شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل ارتفعت وتيرة زواج الشباب البحرينيين بأجنبيات؟

هل ارتفعت وتيرة زواج الشباب البحرينيين بأجنبيات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 5 مارس 201809:21 ص
ينتظر محمد معصوم زوجته ميشيل مونغايا يومياً أمام محل عملها في أحد المجمعات التجارية ليتناولا العشاء معاً. "لا يمكنني الاستمتاع بالعشاء من دون(ها)"، يتحدث معصوم (27 سنة) عن زوجته التي قرر مشاركتها حياته، على الرغم من اختلاف لغتيهما وثقافتيهما. فهو من البحرين وهي من الفليبين. قبل عشر سنوات من الآن، كان على معصوم مواجهة تحديات اجتماعية عدة للزواج بامرأة فليبينية. فحين كان الوضع الاقتصادي مستقراً في المملكة الخليجية الصغيرة، كانت العائلات تصر على زواج أبنائها بمواطنات تستطيع معهنّ "الاطمئنان على مستقبل أبنائها" بحسب وصفهن. ولم يكن زواج المواطنين بمعتنقات الديانات الأخرى أمراً شائعاً لدى المجتمع البحريني المحافظ في العقد الماضي وعندما كان يحدث نادراً، فإن الزوجة كانت غالباً ما تعتنق الإسلام بشكل صوري من أجل إرضاء عائلة الزوج ونيل رضاها. أما اليوم، فنظرة المجتمع البحريني تجاه الزواج بأجنبيات لم تتغير فحسب، بل شاعت وأصبحت ظاهرة تتزايد بوتيرة سريعة في العقد الأخير، بخاصة مع تزايد أعداد العمالة الوافدة. يشير أحدث إحصاءات الصادرة من وزارة العدل والشؤون الإسلامية  لعام 2015، إلى أن ما يقرب من ربع الذكور البحرينيين تزوجوا بغير بحرينيات بعدد 1356 زيجة مقابل 4361 زيجة بمواطنات، وبلغ عدد زواجهم بحاملات الجنسيات العربية 892 زوجة، فيما تبعتهن غير العربيات بـ448 زوجة. وهذا يعني أن عدد زيجات البحرينيين بأجنبيات ارتفع ثلاثة أضعاف خلال ما يقل عن 8 سنوات فقط. لذلك، يعد معصوم واحداً من آلاف البحرينيين الذين اختاروا الزواج بفتيات غير عربيات، من الفليبين وباكستان والبوسنة وروسيا وتركيا ودول أخرى خلال العقد الأخير في ظاهرة بحسب مراقبين تتزايد في بلد خليجي محافظ، لطالما انحصرت زيجات مواطنيه في إطار قبلي وعائلي بفضل العادات والتقاليد وعوامل أخرى. إلى جانب الحب، قد تكون هناك دوافع أخرى تجعل مئات الشباب البحرينيين يفضلون الأجنبية على البحرينية للارتباط بها.

الانفتاح الثقافي

يعرف عن البحرين أنها من أكثر دول الخليج انفتاحاً على الأجانب، خصوصاً الآسيويين حيث استلهمت الكثير من الثقافة الهندية. لكن عندما يتعلق الأمر بالزواج، "فبنت البلد" الخيار المفضل للبحرينيين. وفي وقت كان الخطاب الديني هو المسيطر على المجتمع من خلال انتشاره الواسع في المؤسسات الثقافية والتعليمية وبروز دور الجمعيات السلفية، كانت هناك خشية حقيقية من حدوث تغيير في سلوك المجتمع المحافظ من خلال تأثير الزوجة الأجنبية في معتقدات الأبناء الدينية وفي تمسكهم بثقافتهم المحافظة مثل تحجب الفتيات وجعلهن أكثر تحرراً في التعامل مع الجنس الآخر. ولطالما حاولت الشعوب الخليجية مقاومة نشأة أجيال جديدة مناصرة للعولمة والتحرر من خلال الخطاب الديني المتغلغل في المجتمع. لكن الوضع الاجتماعي تغير بصورة ملحوظة في السنوات العشر الأخيرة وأصبحت البحرين من أبرز الدول الخليجية انفتاحاً وتحرراً. والبحرين من الدول الخليجية القليلة التي تعتمد على قطاع السياحة كأحد المصادر الرئيسيّة للدخل بفضل مركزها التجاري وقربها من السعودية التي لا تسمح بنشاطات متحررة كثيرة، لذا عملت الحكومة لسنوات طويلة على تهيئة أجواء الانفتاح بين المواطنين بعكس جارتها قطر التي أتاحت الحريات للأجانب تدرّجاً، لكنها حافظت على النمط المحافظ لمجتمعها الذي ما زال يتبع المذهب الوهابي ولَم يتوسع في العلاقات الاجتماعية مع الأجانب مثل البحرين.

ارتفاع الطلاق بين المواطنين

"ليس المهم أن تتزوج فحسب، بل أن تضمن استمرارية الزواج"، يقول حسين خميس وهو بحريني في العقد الخامس متزوج بسورية ويصف حياتهما بالسعيدة. تشهد البحرين 5 حالات طلاق يومياً بين المواطنين، حسب أحدث الإحصاءات الصادرة من وزارة العدل والشؤون الإسلامية، والتي أظهرت حصول 15 ألف حالة طلاق من أصل 60 ألف حالة زواج في الفترة من 2005 إلى 2015، أي إنّ 25% من حالات الزواج تنتهي بالطلاق.   "شنو (ما) الفائدة إذا تتزوج بحرينية وتطلقها بعد سنة وعيالك يتربون بدون أم" يتساءل خميس بالعامية. يرى كثر من البحرينيين مثل خميس أن الزواج الذي يتم بين المواطنين في إطار عائلي وبناء على تفاهمات قديمة، يؤدي في نهاية المطاف إلى علاقات فاشلة لأنها لم تنشأ وسط ظروف من الحب والتفاهم فالزوجان يرتبطان بحكم التقاليد الأسرية المحلية. وما زالت الزيجات لدى بعض العائلات البحرينية تتم من خلال شيخ القبيلة أو عميد العائلة. كشفت كذلك دراسة أعدتها "وحدة التقارير الاقتصادية" في صحيفة "الاقتصادية" السعودية أن البحرين احتلت الترتيب الأول بين دول مجلس التعاون الخليجي في معدل الطلاق عام 2012. وفي العام الدراسي (2013-2014) بلغت نسبة الطالبات في مؤسسات التعليم العالي بمملكة البحرين (60%)، متفوقة بذلك من ناحية العدد على الطلاب الذين شكلوا (40%)، بفجوة بلغت (20%). ويرى مواطنون أن الظروف الاقتصادية تمثل العامل الرئيسي في ارتفاع حالات الطلاق في المملكة ويعزو آخرون السبب إلى تباين المستويات التعليمية والثقافية بين الأزواج.

تقبل المجتمع...

عوامل كثيرة جعلت المجتمع البحريني أكثر تقبلاً للزواج المختلط بين الرجال ونساء من جنسيات وديانات مختلفة، منها العولمة والانفتاح الثقافي والتقدم العلمي. فضلاً عن ذلك، فإن إدراك الآباء وضع أبنائهم الاقتصادي المتعثر يجعلهم يقدرون حاجاتهم في الزواج بأجنبيات. يقول معصوم أن والدته ووالده باركا الزيجة وشاركا بنفسيهما في ترتيب مراسم حفل الزواج ودفع والده تكاليف قاعة العرس. المغالاة في مهور الفتاة البحرينية ومتطلباتها المادية، بحسب شباب تحدث معهم رصيف22، وفي ظل ارتفاع نسب البطالة، دفعت كثراً إلى الزواج بأجنبيات. لكن التقبل هذا لا ينطبق بالضرورة على المرأة البحرينية. بحسب عائلات التقى بها رصيف22، يبدأ متوسط المهور في البحرين من 2000 دينار ويصل إلى 4000 آلاف كحد أقصى. ومع تكاليف حفل الزفاف التي تصل إلى 1000 دينار والذهب 2000، فإن التكلفة الإجمالية قد تصل إلى 8000 دينار بحريني (حوالى 21 ألف دولار أميركي). ووفق وزارة العدل والشؤون الإسلامية في إحصاءاتها لعام 2015، فإن البحرينيات الحاملات الشهادات العليا اللواتي تزوجن العام الماضي... تزيد مهور 46% منهن على 2000 دينار، فيما تتراوح مهور 40% منهن بين 1000-1500 دينار، وتقل مهور 3.6% منهن عن 400 دينار. وبالنسبة إلى كثر من الشباب الذين يتقاضون رواتب قليلة تبلغ 300 دينار بحريني (نحو 800 دولار) فإنهم يحتاجون إلى الانتظار 3 سنوات تقريباً من دون إنفاق دينار واحد من أجل توفير تكلفة الزواج فقط، وذلك قبل بدء التحدي الحقيقي وهو الإنفاق على زوجاتهم وأبنائهم في المستقبل. ومع تزايد أسعار المنتجات في البحرين، خصوصاً البترول وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، فإن هذا التحدي  يزداد تعقيداً. وكشفت هيئة تنظيم سوق العمل في إحصاء الربع الأخير لعام 2015، أن متوسط أجور البحرينيين العاملين في القطاع الخاص تبلغ 386 ديناراً، فيما يبلغ متوسط الأجور في القطاع العام للمواطنين 673 ديناراً، ما يجعل متوسط أجور مجمل العمالة البحرينية 512 ديناراً (1358 دولاراً). وبلغ عدد العاطلين من العمل حتى نهاية عام 2016، 8485 بحسب أحدث إحصاءات وزارة العمل وهو أكبر عدد العمل سجلته البحرين خلال الأعوام الستة منذ 2009. تناولت الفنانة البحرينية هيفاء حسين، وهي متزوجة برجل إماراتي، الظاهرة عبر موقع إنستغرام وطالبت الفتيات بالتخفيف من الأعباء المادية للزواج. تلقي حسين اللوم على الفتيات في البحرين وترى أن "طلباتهن مبالغ فيها وهذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل المواطن يتزوج أجنبية لا تطلب مهراً غالياً، ولا شبكة ألماس، ولا حفلة كبيرة، فالشباب حتى قبل الزواج يعانون من الديون والقروض". وعلقت إحدى الفتيات على كلام هيفاء: "المهور أبسط حقوقها". وورد في حساب آخر: "هل تقنعين العالم أن لو أبوك قال لعريسك مابي مهر، بتوافقين؟" . بينما وافقت فتاة رأيها، قائلة: "سالفة (قضية) المهور غريبة عجزت أفهمها! سلعة هي علشان تنشرى بفلوس مع أن فاطمة الزهراء رضي الله عنها كان مهرها رمح". وتقول دانة وهي فتاة بحرينية (22 سنة) تعمل في أحد المقاهي الأميركية بمنطقة العدلية، أن المهر هو حق للمرأة منصوص عليه في القرآن الكريم ولا يستطيع الرجل التنصل منه. "المهر يعني أن الرجل يقدر زوجته وحقوقها ولا يعني شراءها بالمال"، تضيف دانة.

الظروف المعيشية

بالنسبة لبعض النساء في البحرين، فإن توفير حياة مريحة مشابهة للتي حظيت بها في منزل عائلتها، أمر أساسي للقبول بالرجل ومن ثم نجاح العلاقة بينهما. "أن تتزوج بحرينية يعني أن تجد نفسك بعد أشهر قليلة مثقلاً بهموم قرض حصلت عليه من أحد البنوك لتحقق مطالبها"، يتحدث معصوم عن تجارب أشقائه في الزواج ببحرينيات ويصف هذا الأمر بالشائع في المملكة. ويرى أن البحرينيين معظمهم يقتروضون من البنوك لتغطية مصاريف المعيشة الآخذة في الارتفاع. ويشير إلى ما يشاع بين أوساط الشباب بأن العائلات البحرينية باتت تنفق مبالغ على الوجبات الجاهزة وبصورة يومية، إذ أصبحت بديلاً من الطعام الاعتيادي في البيت. لكن فاطمة إدريس وهي خريجة جامعية أن الشاب البحريني يبالغ في مقارنة مطالب المرأة البحرينية ونظيرتها الأجنبية. وتقول أنه قد يدفع 100 دينار (265 دولاراً) لتغطية مصاريف سيارة زوجته البحرينية، في حين أنه يحتاج إلى دفع ضعف هذا المبلغ لتمويل تذكرة سفر زوجته الأجنبية التي غالباً ما تزور أهلها كل عام. يؤمن كثر من الشباب البحرينيين بنظرية إخلاص المرأة الأجنبية في حب زوجها والمحافظة على ماله وممتلكاته بعكس المرأة العربية التي تبالغ في مطالبها وتهدف إلى الثراء وأحياناً إلى الشهرة. يحكي أحمد منصور وهو رجل أعمال بحريني في العقد الثالث من العمر عن تجربة ارتباطه بفتاة روسية خلال زيارة عمل إلى مدينة سانت بطرسبرغ، وكيف غيرت هذه الزيجة نظرته تماماً تجاه المرأة الأجنبية.  يتابع منصور أن زوجته قررت الارتباط به بعد قصة حب حقيقة خلال زيارته القصيرة إلى روسيا، وعلى الرغم من المشاعر المتبادلة بينهما خلال المواعدة الأولى، إلّا أنه ظل يدرس نواياها الحقيقية خلال شهور التعارف الأولى. وبعد 3 سنوات من الزواج، يتحدث منصور عن امرأة تحافظ على ماله ولا تحاول استغلاله أبداً. ليس الوضع المعيشي وحده ما يدفع الشاب البحريني إلى الارتباط بفتاة أجنبية، فأحياناً يفعل ذلك لتفضيلات شخصية تتعلق بالثقافة وأحياناً، الملامح التي قد يكتسبها الأبناء من أمهات أجنبيات. يقول إبراهيم (35 سنة) أن خفض النفقات ليس الهدف الوحيد للزواج بأجنبية، فهو استثمار في مستقبل أبنائه وثقافاتهم وتعلمهم. "(أبنائي) مثقفون وأذكياء وعلى جانب كبير من الجمال، وهذا هو الاستثمار الذي حققته"، يضيف إبراهيم.  

سمسار الزواج...

تزوج خالد صالح بفتاة باكستانية من طريق سمسار يعمل في البحرين، مهمته تحقيق طلبات البحرينيين الراغبين في الزواج بفتيات يتحدّرن من دول آسيا الفقيرة مثل الهند وباكستان. يشترك السمسار مع آخرين صغار يعيشون في تلك الدول، في البحث عن الفتاة المناسبة لمواصفات الشاب الذي يريد الزواج قبل أن يعرض صورها عليه، وعند الموافقة يتولى تسهيل إجراءات التعارف بينهما ويعقد الزواج شرعياً في البحرين. يقول صالح أنه لم يدفع سوى تكلفة السمسار التي لم تتجاوز 200 دينار بحريني (530 دولاراً)  مرة واحدة، ولم ينفق ديناراً واحداً في المهر أو حفل زفاف ولم يبذل جهداً كبيراً لإقناع العروس وأهلها الذين لم يطلبوا تجهيزها. "زوجتي تعرف حالتي جيداً، وهي راضية بحياتنا ولدينا بنت جميلة اسمها مرام ونحن عائلة سعيدة، المهم أن يكون الزوجان مقدرين ظروف بعضهما بعضاً، وبالطبع سيأتي الحب في ما بعد"، يضيف صالح.

المرأة كذلك تتزوج الأجنبي، لكن القانون لا ينصفها

فتيات كثيرات في البحرين يفضلن الزواج بقطريين وإماراتيين وأحياناً السعوديين، نظراً إلى صلة النسب والتقاليد المشتركة، فضلاً عن امتلاك شباب تلك الدول وضعاً معيشياً أفضل من نظرائهم البحرينيين. وبحسب الإحصاء الصادر من الجهاز المركزي للمعلومات عام 2015، فإن 630 بحرينية تزوجن برجال أجانب معظمهم خليجيون في العام نفسه. مع ذلك، فإن المرأة البحرينية لا تحبذ هذا الخيار نظراً إلى العواقب السلبية التي تترتب على أبنائها من زوجها الأجنبي. يمنح القانون البحريني أبناء البحريني المتزوج بأجنبية الجنسية، لكنه لا يمنحها لأبناء البحرينية المتزوجة بأجنبي، وعلى الرغم من ذلك ينص القانون على استفادة الأبناء من الخدمات الصحية والتعليمية بشرط الإقامة الدائمة في المملكة. تعتبر البحرين أن قضية منح الجنسية لأبناء البحرينية يتعلق بسيادة الدولة التي تتطلب عدم التوسع في منحها من دون ضوابط. ويقف هذا القانون عائقاً أمام تحقيق أحلام فتيات كثيرات في البحرين ولا يفتح المجال أمامهن للارتباط برجال أجانب، الأمر الذي قد يقلب الإحصاءات رأساً على عقب إن حدث.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard