شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
كيف دخل السوريون عالم فساتين الأفراح المصرية؟

كيف دخل السوريون عالم فساتين الأفراح المصرية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 22 فبراير 201704:20 م
في شارع عباس العقاد شرق القاهرة، تتراصّ محالّ بيع فساتين الزفاف على الجانبين. تقصده الفتيات من كافة المحافظات المصرية للبحث عن رداء الأحلام الأبيض.
كان هذا الشارع مصرياً خالصاً لسنوات خلت، حتى وصلت التغريبة السورية الأخيرة إلى القاهرة. فاليوم، بات من السهل تمييز وجود المحالّ السورية فيه من أسمائها أو من جنسية العاملين فيها أو من الأغاني الخارجة منها.

قبل الحرب وبعدها

اقتصرت السلع السورية المتداولة في مصر قبل 2011 على العباءات والمفروشات المنزلية، فيما تنوع سوق فساتين الأعراس المستوردة بين التركية والاسبانية والفرنسية والأمريكية والقليل من السورية. لكن هذا المشهد تغيّر مع اندلاع الحرب في سوريا، وبدء اللجوء منها إلى مصر في منتصف عام 2012، وقد قدرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعدادهم حينذاك بحوالي 70 ألفاً. كان اللجوء السوري إلى مصر حينها سهلاً لا يتطلب سوى تدبير سعر تذكرة السفر، ثم ازداد تعقيداً بعدما فرضت الحكومة المصرية إجراءات أصعب تتطلب الحصول تأشيرة دخول وموافقة أمنية في 2013. لكن أعدادهم بقيت تزداد حتى بلغوا نحو 118,000 من أصل نحو 190,000 لاجئ من عشرات البلدان، بحسب إحصائيات عام 2016 للمفوضية.
لاجئون سوريون يدخلون عالم العرائس وفساتين الأفراح المصرية من أوسع أبوابه
شارع عباس العقاد في القاهرة وفساتين الأعراس السورية فيه مثال لشوارع ومهنٍ مصرية تلونت بيد سورية
وللحال، وجد السوريون لهم أمكنة في مجالات عدة، أبرزها بيع مأكولات المطبخ السوري الشهير وتصنيع المفروشات. وقد أظهروا خلال السنوات الثلاث الماضية انتشاراً في مجال تصنيع وبيع فساتين الزفاف والسهرة. وما شارع عباس العقاد إلا مثلاً بسيطاً لشوارع ومهنٍ و"كارات" مصرية أخرى تلونت بالوجود السوري. [caption id="attachment_92626" align="alignnone" width="700"]بعدسة شيماء سيدwedding_dresses_photo_by_shaimaa_sayed_(23) بعدسة شيماء سيد[/caption]

تبقى المهنة ويتغير المكان

في ذاك الشارع يمتلك محمود، الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، محلاً ومشغلاً لفساتين أعراس. نشأ في سوريا وسط عائلة احترفت منذ الثمانينات العمل في هذا المجال، لكن أعمالها توقفت مع بداية الحرب، فقررت الانتقال إلى مصر. افتتح في البدء ورشة، أو مشغلاً لصناعة الفساتين، ومع الوقت كبر نشاطه. [caption id="attachment_92625" align="alignnone" width="700"]بعدسة شيماء سيدwedding_dresses_photo_by_shaimaa_sayed_(12) بعدسة شيماء سيد[/caption] يُرجع محمود الانتشار الأخير لفساتين الزفاف السورية في مصر إلى تنوع الصنّاع. ففي الماضي، كان الاستيراد يقتصر على اختيار الأرخص بدلاً من الأفضل أو الأجمل  لتكبد التجار نفقات الجمارك. يعدد أيضاً أسباباً أخرى، كانتظام السوريين في مواعيد التسليم وقبولهم أجوراً منخفضة والتزامهم بالجودة المطلوبة واهتمامهم بالدقة في تنفيذ التصميم، بخلاف المنتج المصري. "المصريون محترفون، لكنهم غير منظمين وغالبيتهم يعملون في أتيليه (مشغل صغير) لكننا نفضل المصانع الاحترافية التي تقدم خط إنتاج متكاملاً"، يقول محمود.

أسعارها في نظر المصريين

تنتشر محالّ بيع وتأجير فساتين الزفاف والسهرة في عدة مناطق، أشهرها حي مدينة نصر في شمال شرق القاهرة ومنطقة روكسي في مصر الجديدة، ومناطق وسط البلد والهرم والمهندسين. أما المحالّ التابعة للماركات العالمية فتنتشر في المراكز التجارية في مصر الجديدة والتجمع الخامس. وقد ظهرت البصمة السورية في معظمها. وفي استبيان إلكتروني أجراه رصيف22 نُشر عبر فيسبوك على عينة عشوائية تضمنت 21 سيدة وفتاة، رأت 63% من المشاركات أن محالّ فساتين الزفاف التي يملكها سوريون انتشرت بدرجة كبيرة، وأجابت 58% من المشاركات أن ذلك أثر على عمل المحالّ التي يمتلكها المصريون. وأجابت 55% منهن بنعم في شأن الكفاءة العالية في تصنيع فساتين الزفاف السورية، فيما صفت 50% من السيدات فساتين الزفاف السورية بأنها مرتفعة الثمن، و 42% وصفن الخامات بالجيدة. [caption id="attachment_92624" align="alignnone" width="700"]بعدسة شيماء سيدwedding_dresses_photo_by_shaimaa_sayed_(8) بعدسة شيماء سيد[/caption] وقد انتشر مصطلح "تقليد السوري" في أسواق الموسكي في منطقة العتبة الشعبية. ويقصد به الفستان الذي يصنعه مصريون ويروجونه مقلدين به جودة المنتج السوري، بسعر متدنٍ يصل إلى 1200 جنيه (60 دولاراً) مقارنةً بأسعار فساتين الزفاف السورية التي تبدأ من 4 آلاف جنيه (200 دولار) وتصل إلى 30 ألفاً (1500 دولار). يبرر محمود غلاء الفستان السوري بارتفاع سعر صرف الدولار،إذ يشتري معظم التجار المواد الخام، من أقمشة وكريستال ودانتيل وأدوات التطريز، من الصين وتركيا. لكنه اعتاد رغبة الزبائن في التفاوض لخفض الأسعار، ويحاول دائماً الحفاظ على الحديث الودود معهم والصبر على المساومين.

من الآثار إلى الأعراس

في حي شبرا الذي يعتبر واحداً من أكثر أحياء القاهرة ازدحاماً، استقر مزيان شعب، االسوري الأربعيني، مع أسرته بعدما تركوا بلدهم. كان يعمل مرمم آثار، بالإضافة إلى نشاطه الإضافي في تصدير فساتين الزفاف إلى مصر. مع بدء الحرب واحتضار السياحة، أصبحت تجارة فساتين الزفاف والسهرة حرفته الوحيدة. وحينما اشتدت وطأة العنف في بلده وأصبح التصدير صعباً، هاجر إلى مصر حيث أصبح شريكاً في ورشة لتصنيع الفساتين يمتلكها سوريون. "غيّرنا طبيعة الموديلات التي نقدمها للسوق المصرية بخلاف تلك التي كان يتم إنتاجها في سوريا"، يقول شعب. فالذوق المصري مختلف. وهم يصدرون في الوقت نفسه إلى عدة دول، منها العراق والأردن وفلسطين والجزائر، ويصممون لكل دولة ما يناسبها. [caption id="attachment_92623" align="alignnone" width="700"]بعدسة شيماء سيدweddig_dresses_photo_by_shaimaa_sayed_(3) بعدسة شيماء سيد[/caption] "لو فيه مجال مفتوح للسوريين أكتر ممكن نصنع الخيط"، يضيف شعب واصفاً شغف أهل بلده بالعمل ورغبتهم في خلق مجالات صناعية جديدة. في محله، لا يشترط شعب أن يعمل لديه سوريون فقط، فالمهم هو قدرة البائع على معاملة الزبون بلطف. لكنه يعاني من ركود الاقتصاد المصري، لا سيما خلال الأشهر الستة الأخيرة. حيث ارتفعت نسبة التضخم في شهر نوفمبر 2016 إلى 20.2%، بحسب بيان رسمي صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء. الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى تعويم الجنيه، فزادت معدلات التضخم وارتفعت أسعار السلع الأساسية.

فرص عمل جديدة

توفر المصانع والمحالّ التي يفتتحها السوريون فرص عمل للاجئين آخرين ليس لديهم القدرة على بدء مشروعهم الخاص. الشاب العشريني أحمد المؤذن هو أحدهم. لم يتردد المؤذن بترك حلمه باستكمال دراسة الهندسة الكيميائية وراء ظهره حينما غادر سوريا برفقة أسرته، التي استقرت في مدينة المنصورة. تعلم المهنة الوحيدة التي أتيحت أمامه لكسب الرزق، وهي العمل في مصنع سوري لفساتين الزفاف. دفعته الظروف الصعبة للابتكار والاتقان والنجاح. "بالتدريج احترفت العمل، وقبل حوالي 7 أشهر تمكنت من افتتاح مشروعي الخاص مع الاحتفاظ بعملي في المصنع"، يقول المؤذن الذي يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لبضاعته وتصاميمه الجديدة.

العودة أو البقاء؟

رزق شعب أخيراً ابنه الأصغر، وتوطدت علاقته بالحي الذي سكنه مع أسرته. "عشقت هذا الحي بزحامه وساكنيه المسلمين والمسيحيين، وهو أقرب ما يكون للحياة في سوريا. حتى لو استتب الأمن في بلدي لن أعود إليها وأترك شبرا"، يقول شعب. لكن محمود يخالفه الرأي قائلاً: "نرجع لسوريا ونبني من جديد وشغلنا هون يفضل زي ما هو".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard