات المكبوتة. 2-    الأنا: وهي الوعي في صورته الحاضرة، حيث يدرك العقل ما يحيطه من قيود مجتمعه، وعليه فإنه ينفذ رغباته طبقاً لمعايير وقيم البيئة التي يعيش فيها. 3-    الأنا العليا: وهي العقل في أكمل صوره، حيث يترفع عن اللذات الزائلة ويتجاوز الرغبات المكبوتة لتحقيق المثالية والسعي نحو الكمال. وتقول شيماء: "وعليه، فإن النفوس الثلاث تتشابك أيضاً بدورها داخل العقل البشري، لكل واحدة منها صوت يصدر من داخلنا، ولكن لكل واحدة منها غاية مختلفة، فـ"الهو" تسعى نحو الشهوة دون النظر إلى العواقب، بينما الأنا تحاول الموازنة بين ما ترغب فيه الشهوة وما يحدده المجتمع من قيم، أما الأنا العليا فهي حلم الإنسان بأن يكون نموذجياً، لذا فصوتها دائماً يتسم بالعقلانية".

لماذا تحدثنا أنفسنا؟

تجيب شيماء: "كثيراً ما يلجأ الشخص إلى الحديث مع النفس أو محاوراتها لحل مشكلة ما، أو تذكر الماضي أو التخطيط للمستقبل، وأحياناً لتنظيم تفكيره". وتشير للمقولة الشائعة "بقلبها مع نفسي"، موضحةً أنها على جانب كبير من الصحة، وهو ما أكده عالم النفس روجر سبيري الذي أثبت أن عملية التفكير السليمة لا بد أن تمر على كلا الجزئين من المخ، الأيمن والأيسر. وترى أن عملية المرور تلك، أو كما تطلق عليها "الاستعانة بكامل العقل" لا تتم إلا عبر الحديث أو اللغة، لذلك فإننا حين نفكر أحياناً ننصت إلى الحوار الدائر بين الجزئين وكأنه صوتنا الداخلي، وأحياناً أخرى نفكر بصوت عالِ حين تكون المشكلة في حاجة إلى تركيز أكبر". وتضيف: "هناك حالات أخرى تدفعنا للحديث مع أنفسنا بصوت مرتفع، في حالة الغضب الشديد مثلاً أو عند تلقي صدمة". وتشرح أنه في مثل تلك الحالات قد يلجأ العقل إلى حيل، كالهروب من الصدمات بنفيها أو في حالة الغضب بإلقاء اللوم على الآخر أو الذات. وتستكمل: "الحالات السابقة قد تكون إيجابية تماماً، فالحالة الأولى هي طريقة للتفكير السليم والحالة الثانية متنفس قد يخفف من انهيار عصبي محتمل".

متى يصبح الأمر خطيراً؟

تجيب شيماء: "إذا كان الشخص يتحدث إلى آخر غير موجود أو يستمع إليه". وترى أننا هنا أمام مرض نفسي، قد يكون فصاماً أو هلوسة. وتفرّق بين مريض الهلاوس ومريض الفصام: "الأول يسمع أصواتاً، ربما صوت شخص افتقده في حادث ما مثلاً، وهو ما يعُرف بالهلاوس السمعية، وقد يراه أيضاً، وهو ما يعُرف بالهلاوس البصرية، أما الثاني فإن اللا وعي لديه أصبح حاضراً حضوراً قوياً". وتنصح من يتعاملون مع هذا المريض بأن يتوجهوا به للطبيب النفسي، مؤكدةً أن مثل تلك الحالات قد تتطور فتدفع بالمريض إلى أن يصبح مصدراً للخطر على نفسه. وتتابع: "يا للأسف، يتم التعامل مع المريض النفسي بشكل مخطىء تماماً، ففي المجتمعات المتخلفة يلجأ أهل المريض إلى الدجالين والشيوخ الذين يتعاملون مع المريض بمنتهى القسوة والجهل، الأمر الذي يدفع حالته للسوء، وربما حال المجتمع كله". ترجع شيماء أحمد سبب ذلك إلى التفكير الديني السائد الذي يصنف المريض النفسي، وبالأخص مريض الفصام، بأنه مسكون بروح شريرة وجن، وعلاجه يستلزم تدخل الشيخ أو القسيس. وهذا ما يجعله ضحية تُعذب ولا تعرف معنى الشفاء أو الراحة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard