شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
النقشبنديّون: صوفيّون يقاتلون على مختلف الجبهات

النقشبنديّون: صوفيّون يقاتلون على مختلف الجبهات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 23 نوفمبر 201602:18 م

تستأثر السلفيّة الجهاديّة من ناحية، والتشيّع المهدويّ من ناحية أخرى، بالمتابعة الإعلامية الكبيرة والإحاطة الثقافية على هامشها، وحين يحصل أن يتطرّق أحد ما إلى التصوّف، يطرحه كما لو أنّه ماض لن يعود أو حلم منشود بإسلام روحيّ بعيد تماماً عن الحروب والفتن. ولكن التصوّف المقاتل حاضر من أفغانستان والقوقاز إلى سوريّا والعراق، وبأشكال بعضها لا يخطر على بال. عندما أخرجت القوات النظامية من مدينة الموصل في حزيران 2014، انتشر الخبر بأنّ مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يكونوا وحدهم على أرض المعركة، وأنّ لهم ندّاً فيها يدعى "جيش رجال الطريقة النقشبندية". بدا الإسم إكزوتيكياً بالنسبة للكثيرين، إذ إنّ الصورة النمطية الرائجة عن المتصوّفة منذ عقود طويلة صارت تستصعب ربطهم بألفاظ عسكرية. تساءل البعض من أين نبت هؤلاء، واكتفى البعض الآخر بوصفهم بأنّهم جماعة يحرّكها نائب الرئيس في المرحلة البعثية عزت ابراهيم الدوري منذ اسقاط نظام صدام. تبيّن لاحقاً أن تنظيم "الدولة الإسلامية" استأثر بالموصل، وأنّ الجماعة النقشبندية المسلّحة لم تمحَ كلياً بعد اصطدامها معه، وان تضعضعت، ليعود اسمها ويطرح اليوم مجدّداً، كواحدة من القوى التي يمكنها أن تملأ الفراغ الذي سيحصل مع انسحاب "داعش" من الموصل ومناطق عراقية أخرى.

صراع نقشبندي - نقشبندي في تركيا

عندما وقعت المحاولة الإنقلابية في تركيا وفشلت ذات ليلة جمعة من تموز الماضي، سارع رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لاتهام الداعية فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا الأميركية بأنّه وراء المكيدة. يقود غولن حركة "خدمة" التي تنشط في مجال الإحياء الدينيّ والمجاهدة الروحية والعمل الاجتماعي، فيما تعتبر حكومة أردوغان كل ذلك للتغطية على مآرب هذه الحركة ومراميها. حركة "خدمة" هذه هي من متفرعات جماعة "طريق النور" التي أسسها منذ عشرينيات القرن الماضي الشيخ الكردي بديع الزمان سعيد النورسي، والنورسي من مشايخ النقشبندية، وأيضاً غولن. وكذلك في المقابل أخصام غولن في حزب أردوغان، وأردوغان نفسه. الطريف هنا أنّ كل طرف أخذ يدافع عن جريرة العلمانية الجمهورية في وجه الآخر، ونحي جانباً المشترك النقشبندي بعض الشيء.

"طالبان" حركة صوفية أيضاً!

تستأثر المسائل والجوانب المتعلّقة بالسلفية والشيعية على ما عداها عند مواكبة تتالي الأحداث في الشرق الأوسط، إعلامياً وثقافياً، وعندما يجري التطرّق إلى التصوّف فمن باب استذكار بيت شعر من "المثنوي" لمولانا جلال الدين الرومي من هنا، وقول ملغز لمحيي الدين ابن عربي من هناك، أو استحضار صور شهداء الصوفية، كالحلاج والسهروردي. هذا في وقت لا تكاد الطريقة الصوفية النقشبندية تجد منفذها إلى مركز الأحداث، تقريباً في كل بلد من بلدان الشرق الأوسط وجنوب آسيا، مع مفارقات لا تنتهي، وأفكار شائعة مغلوطة من الأفضل تبديدها.

هناك جنوح للتعاطي مع حركة "طالبان" كما لو كانت حركة سلفية أو وهابية، في حين أنّ معظم أقطاب هذه الحركة يجمعون بين الفقه الحنفي وبين التصوّف النقشبندي، الذي كان يزاوله على سبيل المثال لا الحصر، الملا عمر. أوت حركة “طالبان" السلفيين الجهاديين من "تنظيم القاعدة”، في حين شارك "جيش الطريقة النقشبندية" مع "داعش" في الاستيلاء على الموصل، قبل أن يصطدم الطرفان أحدهما بالآخر في اليوم التالي. ويعدّ النقشبنديون أشدّ من قاتل الروس في الشيشان وداغستان، في حين يوالي نقشبنديون آخرون سياسة موسكو. هذه الأمثلة غيض من فيض يظهر كم أنّ التصوّف النقشبندي، التصوّف الحريص على الجمع بين مكاشفات الصوفية وزيارة قبور الأولياء والصالحين وبين تطبيق الشريعة بشكل متشدّد، مؤثّر في الكثير من الجماعات التي تتخذ لها في السياسة واصطفافات مجتمعاتها، مواقع مختلفة.

نقشبنديو النظام ونقشبنديو الإخوان

النقشبندي يمكنه أن يكون أردوغانيّاً أو غولينياً في تركيا، ويمكنه أن يؤوي السلفيين الجهاديين في أفغانستان وباكستان، ويتقاطع ثم يتصادم معهم في العراق. لكنّ الحالة السوريّة هي المفارقة القصوى: في سوريا، اعتمد النظام البعثي مطوّلاً على قسم من الجماعة النقشبندية، من خلال "الطريقة النقشبندية الخالدية الكفتارية"، التي كان مفتي الجمهورية الشيخ أحمد كفتارو (المتوفي سنة 2004) وارث زعامتها. في المقابل، شكّلت النقشبندية الخالدية في الشمال السوريّ ملجأ حركة الإخوان المسلمين، وشتّى النزعات التمرّدية السنّية ضدّ الحكم البعثي، قبل أن يبزغ نجم "السلفية الجهادية". قسم كبير من كوادر وقيادات الإخوان المسلمين السوريين تكوّن في مدارس وحلقات النقشبنديين وتشرّب تعاليمهم وروحيّتهم.

روّاد الإحياء الدينيّ

والنقشبندية بفروعها الثلاثة، "المجددية" التي انتشرت في جنوب آسيان و"الخالدية" التي انتشرت في الشرق الأوسط، و"الحقانية" في القوقاز، تشكّل واحدة من أوسع شبكات الطرق الصوفية في العالم، على رغم هذه المواقع الحربية والسياسية المختلفة، والمظاهر المتباينة بين مريديها. هي ضمّت تاريخياً روّاداً أساسيين في الإحياء الدينيّ مثل أحمد السرهندي وشاه ولي الله الدهلوي في الهند، ومحمد رشيد رضا في المشرق العربي، وبديع الزمان النورسي في تركيا. نقضها لكل ما اعتبر تجاوزاً لحد الشريعة في التصوّف، وتخفّفها من كل ما يجنح باتجاه "وحدة الوجود"، أي بكل ما من شأنه محو الحد الفاصل بين الذات الإلهية وبين المخلوقات، واكتفائها بـ"وحدة الشهود" التي تضمن الحد الفاصل بين العبد والمعبود، جعلها توجد الصيغة الأكثر رواجاً للجمع بين الإسلام السنّي وبين الإسلام الصوفيّ. ورفع من منسوب "سنيتها" أنّ الطريقة النقشبندية ترجع أصل سلسلتها إلى الخليفة الراشديّ الأوّل، أبي بكر الصدّيق. ليس هناك وصفة توجيهية نقشبندية واحدة في عالم السياسة، ولا بالنسبة إلى دخول المنتمين إلى هذه الطريقة في التركيبات الوطنية الكيانية القائمة بعد أفول عصر الامبراطوريات العثمانية في الشرق الأوسط، والمغولية في الهند. حالة أبو الحسن الندوي في الهند مثلاً فريدة. لم يهاجر الى باكستان بعد الانفصال كما فعل أبو الأعلى المودودي، واعتبر أن واجبه يقوم على مواصلة الإحياء الديني داخل الهند، وبين مسلميها، وواءم بين دعوته التي تحرص على ربط المسلمين بالشريعة، وبين تقبّل الطبيعة العلمانية للدولة الهندية. في الوقت نفسه ندّد الندوي بالغاء الخلافة في تركيا، وبالعلمانية الأتاتوركية، وأقام علاقات وثيقة مع الدولة السعودية. أما في تركيا، فيمكن أن ترتبط النقشبندية مع خصوصية قومية تركية، كما في حال الشيخ النورسي، أو مع انتماء قومي تركي كما في حالة كل من "العدالة والتنمية" وحركة "خدمة" اللدودتين.

"العروبة" النقشبندية

في المقابل، وبما أنّ قسماً كبيراً من مؤسسي "جيش رجال الطريقة النقشبندية" في العراق قدموا إليه من حزب البعث وضباط الحرس الجمهوري والجيش، نجده يعلي من شأن رابطة العروبة ويعطيها هالة دينية قدسية. من مبادىء "جيش الطريقة" أن "كل مسلم عربي" و”أن من تكلم بالعربية عربي لأن العربية لسان وليست نسباً” و"أن العرب أكفأ من غيرهم وشفاعة الرسول لهم قبل سواهم يوم القيامة"، ولا تجوز الصلاة إلا بالعربية. يستعيد "جيش الطريقة" من حركة القومية العربية محورية العامل اللغوي في تعريف القومية، لكنه يجعلها ركناً من أركان الدين، فيدعو مثلاً الى "اعتماد اللغة العربية في العراق لأنه بلد إسلامي" (وليس لأنه بلد عربي).


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard