شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
كيف يصبح وجود العاملة المنزلية قنبلةً موقوتةً قد تنفجر في أي لحظة؟

كيف يصبح وجود العاملة المنزلية قنبلةً موقوتةً قد تنفجر في أي لحظة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 4 ديسمبر 201701:56 م
"جريمة مروعة في لبنان: خادمة تذبح مخدوميها". عنوان تصدّر الصحف اللبنانية منذ أسبوعين ليعيد إشكالية العلاقة بين العاملات في الخدمة المنزلية وربات البيوت إلى الواجهة. ومن ذلك الخبر إلى أخبار أخرى، شكلت ذاكرة مرّة عن هذا الموضوع حول عاملة منزل قتلت طفلاً أو تحرشت به جنسياً، أو ربّة منزل رمت العاملة من شرفة المنزل، أو عاملتها بشيء من العنف، وغيرها من الفواجع التي تستمر يومياً دون انقطاع. عاملة المنزل تشكو مخدومتها من سوء المعاملة والحرمان، والأخيرة تدّعي أن الخادمة سارقة أو تريد الفرار. إلى متى تستمرّ تلك الحرب؟ ومن المسؤول عن إيقافها في ظلّ أدوار مبهمة تعطى لعاملة المنزل تتخطى الخدمة إلى الأمومة؟ هل ما يحصل نتيجة طبيعية لتلك العلاقة غير الصحيّة بين الطرفين؟ INSIDE_DomesticWorkerLebanon

لا أحد محمي

كانت الاتهامات قديماً موجّهة إجمالاً صوب أرباب البيوت بالإساءة إلى العاملات في الخدمة المنزلية. تقارير المنظمات الإنسانية لا تخلو من إثباتات عن ضرب وتعنيف جسدي ونفسي، تصل أحياناً إلى الاستغلال الجنسي الذي تعرضت له عدد من العاملات اللواتي اشتكين من وضعهن، وطلبن الحماية من أشخاص يفترض أنهم يؤمنون لهن المأكل والمشرب والسقف مقابل خدمات محددة، تشمل التنظيف والترتيب والطهو أحياناً. هذا في المفهوم المنطقي، وما هو وارد في عقد العمل الذي يحدد مهماتهن. لكن الواقع معاكس تماماً. فما يحصل فعلاً هو التالي: ندفع مبالغ طائلة لمكاتب استقدام "الخدم" لاختيار سيدة لا نعرف عنها سوى وجهها وبضع معلومات سطحية عن سيرتها الذاتية، نضيف إليها رأي صاحب مكتب الاستقدام الذي يغرينا بالقول "تتكلم العربية جيداً.. هي أم في الأساس.. كانت تعمل لدى التاجر أو السياسي الفلاني". فنستسلم لحاجتنا للمساعدة وللفرصة الثمينة التي لن تتكرر مع تلك السيدة، فنوظّف امرأة لا نعرف شيئاً عن ثقافتها أو تركيبتها النفسية أو الدوافع الحقيقة خلف استقدامها من بلدها الأصلي، نسلّم إليها بيوتنا، ممتلكاتنا، أولادنا، أرواحنا ضاربين بعرض الحائط كل القوانين الشرعية والإنسانية، مستغلين ضعفها وحاجتها لتصبح جزءاً من عائلتنا لا نستطيع العيش بدونها لحظة. يقول أحد الموظفين في مكتب لاستقدام عاملات المنازل في بيروت: "المكتب مسؤول عن أي إشكال بين العاملة وأرباب البيوت في أول 3 أشهر من التوظيف، ويشمل ذلك مسألة الهرب أو سلوك العاملة السلبي أو عدم احترامها البنود المحددة في عقد العمل. أما بعد ذلك، فالمسؤولية تقع مباشرةً على المخدومين والأمن العام"، واصفاً العلاقة بين الطرفين بـ"التوفيقة"، معتبراً أن العاملة يمكن أن تدّعي السلوك الحسن في بدء عملها لتتغيّر لاحقاً وتصبح راغبة بالهرب أو الرجوع إلى بلدها حسب الظروف التي تعمل فيها. من ذلك المنطلق إذاً، نستنتج أن لا أحد محمي في هذا المجال. فالعاملة المنزلية ليست محمية من عنف مخدوميها، رغم وجود المنظمات الإنسانية، لأنها في أحيان كثيرة يمكن أن تحرم من الخروج أو الإجازة أو التواصل من خلال جهازها الخلوي، فتقع ضحية العنف سواء النفسي أو الجسدي، وهي غير قادرة على الدفاع عن نفسها. عنف يمكن أن يولّد انتقاماً يكون ضحيته في معظم الأحيان الأولاد، لأنهم الكائنات الأضعف والأكثر تواجداً مع المساعدة المنزلية. فتقوم باستغلالهم أو أذيتهم مباشرة أو بطريقة غير مباشرة. أو يتم الانتقام من أرباب المنزل بارتكاب جرائم بحقّهم أو سرقتهم والهرب. لكن السرقة والجرم وغيرهما من السلوكيات الجرمية ليسا نتيجة كبت أو عنف أو قصاص. فنحن لا نعرف، ولا مكاتب الاستقدام تعرف، ما يضمره هؤلاء الأشخاص، وكيف يمكن أن يعبّروا عن غضبهم إن غضبوا وعن سبل الدفاع عن النفس. لذلك حدّدت مهماتهن - التي قلما تحترم - في عقد عمل. لكن ما يحصل فعلاً هو أن تتحول المساعِدة إلى ربّة منزل، وربّة المنزل إلى مراقب أو "بوليس سير". فلا تبنى علاقة الطرفين على الثقة بل على الخوف المتبادل: العاملة المنزلية تخاف من تعنيف مخدوميها لها، والأم تخاف على أولادها من انتقام العاملة، فيصبح وجودها كالقنبلة الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة. INSIDE_DomesticWorkerLebanon2

من أنتم في نظرهن؟

يقمن في بيوتكم. لكنكم لا تعرفون عنهن شيئاً. تنتقدون تصرفاتهن التي تصفونها بغير الحضارية أو غير النظيفة أحياناً، من دون محاولة التعرف على أساليب حياتهن التي قد تكون مختلفة عن حياتكم ، لكنها قد تشكل ركيزة أساسية في شخصيتهن وطباعهن وما يجعلهن سعيدات. "خادمتي لا تستحم كل يوم. لا تجيد استخدام الشوكة. تأكل بطريقة سوقيّة". قد تشتكون من تفاصيل حياتهن، فعوضاً من التكيّف معهن تفرضون عليهن أساليبكم ولا تناقشوهن على الإطلاق. تفرضون عليهن لبسهن أيضاً وتسلبونهن حرية ارتداء الزي التقليدي الذي ربما يبقي فيهن تعلّقاً نفسياً بالوطن وأملاً بالرجوع إليه رغم الحاجة. هل سألتم أنفسكم إن كان الشخص الذي يقيم معكم ويعمل لخدمتكم يحبكم ويخدمكم بمحبة أم أنكم تفضلون إخافته ليعمل كما تريدون؟ من أنتم في نظر المساعِدات؟ وهل يعتبرنكم أفضل منهن أم أن سلوككم غريب بالنسبة إليهن تماماً كما هو سلوكهن في نظركم؟ أشخاص مجهولو الهوية بالنسبة لكم، لكن لمَ لا تحاولون مخاطبتهم بلغتهم أي من دون إجبارهم على خلع كل ما تربّوا عليه ليتقمصوا هويتكم؟ تخيّلوا أن تجبروا على الهجرة للعمل في بيئة مختلفة تماماً عن بيئتكم، وينظر إليكم على أنكم متخلفون، وتجبرون على خلع هويتكم واعتناق أسلوب مختلف قد لا يقنعكم. ألن يولّد هذا مشاعر سلبية وشعوراً بالتمييز والنفور لديكم؟ لمَ لا تحاولون تقبّل اختلاف هؤلاء الأشخاص إذاً وبناء علاقة عمليّة ودّيّة معهم، واضحة المعالم والأدوار؟ ربما بذلك تتفادون عناء التفكير في ما يحضّر عقلهم الباطني ضدّكم.

ماذا تنتظرون منهن؟

ماذا تريدون من المساعِدة؟ سؤال يجب أن يكون له إجابة واضحة في ذهنكم قبل أن تستقدموها. هل تريدون شخصاً يساعدكم في الواجبات المنزلية الروتينية أم تريدون من يدللكم ويشعر بفرحكم وحزنكم ويكون حاضراً لتلبية رغباتكم العاطفية؟ MAIN_DomesticWorkerLebanon2 هل هذا دور العاملة المنزلية أم أن ما تحتاجونه فعلاً هو صورة أم أو مساعِدة تهتم بكم وبأولادكم فتطعمهم وتلبسهم وتسهر على راحتهم وتكون حاضرة إلى جانبهم في غيابكم؟ هل هي في الأصل جاءت لذلك الدور؟ أم أنها تأتي فتتورط بما لا تجيد لا هي ولا غيرها، فعله، وهو الحلول محل الأم. كيف تتوقعون أن تتحمل عاملة المنزل صراخ ولدكم ولا تثور؟ كيف تتوقعون أن تعاملوها كفرد من عائلتكم من غير رسم حدود مهنية دون أن تستغل هي ذلك أو أن يأتي وقت وتقصّر في واجباتها، إن لم تخشَ العواقب؟ دور العاملات في الخدمة المنزلية يجب أن يكون محدداً، فيتفق الطرفان على أن تكون تربية الأولاد خارج أي اتفاق، لأن الولد بحاجة إلى أم واحدة فقط، إلى لمسة الأم ورائحتها ومذاق طعامها وليس إلى الغريب، أي غريب مهما كان حنوناً وحاضراً. لا يمكنكم أن تعطوا للمساعِدة المنزلية أدواراً ليست مسؤولة عن تأديتها وتعاقبوها على التقصير، فهي ستقصّر حتماً. ببساطة لأن ليس من مسؤوليتها لعب دور الأم. لا الصراخ لتأنيب الولد ولا التحايل عليه لينام ولا ليأكل. ويحصل أن يغضب الولد منها فيقلّد أهله في إهانتها، ويُمنع عليها الرد بالمثل. ثم تسألون عن الأسباب الكامنة وراء غضبها وتذمرها وقسوتها؟ من غير الصحي أن تصبح المساعِدة فرداً من العائلة، فلا تمنّنوها بأنكم تسمحون لها بالجلوس إلى المائدة معكم ولا تفتحوا لها الباب إلى مشاكلكم فتتسلّم أسراركم لأنكم بذلك تكونون قد فسختم العقد العملي بينكم وبينها، وأصبحتم في حرب سيطرة مفتوحة معها قد تكون خواتيمها كارثية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard