شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
تقاليد الخطوبة في مصر: مواسم وحرب زيارات بين أهل العريس وأهل العروس

تقاليد الخطوبة في مصر: مواسم وحرب زيارات بين أهل العريس وأهل العروس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 14 ديسمبر 201612:20 م

تمر السنوات وتتغير الحالة الاقتصادية، وما زال الشعب المصري يحتفظ بالعديد من العادات والموروثات المختلفة، خصوصاً المرتبطة بالزواج، برغم تكاليفها الباهظة، التي تفوق قدرة الشباب المادية. تختلف تلك العادات من إقليم إلى آخر، لكنها تتفق في المضمون. ومنذ اليوم الأول للاتفاق على الخطبة، تبدأ حرب المواسم بين أهل العريس وأهل العروس. وبحسب الباحث مسعود شومان، رئيس تحرير سلسلة الدراسات الشعبية، التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية: "الزيارات بشكل عام في فتره الخطبة من العادات المصرية الاجتماعية القديمة، وجزء منها طقسي والآخر نوع من المشاركة". ويشير إلى أن المجتمعات الزراعية هي التي أنتجت هذه العادات والتقاليد، لذلك هي نادرة جداً في المجتمع البدوي في مصر. وانطلقت هذه الطقوس بداية من موسم الحصاد، وانحصرت في ثلاث مناسبات هي فصل البذر وفصل الزرع وفصل الحصاد، إذ كان المصريون يتبادلون الغلال كهدايا، ثم تطورت وانتشرت في المناسبات الاجتماعية المختلفة. ويضيف شومان أنه برغم أن هذه العادات في الوقت الحاضر يبدو شكلها إسلامياً، إلا أن جذورها أبعد من الإسلام. ويرى أن هذه المواسم تدخل في إطار التكافل والمشاركة الاجتماعية، لكنها تحولت إلى صراع، بتغير الحياة الاقتصادية في مصر، وانتشار النظره الطبقية. فإذا كان العريس أو العروس من عائلة غنية والآخر من عائلة فقيرة، يتسبب ذلك إما في فسخ الخطبة، أو تدخل في باب المعايرة والمكايدة، بأن هداياهم كانت أكثر وأنهم لم يردوا منها إلا القليل.

"أول يوم خطبة"

يعرف بيوم "قراءة الفاتحة"، يجتمع أهل العروسين في منزل العروس، ويعيد والدها شروطه التي اتفق عليها مع العريس ووالده أمام الحضور، ثم يؤكد العريس موافقته عليها. ويبدأ الجميع بقراءة الفاتحة، وهذا يعد آخر طقس يقومون به لإعلان الخطبة. لكن تسبقه في اليوم نفسه خطوات عدة، يقوم بها العريس منذ الصباح. فيشتري قائمة طويلة من الأغراض، يتقدمها المأكولات (لحوم، خضروات، أرز، دقيق أو خبز، فواكه، حلويات...). ثم يشتري ملابس للعروس (عباءات، ملابس داخلية، عطور، كريمات...)، وعليه أن لا ينسى شراء صابون رائحته زكية.

"المواسم"

via GIPHY

اقتصرت المواسم عند المصريين على أيام معينة خلال العام كعيد الأضحى، عيد الفطر، المولد النبوي، أول رجب، منتصف شعبان، رمضان، عيد الأم. في هذه "المواسم"، تُقدّم هدايا هي عبارة عن مأكولات، وتُسمى "عشا". بينما في عيد الأم، يكتفي العريس ببعض الحلوى مع خاتم ذهب لوالدة العروس للطبقات العليا، أما المتوسطة فيكتفي بإهدائها قطعة ملابس (عباءة أو حقيبة). وانضم إلى هذه المواسم في السنوات الأخيرة عيد الحب، عيد ميلاد العروس، رأس السنة. وتختلف الهدايا فيها عن بقية المواسم، فتكون خاتم ذهب ومبلغاً مالياً يقارب سعر الخاتم للعائلات الميسورة، أما الطبقات الأخرى فتكون الهدايا رمزية مثل عطر.

"بطل الحرب"

via GIPHY

المرأة المصرية هي القائد الأعلى في هذه الحرب، فهي من تهتم دائماً بتفاصيل هذه الزيارات، وتقودها، وتشرف على شراء كل المشتريات. وتدخل والدة كل من العريس والعروس في صراع من اختار أفضل الأشياء. ولا تتهاون أي من قريبات العروس من عمات وخالات وبنات عم، في القيام بأدوارهن، في مقارنة زيارات العريس، وما تحتويها وزياراتهن التي حصلن عليها أثناء فترة الخطبة.

"الزيارة الأولى"

via GIPHY

تأتي عقب قراءة الفاتحة بأيام قليلة، يقوم أهل العروس بدعوة أهل العريس لتناول طعام العشاء، وهنا تبدأ المعركة بين والدة العروس ووالدة العريس، وتبدأ كل منهما مهمتها في انتقاد طعام الأخرى وطريقة تقديمها، والأصناف التي قدمت، وكمياتها، وانتقاد العروس. وتكون العروس سعيدة الحظ إذا كانت كثيرة المزاح والضحك أو اللعب مع أطفال أشقائها أو أحد أقاربها أثناء وجودهم، فحينها تحصل على تقييم رائع من حماتها، تتبعه عدة نصائح يقدمها لها خطيبها بالنيابة عن والدته في ما بعد.

العلاقة بين أهل العريس وأهل العروس في مصر... معارك مستترة تليق بتلفزيون الواقع
ويرد أهل العروس الزيارة بعدها للقيام بالتدقيق في تفاصيل شقة العروس التي تكون غير مفروشة. ومع ذلك، لا بد من إلقاء نظرة مفصلة عليها، ويقومون بالتعليق الهندسي على كل جزء منها. ثم تكمل أم العروس مهمتها، في التركيز في تصرفات أم العريس وشقيقاته في المنزل، وطريقة معاملتهن لها، وتبدأ المقارنة بين الزيارتين، لتعود لابنتها العروس وبقية العائلة بتلك التفاصيل الجميلة، التي تسجلها.

في الصعيد

بالرغم من أن البيئة الزراعية في الصعيد تساعد في توفير هذه الزيارات أثناء الخطبة، فكل شيء متوفر فيها من خضروات وفواكه وغيرها من المحاصيل التي يزرعونها بأيديهم، لكن يغلب على الصعيد المغالاة والمفاخرة في هذه الزيارات، فعلى أهل العريس أن يرسلوا للعروس في كل موسم خضروات وفواكه ولحوماً وأرزاً ومعكرونة وشعيرية، (10 كيلو من كل صنف)، و20 كيلو سكر و2 كيلو شاي، وهذه الزيارات تقوم بها أم العريس وإحدى أخواته لمنزل والد العروس في كل موسم، بينما يقوم العريس بزيارة أسبوعياً لها ويقدّم خلالها "حلوى" أو نقوداً. ويردّ أهل العروس ضعفَيْ الكمية في كل زيارة، خلال فترة الخطبة أيضاً، وتستمر الزيارات مدة عام لابنتهم بعد زواجها، "لرفع رأسها" بين أهل زوجها. وتتولى أم العروس إرسالها إلى منزل العريس. أهالي الإسكندرية ومحافظات وجه بحري، اختصروا هذه المواسم في شراء مستلزمات المطبخ و"النيش"، أي الأدوات المنزلية من أواني الطهو (كاسات، صواني،  حلل، أطباق وغيرها). يشتري أهالي العريس هذه الهدايا ويمنحونها للعروس في المواسم، في منزل والدها، أثناء فتره الخطبة. ويكتفي أهل العريس بدعوة أهل العروس لتناول وجبه العشاء بمنزلهم، وتذهب العروس إلى منزل العريس أيضاً من حين إلى آخر لزيارتهم، وهذا عكس الصعيد تماماً ومجتمع الفلاحين، إذ تمنع من زيارة منزل العريس ومنطقته حتى يوم الزفاف.

"انفصلت: ملكش حاجة عندي"

via GIPHY

يمكنك الانفصال وقتما شئت، لكن عليك أن تخرج فارغ اليدين وبهدوء. هكذا هو الحال السائد إذا قرّر العريس إنهاء الخطبة، فتصبح "الشبكة" وجميع الهدايا والمواسم التي اشتراها من حق العروس، ولا ترد. وهذا العرف السائد في جميع أقاليم مصر. أما إذا كان الانفصال قرار العروس، فعلى والدها أن يرد كل شيء كما جاء به العريس، أو يقدره بمال ويرده له.

مواسم الزيارات، تعجيز أو مودة لأهل العروسين؟

وتعتبر الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذة علم الاجتماع بجامعه المنوفية أن: "المواسم أثناء الخطبة لا بد من وجودها، لكن لا بد أن يكون هناك رحمة من أهل العروس، فالغلو غير مطلوب والاعتدال هو الحل الأمثل للخروج من أي تعجيز". وأضافت عز الدين: "حين تصبح الخطبة حرب زيارات بين عائلتي العريس والعروس، تتحول إلى مظاهر مزيفة وتزيد من نسبة تأخر سن الزواج، لعدم قدرة الشباب على تحقيق مطالب الأهل، وهذا يعد موروثاً ثقافياً لا يمكن التخلص منه سوى بتعليم المرأة ورفع مستوى وعي المجتمع".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard