شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
انتحار واستهزاء وابتلاع مياه: ماذا فعل

انتحار واستهزاء وابتلاع مياه: ماذا فعل "الحوت الأزرق" بالمصريين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 23 أبريل 201805:22 م
في حالة من الفزع، استيقظت مصر لتجد الجميع في حيرة من أمرهم وهم يبحثون عن حقيقة "الحوت الأزرق"، تلك اللعبة التي بدأت في اقتناص ضحاياها من الشباب. انتفض الجميع في مواجهة "الحوت الأزرق". وقد وصل الأمر إلى البرلمان ودار الإفتاء، فأثار موجة من الغضب في النفوس، وأيضاً موجة من السخرية التي كثيراً ما يعالج بها المصري همومه ومشاكله، وإن كانت من تلك الفئة التي يراق فيها الدم.

الهروب من الفخ

محمد جاد، 16 سنة، طالب بالثانوية العامة، روى قصته مع لعبة "الحوت الأزرق": "أحد أصدقائي عرفني بها، وبدوري قررت أن ألعبها بدافع الفضول. كنت في البداية أتعجب ممن يحذرون الناس من لعبها، لأن التحديات كانت في أولها بسيطة بل تافهة، منها مثلاً "قف على قدم واحدة" أو "افتح الثلاجة ليلاً" أو "قل أنا قوي". لم أكن أعلم أن ذلك كله فخ، غير أني لاحقاً بدأت أشعر بالقلق، تحديداً عندما طُلب مني أن أرسم الحوت الأزرق على ذراعي، طبعاً رفضت الفكرة، ومن هنا قررت ألا ألعبها مرة أخرى". أما أحمد قادوس، 15 سنة، طالب بالثانوية العامة أيضاً، فقال إنه نجح في تحميل اللعبة على هاتفه، منذ فترة إذ كان يعاني الكثير من الضغوط بسبب فشله في الدراسة. وأضاف: "كنت محبطاً، وعرفت باللعبة، وكيف أنها أجبرت بعض الشباب حول العالم على الانتحار. برغم ذلك قررت أن ألعبها وكأنها مغامرة أو تحدٍّ. في تلك الأثناء كانت الدنيا سوداء في عيني ووجدت في اللعبة متعة كبيرة، ثم أصبحت معزولاً عن الناس، حتى عن أمي برغم أننا نعيش وحدنا بعد وفاة أبي. وجدت في أفلام الرعب السبيل لقتل الوقت، ورغم أني وصلت للمراحل النهائية تراجعت عن فكرة الانتحار خصوصاً بعدما علمت أمي بالأمر وعرضتني على طبيب نفسي، فعالجني حتى تحسنت حالتي وعدت لدروسي". نجح محمد وقادوس في مواجهة الحوت الأزرق، غير أن آخرين سقطوا بين فكيه.

الفخراني ليس الوحيد

عندما أُعلن قبل أيام خبر انتحار نجل البرلماني السابق حمدي الفخراني متأثراً باللعبة، اعتقد البعض أن الأمر انتهى إلى هذا الحد، خصوصاً أن صدمة الخبر دفعت الناس إلى تشديد الرقابة على أطفالهم خوفاً من أن يكونوا ضحايا محتملين للعبة، غير أن هذا الاعتقاد لم يكن حقيقياً على الإطلاق، إذ توالت أنباء عن عمليات انتحار في محافظات مختلفة والسبب: الحوت الأزرق. ففي محافظة الشرقية، أُعلن انتحار "م. ع" 25 سنة، من عزبة "حوض الندى" بمركز بلبيس، من فوق أحد الجسور التي تعلو ترعة الإسماعيلية. وفي التحقيق اعترف أحد أصدقاء الضحية أنه انتحر تنفيذاً لأوامر "الحوت الأزرق". كذلك وقع نادر، أحد شباب منطقة روض الفرج بالقاهرة، ضحية للعبة، وكشف التقرير الطبي أنه طعن رقبته بسكين، وتبيّن من التحقيقات أنه كان يمر بأزمة نفسية، وفي أيامه الأخيرة كان معزولاً داخل غرفته. كما أثبت فحص الجثة أنه وشم ذراعه بالحوت الأزرق. وفى البحيرة، غرب القاهرة، حاولت طالبة تبلغ من العمر 15 عاماً، الانتحار بمادة سامة. واعترفت خلال التحقيقات أنها تمارس منذ فترة لعبة الحوت الأزرق، وأن محاولة انتحارها تأتي لتنفيذ المرحلة الأخيرة من اللعبة. وبالكشف الطبي على الطالبة، تبيّن وجود علامات على جسدها تشير إلى ممارستها اللعبة بالفعل. وفي المحافظة نفسها، انتحر أحمد محمد عبد الفتاح السيد، 24 عاماً، وقال والده في التحقيق إن ابنه انتحر بسبب "الحوت الازرق"، مضيفاً أنه في الفترة الأخيرة لاحظ تغيراً في حياته، بالإضافة إلى قلة النوم والميل للعزلة. الدكتور محمد عبد الهادي، أستاذ علم النفس بجامعة المنصورة، قال إن اللعبة تستهدف المراهقين بشكل أساسي، لأن الشاب شغوف بكل ما هو جديد، كما أن اللعبة تلعب على وتر التحدي، وهذا أيضاً من السمات الغالبة على الشباب في تلك المرحلة التي يمارس فيها الأهالي ضغوطاً كبرى على أبنائهم بسبب الدراسة لتسهم دون إدراك منهم في هروب الأبناء إلى تلك النوعية من الألعاب. ويتابع لرصيف22: "تقوم لعبة الحوت الأزرق على 50 تحدياً، وذلك حتى يضمن القائم عليها، استنزاف طاقة اللاعب من خلال الوقت، وحتى عندما ينتهي التحدي اليومي وينجح المشترك فيه ويعود لحياته الطبيعية يبقى تحت رحمة اللعبة، لأنها تتمكن منه بدرجة كبيرة. وسرعان ما يفقد اللاعب قدرته على التفكير بطريقة صحيحة، وكل هذا يؤدي تباعاً إلى الشعور باليأس والإحباط، وتزيد تلك الحالة بمرور الوقت ومع تنفيذ التحديات المختلفة، والتي تفرض بدورها طوقاً من العزلة الإجبارية على اللاعب لضمان السيطرة عليه، خوفاً من التأثر بآراء المحيطين به. وفي النهاية لا يجد المراهق أمامه خياراً غير الانتحار، خصوصاً أنه يصل إلى مرحلة من الاكتئاب تجعل الموت هو السبيل الوحيد لخلاصه.

التاتش المصري

كعادة المصريين حين يواجهون أي أزمة بالضحك والنكات، تحولت السوشيال ميديا إلى ساحة لإطلاق النكات و"الألش" على "الحوت الأزرق" ومن أولئك الذين يستجيبون لطلباته حتى يدفعهم في النهاية إلى الانتحار. 11 5 1 واعتمدت أكثر التعليقات على نادي الزمالك الذي تلقى العديد من الهزائم في الفترة الماضية، ما جعل البعض يؤكد أنه قادر على دفع جمهوره للانتحار بدلاً من انتظار "الحوت الأزرق". 6 12

المجتمع ينتفض

في مواجهة "الحوت الأزرق"، أطلق المجلس القومي للطفولة والأمومة بوزارة الصحة، هاشتاغ "#أنا_ضد_التنمر" ضمن حملة خاصة لحماية الصغار من مخاطر الإنترنت. وقال المجلس "الحملة تهدف إلى توعية الأطفال والمراهقين وتعريفهم بإرشادات وإجراءات السلامة عبر الإنترنت، إلى جانب تقديم إجابات لتساؤلات الآباء ومقدمي الرعاية حول ما يمكن القيام به لحماية الأطفال من الأذى عبر الإنترنت". كذلك أصدرت دار الإفتاء بياناً قالت فيه: "المشارك في هذه اللعبة يبدأ بعد التسجيل فيها بنقش رمز على جسده بآلة حادة، كالسكين أو الإبرة أو نحوهما، وفي هذا الفعل إيذاء من الإنسان لنفسه، وهو أمر محرم شرعاً. والمشارك في نهاية اللعبة يقوم بأحد فعلين، إما أن يقتل نفسه وهو الانتحار، أو يقتل غيره. وقد حرمت الشريعة الإسلامية إتلاف البدن وإزهاق الروح عن طريق الانتحار أو ما يؤدي إليه". ودخل الإعلامي مفيد فوزي على الخط، وقال إن طرح موضوع "الحوت الأزرق" يعكس نقاطاً مهمة لا بد من معالجتها، كغياب الأساتذة والمتخصصين في الإنسانيات. وقال في تصريحات تلفزيونية إن "البيت المصري في حالة إغماء تام ولا يعرف ماذا يفعل الأولاد، وغياب الدور المجتمعي لوزيري التعليم والشباب مأساة. فما جرى أخيراً يعني وجود خلل يستدعي وقفة جادة من الدولة، لأننا في كارثة حقيقية تستهدف البلد". ورأى المخرج محمد فاضل أن لعبة "الحوت الأزرق" دليل على استهداف الشباب في مصر، مضيفًا أن بعض البرامج موجهة من أجهزة مخابرات لإفساد العقول المصرية. أما شريف عبد الباقي، رئيس الاتحاد المصري للألعاب الإلكترونية، فقال إنه من المستحيل مطاردة لعبة أو إيقافها، وتابع في مداخلة هاتفية لبرنامج "مساء dmc"، أن صاحب لعبة "الحوت الأزرق"، الذي أنشأها، هو في السجن حاليًا، لكن ما زالت اللعبة مستمرة، وهذا ما يدل على أن وراءه تكتلات تعمل من أجل بقاء اللعبة لتحصد أرواحاً أكثر.

على أبواب البرلمان

في المقابل، طالب عضو البرلمان شريف الورداني بعقد جلسة لمجلس النواب لمنع لعبة "الحوت الأزرق" التي وصفها بألعاب الموت. كما تقدم البرلماني محمد هاني الحناوي ببيان عاجل لمطالبة شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، بتدخل الحكومة للسيطرة على تحميل اللعبة على الهواتف. وأكد النائب السيد حجازي أن المجلس يدرس حالياً إدراج لعبة الحوت الأزرق ضمن الجرائم الإلكترونية حرصاً على الأمن القومي المصري، وحماية لأرواح الأطفال والمراهقين، الذين يمارسون اللعبة بدافع الفضول ويدفعون حياتهم ثمناً لذلك.

حلول على كل شكل ولون

قدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مجموعة من الحلول التي تساعد في الحفاظ على الأطفال وحمايتهم من مخاطر اللعبة، وهي:
  • متابعة الطفل بصفة مستمرة على مدار الساعة.
  • مراقبة تطبيقات الهاتف وعدم ترك الهواتف بين أيدي الأطفال لفترات طويلة.
  • شغل أوقات فراغ الأطفال بما ينفعهم من تحصيل العلوم والأنشطة الرياضية المختلفة.
  • مشاركة الطفل في جميع جوانب حياته مع توجيه النصح وتقديم القدوة الصالحة له.
  • تنمية مهارات الطفل، وتوظيف هذه المهارات في ما ينفعه والاستفادة من إبداعاته.
  • التشجيع الدائم للطفل على ما يقدمه من أعمال إيجابية ولو كانت بسيطة من وجهة نظر الآباء.
  • منح الأبناء مساحة لتحقيق الذات وتعزيز القدرات وكسب الثقة.
  • تدريب الأبناء على تحديد أهدافهم، واختيار الأفضل لرسم مستقبلهم، والحث على المشاركة الفعالة والواقعية في محيط الأسرة والمجتمع.
  • اختيار الرفقة الصالحة للأبناء ومتابعتهم في الدراسة من خلال التواصل المستمر مع المعلمين وإدارة المدرسة.
  • تنبيه الطفل إلى حرمة استخدام آلات حادة تصيبه بأي ضرر جسدي، وصونه عن كل ما يؤذيه.
بينما طلب مديرو الإدارات التعليمية في محافظة كفر الشيخ شمال القاهرة من أولياء الأمور، مراقبة هواتف أبنائهم أو منع الهواتف الأندرويد، خوفاً من لعبة "الحوت الأزرق"، مؤكدين أنها تسيطر سيطرة كاملة على عقول الأطفال والشباب، بسبب إهمال غير متعمد من الآباء الذين يتركون أبناءهم يبحرون على الإنترنت ويحملون بعض الألعاب التي تسيطر سيطرة كاملة على عقولهم. وفي محافظة بور سعيد، شن حي الضواحي حملة إدارية على مقاهي الإنترنت، لمراجعة تراخيصها، والتأكد من التزامها بالشروط الواجبة لمزاولة نشاطها، وذلك ضمن مبادرة المحافظ اللواء عادل الغضبان لحماية الأطفال من الألعاب الخطرة وحروب الجيل الرابع. وأخيراً، اقترحت الكاتبة غادة عبد العال تحويل التحدي إلى عمل خيري، بإطلاق لعبة "الحوت الأخضر" التي تتضمن سلسلة من التحديات اليومية الخيرية، تزداد صعوبتها مع التقدم في اللعبة ليغير كل شخص العالم من حوله للأفضل، ويشجع أيضًا الآخرين على الأعمال الطيبة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard