شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"المرشدية": طائفة سورية تخلو من رجال الدين والكهنوت والتبشير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 1 يوليو 201702:47 م

خلال سنوات عملي في لندن، اتسعت دائرة صداقاتي مع السوريين، من بينهم شاب ظل صديقاً لسنوات دون أن أهتم بمعرفة انتمائه الديني، حتى وجدته ذات يوم أغسطسي يحتفل بما قال لي إنه "عيد الفرح بالله"، مشيراً إلى أنه العيد الوحيد للطائفة المرشدية التي لم أكن قد سمعت بها من قبل، إذ لا تحظى هذه الطائفة الصغيرة بالاهتمام الإعلامي الذي تتمتع به الطوائف الأكبر والأكثر تأثيراً في سورية. والمرشدية مذهب ديني أخلاقي محدود بسورية، يراوح عدد أتباعها بين ثلاثمائة ألف ونصف مليون يعيشون في محافظات اللاذقية، وحمص، ومنطقة الغاب في حماة، وفي دمشق وريفها. وهناك أعداد محدودة في الخارج من السوريين المهاجرين، ومؤسسها هو سلمان المرشد، الذي يشاع أنه ادّعى الألوهية واعتقل لأجل ذلك وأعدم في نهاية 1946. ولكن جمال باروت في كتابه "شعاع قبل الفجر: مذكرات أحمد نهاد السياف" يكشف عن خلفيات سياسية لمحاكمة سلمان، ويقول إن قرار الاتهام والإعدام لم يتطرق إلى مسألة إدعاء الألوهية كما يشاع بل أعدم بتهمة قتل زوجته والتحريض على قتل آخرين في المواجهة التي حصلت مع عناصر من الدرك في قريته بنهاية عام 1946. ما هي المرشدية؟ وما هو دور سلمان المرشد وأبنائه فيها؟ وما هي المبادئ التي تقوم عليها؟ يسعى هذا الموضوع إلى الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال ثلاثة مراجع هي كتاب "شعاع قبل الفجر: مذكرات أحمد نهاد سياف" للباحث السوري جمال باروت، وكتاب "لمحات حول المرشدية" لمؤلفه نور المضيء المرشد، وهو نجل سلمان المرشد، ومقال "المرشدية دين الحرية" للباحث السوري محمد علي عبد الجليل.

ما هي المرشدية؟

وفقا لكتاب نور المضيء فإن المرشدية "دين وليست حزباً سياسياً، هي منهج أخلاقي طاهر بقصد اكتساب رحمة الله، وهي ليست نظاماً اجتماعياً معيناً، ولا برنامجاً اقتصادياً، وهذا المنهج الأخلاقي والمسلك النفسي والمنطق العقلي متأتٍ من وجدانية مقتبسة من مناجاة الله، فالمرشدية فعل مناجاة وتعظيم للارتفاع إلى الحياة، وهي تعتني بطهارة السريرة لا بقوانين الإدارة. وهي تبارك كل ما من شأنه تهيئة اكتمال الفرد، وإبراز جمال المجموع، وترفض كل ما من شأنه إعاقة كمال الفرد، وتشويه جمال المجموع، يهمنا أن يكون الفرد إنساناً عزيزاً يتمتع باستضاءة فكرية وطهارة قلبية". وفي مقاله يعرّف محمد علي عبد الجليل المرشدية بأنها منهج إصلاحي أخلاقي ديني إسلامي "الدين عند الله الإسلام، وفي كل دين نور من الله وإسلام لله، نحن نؤله لله ونحب من نريد"، وهو منهج عالمي تأسس في 12 يوليو 1923، وأعلن  بتاريخ 25 أغسطس 1951. ويقول جمال باروت في كتابه إن المرشدية ظهرت في عشيرة "بني غسان" العلوية، واستقلت دينياً عن العلويين بعد أن تحولت إلى دين ومذهب روحي يستند الى "الغيبة" ، ويؤكد أتباع هذا المذهب أن سلمان المرشد لم يدع الناس لأن يتخذوه إلهاً ولكنه إمام بشر بقيام المهدي المنتظر. 

سلمان المرشد وأبناؤه

يقول الباحث السوري جمال باروت "إنه فيما كان الإنتداب الفرنسي يسعى لزرع الجهل والفتنة والتوتر واستغلال بعض رجال الدين ومنحهم الأراضي والمكتسبات، انشق عن الطائفة العلوية شخص يسمى سلمان المرشد، الذي بعد إعدامه من قبل الحكومة نشأت طائفة المرشدية نسبة إليه". ويقدم باروت في كتابه سرداً مفصلاً حول المرشدية في سورية وحكاية سلمان مع الانتداب الفرنسي ليقلب المعلومات السائدة ويكشف أن إعدام المرشد لم يكن له أي صلة بقضية ادعاء الألوهية. وبعد إعدام سليمان المرشد في عام 1946 أصبح ابنه مجيب المرشد هو "القائم الموعود" ولكنه قتل في 27 نوفمبر عام 1952 بأمر من الرئيس السابق أديب الشيشكلي، وأصبح بعده ساجي المرشد هو الإمام إلى أن توفي عام 1998 دون أن يوصي بمن يخلفه. ووقف أتباع "المرشدية " إلى جانب الرئيس الراحل حافظ الأسد في وجه بعض محاولات التمرد عليه. وفي كتاب لمحات حول المرشدية يقول نور المضيء عن سلمان المرشد "إنه قام بحركة إصلاحية وعمره لم يتجاوز 18 سنة، ووحد عشيرته في 12 يوليو عام 1923، وحارب الفرنسيين فسجن ثلاثة أشهر تعرض خلالها للتعذيب. وعندما خرج من السجن دعا إلى المساواة والعدالة بين الطوائف والأحزاب، فقامت السلطات الفرنسية بنفيه من اللاذقية إلى الرقة مشياً على الأقدام لمدة ثلاث سنوات من 1925 وحتى 1928، ثم أعيد من المنفى ليوضع تحت الإقامة الجبرية لمدة ست سنوات، لكونه عارض بشدة البعثات التبشيرية بين المسلمين، والتي تخفي وراءها مطامع سياسية ومصالح شخصية".

ويقول نور المضيء: "نجح سلمان في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 1943، مما أدى إلى تنامي نفوذه، فقامت العائلات الإقطاعية في اللاذقية بإثارة أهل الجوبة ضد جماعته وسلحتهم وأمرتهم بإحراق بيته وحارته، لكن أنصار سلمان انتصروا على أهل الجوبة، رغم ما كانوا فيه من حصار اقتصادي وضيق مالي، واستعانت حكومة الإقطاع بقوات فرنسية ضدهم فقامت القوات الفرنسية يرافقها ضباط بريطانيون باحتلال الجوبة. أما سلمان فما إن سمع في دمشق بصعود هذه القوات الأجنبية إلى الجوبة حتى سارع إلى رئيس الجمهورية، وطلب منه رسمياً إنزال القوات من الجبل وقد تم سحبها بالفعل". وكانت التهمة التي انتهت بإعدامه هي قتل زوجته أم فاتح، وهي تهمة لا ينفيها المرشديون، إذ يورد الكتاب: "أوضح ساجي المرشد لكاتب عربي كيف ولماذا قتل سلمان زوجته هلالة أم فاتح بقوله: إن المعلومة التي تقول إن سلمان قتل زوجته أم فاتح لأنها هي التي أمرت بالكمين الذي تم وفقه القاء القبض عليه خاطئة، فأم فاتح لم تأمر بالكمين، ولكنه هو الذي قرر الاستسلام، وقتلها لكي لا تقع في أيدي رجال الدرك". عقب إعدام سلمان المرشد بفترة قصيرة، أعلن ابنه مجيب قيام دعوة المرشدية، وكان عمره 21 سنة، ويقول عنه الكتاب "مجيب قام بالدعوة لنفسه، وقد فاجأ الجميع بدعوته، وقد عارضه أخوه فاتح وجميع إخوته في بادئ الأمر، وأنا نفسي - يقصد نور المضيء - لم أبايعه إلا بعد مضي تسعة أشهر من قيام الدعوة، وقد آمنت به بعد أن سمعت ورأيت منه ما جعلني أصدق وأؤمن بدعوته، وآمن به فاتح  بعدي بشهور، ومن العائلة من لم يؤمن إلا بعد مقتله بسنين، وأهم ما أحب أن ألفت النظر إليه هو أنه لم يطلق علينا مرشديين إلا بعد دعوة مجيب، وأن كل الأحداث السياسية والصراعات الاجتماعية التي وقعت قبل دعوة مجيب لا تلقي الضوء على الحركة المرشدية". وللمرشديين عيد وحيد هو: عيد الفرح بالله الموافق في يوم إطلاق مجيب للدعوة، ويصادف الخامس والسادس والسابع والعشرين من شهر أغسطس كل عام. وبعد مقتل مجيب أصبح ساجي سلمان المرشد المرجع الأول للمرشدية، وقد توفي في أكتوبر 1998 ولم يوصِ بالإمامة لأحد من بعده، لذلك لا توجد عند المرشدية مرجعية دينية بعده، بل هناك شخص يسمى "الملقن" الذي تختاره الجماعة المرشدية في المحلة التي يعيشون فيها، والذي يقتصر عمله لمرة واحدة على تلقين طقس الصلاة لكل من يبلغ الرابعة عشرة من عمره ذكراً أو أنثى. وتعرف المرحلة من موت مجيب ومباشرة ساجي الدعوة حتى وصول حافظ الأسد للحكم عام 1970 في الأدبيات المرشدية بفترة العذاب إذ قامت الحكومات السورية المتعاقبة بمحاربة المرشديين ومطاردتهم وسجنهم إلى أن أطلق الأسد سراح ساجي المرشد وأخويه محمد الفاتح ونور المضيء من الإقامة الجبرية، واكتسبت الطائفة حرية في ممارسة طقوسها مثل بقية الطوائف. وفي مقاله، يقول الباحث محمد علي عبد الجليل إن سلمان المرشد نادى بالحرية والمساواة ورفض التبعية وحارب الإقطاع ودافع عن المستضعفين من الفلاحين. وأضاف: "نظراً لخطورة هذه الحركة التحررية والتي ترفض أي شكل من أشكال التبعية، إقطاعية كانت أم استعمارية، والتي اتسع انتشارها بين صفوف الفلاحين والفقراء والمستضعفين، عمل بعض زعماء الكتلة الوطنية من الإقطاعيين المتضررين من حركة سلمان، بمباركة فرنسية، على إعدامه”.

المرشدية دين الحرية

وحول المبادئ التي تقوم عليها "المرشدية"، كتب الباحث السوري محمد علي عبد الجليل أن المرشدية تدعو إلى التزام الأخلاق للفوز برحمة الله ورضوانه، مشيراً إلى أن "أكثر ما يميز المرشدية هو إلغاؤها للسلطة الدينية، إذ لا يوجد كهنوت ولا مشايخ ولا تبشير ولا دعوة إلى الدين، إنما يعطى الدين بناء على طلب المريد. وطهارة الضميرِ وصدق النية هما الأساس لدى المرشدية، فلا حاجة، عندئذ، إلى مؤسسة دينية أو سلطة كهنوتية لمراقبة الضمير، وطهارة السريرة مقدمة على الشريعة. فالشريعة مؤقتة تختلف باختلاف الزمان والمكان. والشريعة نصيحة لا أكثر، ولا يوجد إدارة ولا مدير للنصائح”. وأضاف قائلاً إن الحركة المرشدية تركز على الحرية الدينية الكاملة وعلى حرية المرأة بشكلٍ خاص "الفتاة المرشدية تتزوج ممن تحب"، فلا يوجد في تعاليم المرشدية أدنى معنى للإكراه، وهي تدعو للمساواة بين الرجل والمرأة، فللمرأة المرشدية الحق في التعليم الديني والدنيوي، ولها الحق في اختيار عملها وشريكها دون أي إكراه. كما أشار إلى أن المرشديين يحرمون الميتة والدم ولحم الخنزير. وقال إن الحركة المرشدية ليست مغلقة أمام أحد ولا حكراً على فئة دون أخرى، بل هي حركة عالمية مفتوحة لكل من يطلب بصدق وإخلاص، دون اللجوء إلى أساليب الدعاية والتبشير. واختتم مقاله :"لا يدين المرشديون أحداً ولا يكفرون أحداً، فالديان هو الله. كما لا يحق لأحد أن يكون وصياً على أحد. وجميع الأديان والمذاهب هي طرق مختلفة لغاية واحدة، وفي كل دينٍ حقيقة ونور وإسلام، وليس هناك من دين يحيط بالله. ولهذا يجب احترام جميعِ الأديان، وخلاصة القول هي: إن المرشدية هي الدين الذي أعاد ربط الإنسان بالدين من خلال تحريره من الدين”.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard