شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
لماذا يخشى العرب سن التقاعد؟

لماذا يخشى العرب سن التقاعد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 25 أبريل 201703:21 م
لم تتردد عفاف جمال (60 عاماً)كثيراً حينما عرضت عليها الشركة التي تعمل فيها أن تتقاعد باكراً قبل 15 عاماً. كانت حينها في الـ45 من عمرها، وقد حصلت لتوها على ترقيه لتشغل منصب مديرة عامة في إحدى الشركات المشرفة على المجمعات الاستهلاكية في القاهرة. قبلت جمال عرض التقاعد مباشرة، ورضيت بالمقابل السخي الذي كان خمسين ألف جنيه مصري. تقول: "لم أفكر وقتها في نفسي، أنا لم أتزوج. أعيل أمي وأختي الصغرى، فهما كل ما يشغل بالي، وتأمين مستقبلهما". كل هذا ساعدها على اتخاذ القرار بسهولة، فقبلت العرض بالتقاعد على المعاش مبكراً، ووضعت مكافأتها في أحد البنوك لتعيش وأمها وأختها من ريعها. إلى هنا سارت الأمور بشكل جيد، لأنها لم تكن تعرف ما يعنيه التقاعد الباكر. تقول: "المشكلة تمثلت كلياً في حالتي النفسية، فبعد خروجي من عملي، وبعد أن كان يومي مزدحماً بشدة، صار إيقاع الأيام واحداً. لا فرق بين أمس وغد". جمال هي واحدة من المتقاعدين الذين لا يعرفون، بسبب عدم وجود ثقافة الاستمتاع بالتقاعد في الدول العربية، كيف يتصرفون في سنوات عمرهم الآتية بعد الوظيفة أو العمل، وكثيرون منهم تبدأ أعراض الشيخوخة بالظهور عليهم فور توقفهم عن العمل وانسحابهم لبيوتهم.

لا نعرف سوى وظائفنا

كشأن الكثير من الموظفين في العالم العربي، لا تعرف جمال سوى وظيفتها التي أفنت فيها سنوات عمرها، ثم حينما تقاعدت أدركت أن الوقت مر دون مكسب معنوي حقيقي أو إنجاز شخصي، أو هواية تتفرغ لها بعد التقاعد. وقد اكتشفت هذه المشكلة في سن مبكرة نسبياً. عانت من الجلوس في المنزل والصباحات الخاوية من صوت زملائها وصوت العملاء الذين يتعاملون مع شركتها لإنهاء صفقاتهم وتعاملاتهم. وهذا ما قادها إلى التفكير في البحث عن أي فرصة عمل مرة أخرى. لكن بالطبع لم يكن لها ما أرادت، فالعمل أصبح صعب المنال على الشباب، "فكيف الحال بمن هم في الخمسين من أعمارهم؟"، تقول جمال.

عن التقاعد في العالم

فاق عدد سكان الكرة الأرضية الذين تجاوزت أعمارهم الـ60 عاماً في تقرير صدر عن الأمم المتحدة الـ700 مليون نسمة مع حلول 2010. ويقول التقرير أنه "بحلول عام 2050، سيكون هناك بليونا نسمة، أي ما يزيد عن 20 في المائة من مجموع سكان العالم، تبلغ أعمارهم 60 عاما أو أكثر". يتفاوت سن التقاعد في البلدان العربية، لكن غالبية السكان يتقاعدون مع بلوغ الـ60، أو بعد تجاوزها بقليل. ففي الإمارات، يمكن التقاعد عند بلوغ الـ49، فيما تحاول السعودية رفع السن من 60 إلى 62، وتسعى مصر لرفعه إلى 65.
لا يعرف الكثير من العرب كيف يتصرفون في سنوات ما بعد الوظيفة بسبب عدم وجود ثقافة الاستمتاع بالتقاعد
كيف يتعايش العالم العربي مع سن التقاعد؟
وقد ذكرت صحيفة الحياة أن عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام لصندوق النقد العربي ، أكد على ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في أنظمة التقاعد والتأمينات والمعاشات التي يستحقها المتقاعد في العالم العربي. وأشار أن "معظم نظم التقاعد والمعاشات القائمة في الدول العربية حديثة النشأة نسبياً".

المتقاعد التونسي.. محاولة حياة

ربما تبدو الأوضاع مختلفة قليلاً في بعض مجتمعات تونس، التي تحاول أن تُدخل ثقافة الاستمتاع بالتقاعد، بحسب سارة بن حميدة (28 عاماً)، الصحافية التونسية وصاحبة شركة إنتاج إعلامي. وتقول: "سن التقاعد في تونس بين الـ 55 و 60… هناك عدد من الجمعيات بالمدن التونسية تنظم فعاليات ورحلات خاصة للمتقاعدين، الذين يجتمعون عادة بمقرات هذه المنظمات". خارج الثقافة الجديدة التي تحاول منظمات المجتمع التونسي إدخالها، اعتاد بعض المتقاعدين، بحسب بن حميدة، على إيجاد عمل بعد الوظيفة. فللبعض نشاط زراعي بالتوازي مع عملهم الذي تقاعدوا منه. آخرون يعملون بالتجارة الحرة خلال سنوات وظيفتهم، ويتفرغون بعد التقاعد لتوسعة هذا العمل. "بالنسبة للمتقاعدين المحيطين بي، لا أحد منهم انسحب للبيت. الذي يتقاعد في تونس عادة يقوم بانشاء مشروع أو عمل بديل"، تقول بن حميدة. وبرأيها، إن علاقة أبناء الجيل السابق بوظيفتهم تختلف عن علاقة الموظفين الشباب اليوم بها. فهم، أي الشباب، أقل تعلقاً، وأكثر رغبة في خوض أسلوب حياة مختلف بعد التقاعد.

لكن من أين آتي بالمال بعد التقاعد؟

تقول بن حميدة عن الوضع المادي للمتقاعدين إن الموظفين وأصحاب الأعمال يدفعون رسوماً لصناديق الضمان الاجتماعي كل ثلاثة أشهر طوال فترة العمل. بعد التقاعد، يدفع الصندوق راتباً شهرياً للمتقاعد يكون متناسباً مع المرتب.

المتقاعد السوري وشتات الأبناء

مصطفى، وهذا ليس اسمه الحقيقي، شاب سوري نزح إلى الجزائر حيث عمل كمهندس معماري. لم يتجاوز عمره الثمانية والعشرين عاماً، لكنه يتحدث عن والده المتقاعد الذي رفض أن يترك سوريا رغم الحالة الأمنية السيئة، بينما تشتت أولاده الخمسة بين الجزائر والسودان ومصر وتركيا. يقول بسخرية مرّة: "أعتقد أن حياة المتقاعد السوري هي الأكثر زخماً وإثارة عن أقرانه من المتقاعدين في الدول العربية الأخرى". فبالإضافة إلى الأوضاع الأمنية التي تهدد حياته كل لحظة وتجعل الفاصل بين الحياة والموت هشاً، فهي أيضاً تجعل المسن بعيدًا عن أبنائه وأقاربه الشباب. "المتقاعد السوري يمكنه متابعة أخبار العالم أجمع من خلال رسائل أولاده فقط لأن كلاً منهم في بلد"، يقول مصطفى. يقضي الأب الذي يتجاوز عمره الستين عاماً ساعات نهاره وليله في محاولة الاطمئنان على أولاده، فمنهم من وجد عملاً ومنهم من لا يزال عاطلاً عنه. يصف مصطفى والده بأنه ينتظر الموت.

في اليمن "مُتّ قاعد"

انتظار الموت هو ما تفعله نسبة كبيرة من المتقاعدين باليمن التي تشهد كثيراً من التوترات الأمنية بسبب الحرب فيها. يقول فؤاد عبدالقوي (50 عاماً) وهو موجّه تربوي أن المتقاعد اليمني ينسحب للبقاء في بيته منتظراً المرتب التعويض الشهري، أو المعاش، الذي يحصل عليه من الدولة أو من الضمان الاجتماعي. يقول إن الحرب لا تسمح بوجود مقاهٍ يلتقي فيها المتقاعدون وكبار السن، فالوضع الأمني وانقطاع التيار الكهربائي في ساعات معينة في النهار والليل يحولان دون ذلك. "هناك مصطلح شعبي متداول لوصف هذا الوضع هو "مت قاعد"، وهذا يختصر حال المتقاعد، بسبب انعدام فرص العمل للشباب فما بالنا بكبار السن"، يضيف لرصيف22.  

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard