شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
صراع الطبقات في اليمن... تمييز متوارَث على أساس اللون والنَسَب والمهنة

صراع الطبقات في اليمن... تمييز متوارَث على أساس اللون والنَسَب والمهنة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 19 أبريل 201804:19 م
تعرّض إبراهيم عاشور، 33 عاماً، للسجن والضرب قبل أن يتزوج بالفتاة التي أحبّها، ليس لشيء إلا لأن التقسيم الطبقي في المجتمع اليمني وضعه في مكان لا يجيز له التفكير بتخطيه للوصول إلى حبيبته. لم يرتكب إبراهيم أي ذنب. فقط أحب فتاة تنتمي إلى طبقة السادة. ولأنه ينتمي إلى طبقة ما يسمى بـ"العبيد"، وقع ضحية لهذا التقسيم المجتمعي. يروي إبراهيم لرصيف22 أنه التقى بالفتاة التي أحبها قبل سنوات عندما كانا متطوعين مع الصندوق الاجتماعي للتنمية في مدينة عبس التابعة لمحافظة شمال العاصمة صنعاء. لم ينتظر الشاب اليمني كثيراً ليتقرّب من الفتاة ويصارحها بحبه، متناسياً كل العوائق الاجتماعية والتقسيمات المجتمعية. بادلت الفتاة إبراهيم نفس الشعور وتطورت علاقتهما فتقدم إلى والدها طالباً الزواج منها. وهنا كانت الصدمة لهما. رفض والدها مجرد الحديث عن الموضوع، وقال: "كيف لي أن أزوج ابنتي لشخص ينتمي إلى طبقة العبيد؟ أنا سيد ولا أزوج ابنتي إلا لمَن هو في مقامها"، وطرد إبراهيم من منزله. لم يستسلم إبراهيم وأرسل وسطاء إلى والد الفتاة إلا أن الأخير أصرّ على موقفة، وتطور الأمر إلى الاعتداء على لشاب وأسرته بالضرب. وفي ظل هذا التعنّت، لم يكن من الفتاة التي لا تؤمن بهذا التمييز الطبقي إلا أن هربت إلى منزل أحد الشيوخ لتتزوج من حبيبها. ويروي إبراهيم أنه دخل السجن لأكثر من ثلاثة أشهر بسبب نفوذ والد الفتاة الذي لا يزال يقاطع ابنته حتى الآن رغم أنها سعيدة في زواجها وأنجبت أولاداً.

تقسيمات مجتمعية تمييزية

عام 1963، وبعد عام واحد من ثورة 26 سبتمبر التي أسقطت المملكة المتوكلية وأسفرت عن قيام الجمهورية في اليمن، أصدر الرئيس عبد الله السلال قراراً يقضي بإلغاء العبودية وكل أشكال التمييز. ولكن، برغم مرور عقود على ذلك، لا تزال اليمن حبيسة تقسيمات مجتمعية تمييزية. في بداية القرن التاسع الميلادي، ومع دخول "الإمام الهادي" إلى اليمن قادماً من الحجاز، ظهرت في اليمن ثقافة تفضيل طبقة السادة، أي أحفاد الرسول، وشاع أن السيد يحق له حكم الباقين لأنه الأرفع حسباً ونسباً. ولاحقاً، وربما قبل ذلك، ظهر تقسيم الناس على أساس المهن التي يعملون فيها، فحظي رجال الدين الذين عملوا قضاةً بمكانة اجتماعية أرفع من مكانة غيرهم. ولعبت الأحداث السياسية في اليمن دوراً هاماً في خلق تمييزات اجتماعية. فمع سقوط دولة بني نجاح في تهامة غرب اليمن، والتي حكمت بين عامي 1012 و1158، ظهرت طبقة العبيد إذ تم تحويل حكام بني نجاح ذوي الأصول الحبشية إلى عبيد لدى حكام الدول التي حكمت اليمن بعد سقوطهم، ليتوارث أبناؤهم العبودية والتهميش المستمرين بأشكال مختلفة رغم إلغاء "الثورة اليمنية" للعبودية.

المهمشون... حبيسو المحاوي

تعيش طبقة من اليمنيين الذي يوصفون بـ"المهمشين" في جميع أرجاء البلاد ويبلغ عدد أفرادها وفقاً للإحصاءات الرسمية أكثر من ثلاثة ملايين شخص يعمل أغلبهم في مهن مثل عمال نظافة. تتجمع هذه الفئة في مناطق سكنية معزولة كان يطلق عليها اسم "المحوى" ولم يكن يدخلها أحد سواهم، لأن لا أحد يريد التداخل معهم أو الاقتراب منهم. class struggle YEMEN أبناء هذه الفئة من أصحاب البشرة السوداء لا ينادَون بأسمائهم في العادة بل بلفظ "يا خادم". وبالرغم من انتقالهم عام 2005 إلى تجمعات سكنية كبيرة في صنعاء سميت بمدنية العمال وبناها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، إلا أنهم لا يزالون يعانون من الكثير من المشاكل والتمييز، ما يؤثر على حياتهم العادية. ويقول رئيس المنظمة اليمنية لمناهضة التمييز يحيى صالح لرصيف22 إن مَن قام بالثورة اليمنية التي أنتجت الجمهورية هم تجار وقبائل شعروا بالظلم أو بعدم المشاركة مع الحاكم. وبرأيه، فإن التغيير الذي نتج عنها هو تغيير فوقي فقط بينما ظل البسطاء من الناس يعانون من التمييز كما كان حالهم قبل الثورة، برغم تقديمهم تضحيات وشهداء. ويتابع: "صحيح أنه صدرت دساتير يمنية وقوانين تجرّم التمييز وتوحّد بين عناصر المجتمع اليمني إلا أن هذه النصوص لا تُنفّذ بدليل أن الطلاب في المدارس، حيث يجب أن يحارَب التمييز، يظهر التمييز بينهم، فالطالب الذي ينتمي إلى فئة المهمشين لا ينادى باسمه بل بـ"يا خادم" من قبل زملائه، ما ينعكس سلباً على الطفل الذي تتكرس لديه فكرة التمييز منذ طفولته، ولذلك ظلت فكرة التمييز قائمة برغم مصادقة اليمن على الاتفاقيات الدولية التي تجرّمه".
أشكال متنوّعة من التمييز في اليمن... الأعمال التي تحتاج إلى جهد عضلي يُنظر إليها باحتقار. فالخياط الذي يحيك الملابس محتقَر، وكذا الجزار والمزين والحداد والخضري، وكذلك الفنان "وتحديداً مَن يغني أو يعزف"...
التمييز الطبقي في اليمن... تقوم بين الطبقات اليمنية المختلفة علاقة استغلالية، فالطبقة التي تقع في أعلى الهرم تستغل الطبقات التي تأتي في منزلة أدنى منها...
تجمع بين أبناء المجتمع اليمني الذي تشير تقديرات رسمية وغير رسمية إلى أن عدد أبنائه تجاوز الثلاثين مليون نسمة، عوامل الدين واللغة والجغرافيا الواحدة، إلا أن هناك تقسيمات مجتمعية تخلق حواجز كثيرة بينهم. class struggle YEMEN2

أشكال مختلفة من التمييز

يشير الباحث في علم الاجتماع الدكتور عبد الكريم غانم إلى أن التقسيم الطبقي في اليمن يختلف من محافظة إلى أخرى، فمحافظات صعدة وحجة والمحويت وذمار وأجزاء من محافظات صنعاء ومأرب وحضرموت يظهر فيها التمييز بشكل كبير وواضح، فيما يقل في بقية المحافظات. ويقول لرصيف22 إن هذه التصنيفات التي تأتي نتيجة لتقسيمات تراكمت عبر مئات السنين لم تستطع النصوص الدينية إلغاءها بسبب الرغبة المجتمعية في ترسيخها، وتحديداً من قبل ذوي التصنيفات العليا. ولذلك استمر تقسيم الناس إلى سادة، قضاة، قبائل، وطبقات دنيا كالعبيد والجزارين والحلاقين وغيرهم. ويتحدث غانم عن وجود "تمييز سلالي" ويقول: "في أعلى الهرم الطبقي في اليمن تأتي طبقة السادة الذين يدّعون الانتساب إلى بني هاشم، أسرة الرسول. وأبناء هذه الفئة مميزون من حيث تولي الوظائف الهامة في الدولة، فمنهم القضاة والوزراء والمتنفذون في مختلف القرى". كما يتحدث عن وجود "تمييز اجتماعي"، ويشرح أن "الشيخ والقاضي والسيد أناس نبلاء، مهما كان سوء أخلاقهم، وتسخَّر لخدمتهم مختلف فئات المجتمع الأخرى بدءاً بالعبيد والأخدام المهمشين من ذوي البشرة السوداء، وصولاً إلى المزاينة (العاملون في الحرف اليدوية) والفلاحين". هناك تراتبية هرمية في العلاقة بين هذه الطبقات، والتمييز ليس فقط ضد الفئات المهمشة، بل تعاني منه أيضاً الطبقات التي تقع في وسط الهرم الطبقي، فابن الشيخ لا يستطيع الزواج ببنت السيد مثلاً. وهناك "تمييز مهني" يرتبط بالحرف التي يزاولها المواطنون. فالأعمال التي تحتاج إلى جهد عضلي غالباً ما يُنظر إليها باحتقار، باستثناء الفلاحة، فالخياط الذي يحيك الملابس محتقَر، وكذا الجزار والمزين والحداد والخضري، خصوصاً مَن يشتغل بزراعة وبيع الكراث والفجل، وكذلك الفنان "مهما كان فنّه وتحديداً مَن يغني أو يعزف"، والمقوت "الذي يعمل في زراعة القات، "بل حتى مَن يعمل في مهنة التجارة يُعدّ أدنى من القبيلي"، يشرح غانم.

أشكال التمييز باقية

برغم مرور أكثر من 50 عاماً على إلغاء "الثورة اليمنية" لجميع صور التمييز بين فئات المجتمع، بقرار جمهوري، إلا أنها لا تزال واضحة في حياة اليمنيين. فحتى على مستوى النكتة توجد نكات عنصرية. على سبيل المثال، هناك نكات تقال على أبناء ريمة لأنهم يعملون في العربات كباعة متجولين، وارتبطت سمعة أبناء المحويت، شمال غرب صنعاء، بعملهم في صناعة اللحوح (خبز أبيض خفيف)، وأُطلقت عليهم العديد من النكات والقصص ذات الطابع العنصري. ولا يرتبط التمييز بالمهنة فقط فأبناء تهامة يعانون من التمييز فقط لأنهم أقل ميلاً إلى القتال وسلميين بطبيعتهم. وعلى مستوى الألفاظ، يبرز لفظ "دحباشي" الذي يُطلق على أبناء المحافظات الوسطى في اليمن، تحديداً محافظة تعز، وبدأ بالظهور في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ويشير إلى الطمع والفساد والضعف.

العلاقة بين الطبقات

تقوم بين الطبقات اليمنية المختلفة علاقة استغلالية. فالطبقة التي تقع في أعلى الهرم تستغل الطبقات التي تأتي في منزلة أدنى منها. ومهما كانت العلاقة قوية بين الطبقات العليا إلا أن هناك حدوداً لها، فالرجل الذي ينتمي إلى طبقة القبائل مثلاً لا يمكنه الزواج من طبقة السادة أو القضاة إلا في حالات نادرة تقتضيها مصالح هذه الطبقات في ما بينها. ويلفت الباحث الاجتماعي خالد قاسم إلى أن الامور نسبية وليست مطلقة، فلا يوجد صراع حاد بين هذه الطبقات ولا يوجد استسلام مطلق من الطبقات الدنيا. ولكنه يؤكد لرصيف22 أن "الظاهر الدائم هو الاستسلام من طبقات دنيا لطبقات تعلوها، ويرجع دافع الاستسلام إلى عوامل عديدة أهمها الاعتقاد الديني، مثل أن أبناء طبقة السادة ينتمون إلى آل البيت وبالتالي فالنظرة العامة لهم هي أنهم أفضل من البقية، ومنها الإرث الاجتماعي المتراكم لسنوات عديدة والذي خلقته أسباب كثيرة في مقدمتها الأمية". ويضيف: "هذا لا يعني أنه لا توجد محاولات لمقاومة ذلك التمييز ومحاولات اختراق الطبقات أفقياً أو كسر الانغلاق بينها"، لافتاً إلى أن "من المفارقات أن هذه المحاولات ليست حكراً على الطبقات الدنيا بل إن هناك حالات وأصواتاً تأتي من طبقات عليا، وإنْ كانت فردية ومحدودة، فهناك كتابات لهاشميين تنتقد فكرة الاستعلاء، وهناك قبائل تزاوج أبناؤها مع أبناء طبقات دنيا وهذه المحاولات وإن كانت فردية ومحدودة إلا أنه يمكن البناء عليها لتخفيف عبء التمييز على المجتمع اليمني مستقبلاً، وتحديداً بعد انتهاء الحرب".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard