شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لا يوجد حد عمري للحبّ والمغامرة وتحقيق الذات

لا يوجد حد عمري للحبّ والمغامرة وتحقيق الذات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 21 أكتوبر 201702:20 م

رجل في نهاية الثلاثين من عمره، عيناه باهتتان، خطوته آلية، يبدو على وجهه الانشغال والهم. يقبض على يد طفلته، في السنة الأولى الابتدائية، وهي تسير بمرح، تحاول أن تحرر يدها من يده، تريد أن تلهو وتلعب. تجسد تلك الصورة النمطية، التي نشاهدها كثيراً في بداية الدراسة، ما يفعله الزمن والعمر بنا، كيف نتحول من كائنات فرحة بالحياة، إلى كائنات أقل فرحاً، وأكثر كآبة. ما الذي يحدث فينا ويحولنا؟ لماذا حياة معظمنا تتبع هذا النمط؟ ما الذي يمنعنا ونحن في الثلاثين والأربعين والخمسين من الانفتاح على العلاقات الإنسانية، والاستمتاع بالحياة والشغف بتفاصيلها، كما كنا أطفالاً ومراهقين وبدايات العشرين؟ الحياة تبدو منتهية لمعظم الناس منذ الثلاثين، وتضيق أكثر في الأربعين، واحتمالات التغيير والاكتشاف في الخمسين والستين بعيدة المنال، أما في السبعين، فقد تختفي الحياة من رغباتكم، فقط تنتظرون الموت. يفقد الكثير من أبناء "الطبقات الوسطى" في الوطن العربي بعد الثلاثين ما يطلقون عليه "حماس البدايات" في العلاقات الإنسانية، والاستمتاع بمباهج الحياة، والشغف بالعمل. ويحل الروتين والمسؤوليات والتقاليد مكان ذلك، وكأنه نمط الحياة الطبيعي. ويتحول الكثيرون من هدى وسمر ومحمد إلى أم يوسف وأبي إياد وأم مريم، ألقاب اجتماعية، تعكس تحول الهوية، من شخص موجود، إلى كائن طفيلي يتمحور معنى حياته ووجوده حول غيره. ترى ماري هنيزيل، ناشطة نسوية في مجال الجنس، وهي في السبعين من عمرها، أن المجتمعات لديها "هوس بالشباب"، وأن المسنين من حقهم أن يستمتعوا بالحياة مثلهم. وتحكي أنها اكتشفت الرعشة الجنسية في هذا العقد المتأخر من حياتها.

الهوس بالشباب والافتتان بالشيخوخة

تقول هنيزيل بفخر في شهادة لها نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية: "أنتمي إلى الجيل الذي قاد الثورة الجنسية في السبعينات في فرنسا، كسرنا الحواجز، وقاتلنا من أجل حقوق منع الحمل والإجهاض". الآن، وهي في السبعين، تقول إنه في السنوات المتأخرة، باتت تدافع عن ثورة جنسية جديدة لكبار السن، تسأل كيف تكون الحياة الجنسية للكبار، وتتساءل لماذا لا تزال الحياة الجنسية للعجائز من المحرمات: "أنا ألوم هوسنا بالشباب، ومندهشة من تركيز وسائل الإعلام على الجراحة التجميلية لإثبات أن المرأة يمكن أن تظل شابة ومثيرة". بالنسبة إلى هنيزيل، إن الهدف من الحسية ليس الحفاظ على الجسم، ولكن بالأحرى الحفاظ على "صحتي ورغباتي". أنا أؤمن وربما للمرة الأولى أن النساء في عمري لا يخشين محاربة هذه الثقافة المهووسة بالشباب، وقادرات على استعادة الحياة الجنسية.

وتضيف معبرة بفخر عن جيل الهبيين الذي تنتمي إليه: "إننا جيل ديناميكي، سخي وأناني في وقت واحد، تدفعه الرغبة في السفر والتعلم واستكشاف أراض جديدة، رغباتنا لن تختفي مع تقدمنا في السن". في شبابنا، نركز على التفاصيل الجسدية أكثر، الصدر، المناطق السفلية، النحافة، العضلات، الصحة، الثروة. ولكن بعد مرور العمر، تعلمت هنيزيل أن الجنس لا يعني ذلك، ولكن العناصر المتعلقة بالحميمية والمشاعر والمشاركة مهمة أيضاً. ولكن هل يمكن للجنس أن يكون متوهجاً في السبعين؟ تقول: "الجنس ليس كما هو الحال في شبابنا، أقل تهوراً، أبطأ، أكثر حسية، ومشمول بالعطف، والحميمية التي هي القدرة على التعبير،  ومشاركة المشاعر والثقة، كل ذلك ضروري".

وتضيف: "أعتقد أن المرأة مُنحت هدية في طبيعتها خاصة بالحميمية والإيروتيكية،  أنا أؤمن أن المرأة لديها مسؤولية أيضاً لتظهر لشريكها المتعة التي يمكن أن تأخذه إليها، وتساعد في خلق نوع من "التواطؤ الإيروتيكي" معه". الرجال يخافون مع تقدمهم في السن، أن يكونوا ضعفاء، أو من فقدان قدرتهم على الانتصاب، لذا ترى الناشطة السبعينية أن موقف المرأة مهم جداً، المرأة يمكن أن تجرب متعة جنسية هائلة في سن الشيخوخة، على عكس الرجال. فيقول البعض إن لديهن رعشات جنسية أفضل بعد الستين، ولا تحتاج إلى انتصاب الرجل كي تأتي تلك الارتعاشات. تقول إن ما اكتشفته هو أن النساء الأكبر سناً، المشبعات جنسياً، اكتشفن في الغالب شيئاً هاماً: يمكن أن يكن هن البادئات في المتعة الحسية. وتلخص الكاتبة تجربتها: "مع تقدم الناس في السن يقرر البعض التخلي عن الجنس، هذا حقهم بالطبع، خصوصاً إذا كان ذلك قراراً متبادلاً ليس فيه مشكلة، ولكنني أعتقد أنه لا يوجد حد عمري للحب والجنس والرغبة، حتى لو أخفينا ذلك في سن معينة، هو مثل سر لا نريد لأحد أن يكتشفه، ولكنه يلعب دوراً رئيسياً في الصحة الجسدية والنفسية للمسنين، يجب أن نتحدث عنه أكثر".

فزع منتصف العمر

أنتم تكبرون، صحتكم تضعف، ذاكرتكم ليست قوية كفاية كما كانت، لم تعودوا قادرين على الانتصاب، أو الاستمتاع بالجنس والطعام والشراب. فجأة أولادكم في العشرين، صديقكم مات بسبب مرض مزمن، فكرة الموت قريبة منكم، اختفاؤكم عن الوجود يرعبكم. أهلاً بكم في الأربعين، تلك الحالة المشتركة التي اكتشفها عام 1965 المحلل النفسي الكندي إليوت جاك، أطلق مصطلح "أزمة منتصف العمر". فقد أجرى مقابلات مع مجموعة من الشخصيات الناجحة، وأدرك أن الكثيرين يشعرون بالارتباك وخيبة الأمل، وهذا شعور يعذبهم بسبب "الأهداف غير المحققة، وعدم تقرير المصير، والتغيرات الجسدية". ولكنّ لكارل يونغ، المحلل النفسي الشهير، رأياً آخر، عبر عمله في ثلاثينيات القرن المنصرم. اعتقد أن مرحلة منتصف العمر حيوية للتنمية البشرية: "لا يمكننا أن نعيش حياة ما بعد الظهر وفقاً لبرنامج الصباح في الحياة، ما كان عظيماً في الصباح يكون ضئيلاً في المساء، وما كان حقيقياً في الصباح يصبح كذبة في المساء". وأكد يونغ على أهمية وجود جامعة للأفراد في منتصف العمر، ومؤسسات تعمل لمساعدتنا على المرور عبر المرحلة الانتقالية المؤلمة إلى مرحلة النضج الكامل. تقول الكاتبة ميراندا ساوير، في كتاب كتبته خصيصاً لمن يمرون بأزمة منتصف العمر يحمل الاسم نفسه، إن الناس في منتصف العمر يحتاجون إلى نوع معين من الطاقة يختلف عما يحتاجونه في المراهقة.

تحاول الكاتبة في الغارديان البريطانية، ميراندا ساوير، أن تنظر إلى الوراء. تستدعي العشرين، وتحقق في الثلاثين، وتصل إلى الأربعين، من خلال منتصف هذا العقد الذي يصفه فيكتور هوغو، بشيخوخة الشباب وشباب الشيخوخة. ما لاحظته هو أن التغيير بين الشباب ومتوسطي العمر غير متعلق جوهرياً بالزاوج أو الأطفال، بقدر الحفاظ على الوقت أكثر، والطاقة أكثر. في عهد الشباب لا تقدرون كثيراً قيمة الوقت، ويمكن أن تعقدوا صداقات كثيرة، وتفرطوا في شرب الكحول والمخدرات، ولكن مع تقدم العمر "استجابتكم للشراب والمخدرات تتغير". هذا التغيير في استجاباتكم خصوصاً في التجارب الاستمتاعية، اكتشفه روبرت أبشتاين، طبيب نفسي وباحث في المعهد الأمريكي للبحوث السلوكية والتكنولوجيا في ولاية كاليفورنيا. فأشار إلى أن التجارب التي نخوضها تخلق العقل، تؤثر فيه، في نظرتكم لأنفسكم، مشاعركم، مواقفكم، لو توفي والدكم قد تغرقون في اكتئاب طوال حياتكم، لو خانتكم من كنتم تثقون بها، قد تفقدون الثقة في البشرية جمعاء، إذا مارستم الحميمية بطريقة معينة مع شريك تحبونه في بداية حياتكم الجنسية، تحنون لتلك اللحظة دائماً، ولا تستطيعون التخلص من استجاباتكم تلك، إنها هناك في عقلكم وطريقة تفكيركم وشعوركم.

أنتم تتذكرون ولا تعيشون

في مقال لأبشتاين سلط الضوء أكثر على طريقة عمل الذاكرة، اكتشف أنها أسطورة من صنع الخيال، لا يوجد مكان في خلاياكم العصبية يخزن فيه الصور والأصوات والروائح. ما هو موجود في عقلنا عندما نتذكر، هو إعادة إدراك، أو معايشة أخرى لما عشناه. كل ما تمرون به يرسم عقلكم، ورؤيتكم، ومشاعركم، ومواقفكم، باختصار: أنتم ذكرياتكم.

كيف يحدث ذلك؟

يقول أبشتاين: "نعيش ثلاثة أنواع من التجارب تغيّر فينا: نلاحظ ما يحدث حولنا، تصرفات الآخرين، أصوات الموسيقى، تعليمات موجهة لنا، صور على الشاشات، كلمات على الصفحات، ثانياً نعقد مقارنة بين المحفزات غير المهمة مثل صفارات الإنذار، والمحفزات المهمة مثل ظهور سيارات الشرطة، ثالثاً يتم معاقبتنا أو مكافأتنا على التصرف بطرق معينة". ويشرح أبشتاين أكثر ما يدور في عقولنا: "هناك دائماً تناقض بين الفعالية والاستمتاع، نصبح أكثر فعالية إذا تغيرنا، بطرق تتسق مع تلك الخبرات. إذا استطعنا اتباع التعليمات التي قيلت لنا، إذا استجبنا للمحفزات غير المهمة كما نفعلها مع المهمة، إذا امتنعنا عن التصرف بأساليب عوقبنا بها من قبل، إذا عززنا سلوكنا الذي تمت المكافأة عليه". قبلتم بنت أو إبن الجيران وعاقبتكم والدتكم بشدة، وقررتم ألا تكرروا فعلتكم حتى لا تعاقبوا، استذكرتم دروسكم جيداً، وامتدح والدكم الدرجات التي حزتم عليها، وقررتم أن تذاكروا بجد أكثر حتى يرضى عنكم والدكم وأصدقاؤه، وتشعرون بقيمتكم بين أقرانكم. هذه "الفعالية" التي يقصدها أبشتاين، وترسم خريطة خلايا عقلنا، تتناقض، في رأيه، مع حالة الاستمتاع والانتشاء بالحياة، كما ترسمها خلايانا العصبية. نكبر، وقد نكتشف أن قرارات أخذناها في الماضي لم تكن صحيحة، أسلوب حياة، واختيارات ليست لمصلحتنا، نحاول أن نتغير، ولكن العقل جامد لا يستجيب لتغيراتنا، نفعل ما كنا نعتقده خطأ، عقلنا الذي شكلته الاستجابات السابقة وطرق التربية والتفاعل الاجتماعي لا يتركنا، إحساس بالذنب، أو أن شيئاً ما خاطئ.

هل يمكن لعقلنا الذي تشكل بنمط معين أن يتغير في الثلاثين والخمسين بل في السبعين والثمانين؟

العلاج الذي اكتشفته سارة لازار، عالمة أعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام بكلية الطب جامعة هارفارد، بالصدفة، بعد إصابتها في الجري أثناء ماراثون بوسطن، ونصحها المعالج بممارسة اليوغا كشكل من أشكال العلاج الطبيعي. ولكنها اكتشفت شيئاً آخر: التأمل.

التأمل هو الحل

كانت لازار تريد من التأمل أن يشفي عظامها، ولكنها اكتشفت أشياء مدهشة. تقول: "شعرت بهدوء أكثر، وبت أقدر على التعامل مع أوضاع صعبة، وأصبحت أكثر تعاطفاً، وبات قلبي منفتحاً، وقادرة على رؤية الأشياء من وجهات نظر الآخرين". ظنت سارة أن هذه الاستجابات وهمية، ولكنها لاحظت ارتباط التأمل بانخفاض التوتر، والاكتئاب، والقلق، والألم، والأرق، وزيادة نوعية الحياة. حولت تخصصها من البيولوجيا الجزيئية لدراسة التأمل، ولاحظت بعد تجارب على مجموعة مارست التأمل بعدة طرق، تغيرات في حجم الدماغ الفيزيائي في المناطق المسؤولة عن تلك المشاعر: تقدير الذات، التعلم والإدراك والذاكرة والتنظيم العاطفي، التعاطف والرحمة، ومنطقة في جذع الدماغ تنتج الكثير من الناقلات العصبية. تقول إن ممارسة التأمل لا يحتاج إلى معلم، ولكنها ممارسة معقدة يجب أن تعرفوا ماذا يحصل في عقلكم، مارسته لعشرين عاماً. وتوضح: "كان له تأثير عميق جداً على حياتي، وأساسي، خفض الإجهاد، ساعدني على التفكير بشكل أكثر وضوحاً، إنه أمر رائع للتفاعل بين الأشخاص، أصبح لدي الكثير من التعاطف والرحمة للناس". ولكنها تقول إن النتائج لا تزال متواضعة وهي تقنية ليست فعالة للجميع.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard