شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
فريال كريم... أفرحت قلوب الناس وقلبها عليلُ

فريال كريم... أفرحت قلوب الناس وقلبها عليلُ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 26 يونيو 201702:44 م

اسمها فيرا بشارة سمعان، الصغيرة بين أشقائها الاثنين وشقيقاتها الخمس. ولدت الأحد في 5 أبريل من العام 1938 في بيروت. كان والدها بشارة سمعان موظفاً في البريد ووالدتها ماري سيدة منزل. في كتاب بعنوان "ذكريات مع فريال كريم" تجمع سوزان عبده معماري العديد من المقابلات التي أجريت مع كريم ونشرت في الثمانينيات، إضافة إلى شهادات من أصدقاء مقربين منها، ومن ابنتها الممثلة منى كريم.

تخبرنا الكاتبة أنها قررت أن تنشر هذا الكتاب لأنها تحب الفنانة "فريال كريم" ولأنها كانت تحتفظ بالعديد من المقابلات لها، إضافة إلى مجموعة من الصور. تروي الكاتبة أخباراً عن فريال سمعتها من فنانين وصحافيين وكتاب عاصروها، وعملوا معها، منهم الكاتبة جنفياف عطاالله والصحافي مرعي عبدالله وغيرهم. تخبرنا كيف قررت فريال كريم أن تظهر على جمهورها في أحد عروض مسرحية "وادي شمسين" وهي تلف حولها شرائط شجرة الميلاد، لأن العرض صادف ليلة الميلاد، وكيف كانت محبةً لأسرتها ولبيتها الذي كان المكان الأحب إلى قلبها.

"لا أطيق نفسي حزينة حتى في التمثيل"

كانت النكتة لا تفارقها، ولا تمانع أن تبدأ بالـ"تنكيت" على نفسها أولاً، كأن تسخر من معرفتها باللغة الفرنسية، في حوار نشر في العام 1985. "إن الفرنسية لغة عويصة بالنسبة إلي، ففي "وادي شمسين" أتكلم عدة عبارات بالفرنسية، وقد لاحظت أن هناك عدداً لا بأس به من الطلاب الذين يداومون على الحضور كل نهار أحد، وذلك بغية الاستفادة من فرنسيتي على المسرح، ومنهم من عرض علي تقويته بدروس خصوصية أيضاً". وعندما تسألها الصحفية ريما صيرفي هل وافقت، تجيب فريال كريم: "لا، فإن بعض الأساتذة احتجوا على ذلك، وزعموا أن آخر درس أعطيته لفوج الطلاب، أدى إلى رسوبهم تحت الصفر بكثير".

في مسلسل الدنيا هيك

كانت كريم قادرة على تحويل أي مصيبة أو مشكلة تواجهها إلى فرح على المسرح. في أحد الأيام، قُصف منزلها في منطقة الدكوانة وأتت النيران على معظم محتوياته. كانت تعمل حينها في مسرح الموسيقار فريد الأطرش، وكانت حزينةً جداً ولكنها عندما صعدت قدمت أفضل ما عندها. قال لها الموسيقار الراحل بعد العرض "يا سلام النهاردة رايقة معاك آخر حلاوة"، فأخبرته أنها حزينة جداً على ما حصل لمنزلها، فنادى الأطرش على الزملاء وقال لهم: "كل يوم قبل أن تصعد فريال إلى المسرح زعلوها قد ما تقدروا".

 طفولة لا ينقصها إلا العلم

كانت فريال كريم ضحكة البيت و"دلوعته"، وطلباتها أوامر. تقول في مقابلة نُشرت في مجلة "الحسناء" في العام 1988: "كنت غنوجة العيلة، وكلمتي مسموعة لدى الجميع كباراً وصغاراً، كنت سعيدة بهذا الموقع في قلوبهم معتقدة بأنني مهمة إلى درجة تفوق الوصف". وتضيف أن المفاجأة حدثت عندما كبرت وفهمت أن سبب غنجها كان إصابتها بالروماتيزم، وأن الطبيب أوصى أفراد العائلة بمراعاتها قدر الإمكان. وفي المقابلة ذاتها تصف فريال كريم طفولتها بأنها تشبه "الأكروبات"، مليئة بالألعاب الصبيانية ككرة القدم والمزلاج والدراجة وغيرها من الألعاب التي لم تكن مألوفة للفتيات حينها. في المقابل، كانت تشعر أن زواجها المبكر سلبها قسماً كبيراً من طفولتها، رغم أنّ تلك الطفولة كانت حلوة وطبيعية وغنية بالمواقف والذكريات، ولو تسنى لها أن تعيشها مرة أخرى لما ترددت، مع إضافة مهمة هذه المرة، وهو حرصها على التحصيل العلمي، إذ قالت في مقابلتها "العلم فقط كان ينقص طفولتي". 

"معجزة المسرح" في مصر

كان والد فريال كريم يرى في ابنته الكبرى إيزابيل موهبة غنائية، فذهب إلى القاهرة بنصيحة من الفنانة الراحلة نور الهدى ابنة خالة فريال كريم، وأخذ معه الصغيرة فيرا (فريال كريم) وكانت في السابعة من عمرها. وهناك صعدت فيرا إلى المسرح لأول مرة، وقدمت وصلة مونولوغ لثريا حلمي (إحنا هنا يا إكسيلانس)، فأعجب بها الجمهور طالباً إعادة الوصلة. حينها، صفق لها الجمهور وحملها على الأكتاف مطلقاً عليها لقب "معجزة المسرح"، وكان بين الحضور المخرج إبراهيم عواضة الذي شجع والد فريال كريم على متابعة مشوار ابنته. وفي هذه الفترة ومن مصر، كان أول ظهور سينمائي للطفلة فيرا في فيلم "سكة السلامة" للمخرج إبراهيم لاما، الذي أعجب بموهبتها.
كانت مشهورة بالنسيان والخوف من ركوب الطائرة ومن الظلام، وكانت تبكي عند مشاهدة أفلام الرعب... تفاصيل من حياة الفنانة فريال كريم
كانت فريال كريم قادرة على تحويل أي مصيبة إلى فرح على المسرح، حتى قال فريد الأطرش "كل يوم قبل أن تصعد إلى المسرح زعلوها قد ما تقدروا"

بعد مصر... سوريا ولبنان

بعد مصر حيث عملت فيرا في مسرح بديعة مصابني، كانت لها محطة فنية في سوريا حيث التقت المطرب محمد كريم والذي أصبح زوجها فيما بعد. وفي سوريا عاشت 7 سنوات، ولم يقتصر عملها هناك على الغناء، وتقديم المونولوغ، إذ اتجهت نحو التمثيل المسرحي. وكان أول أعمالها المسرحية السورية "مرتي قمر اصطناعي"، و"بيت للإيجار"، و"طاسة الرعبة"، و"الطبيب رغم عنه".

مع زوجها محمد كريم

حققت فريال كريم نجاحاً كبيراً في سوريا، كان سببه، وبحسب ما ذكرت مجلة "فن" في العام 1988، "الكوميديا باللهجة المحلية جميلة". وعندما عادت إلى لبنان تعرفت من خلال أختها إيزابيل التي كانت تعمل في الإذاعة، على الفنان محمد شامل ليتشاركا معاً مشواراً فنياً طويلاً، بدأ مع "يا مدير" في الإذاعة، وانتهى مع "الدنيا هيك" و"ابراهيم أفندي" على التلفزيون، من دون أن ننسى "حكمت المحكمة"، و"أم خبار"، و"أنا وحماتي"، و"صبر أيوب"، و"بيروت الليل"، وبرامج أبو سليم. إضافة إلى التلفزيون والإذاعة، عملت فريال كريم مع شوشو في مسرحياته لثلاث سنوات، وشكلا معاً ثنائياً كوميدياً، كما عملت في المسرح مع صباح.

مع فيلمون وهبي


 كانت فريال كريم تكره الإلتزام بالنص المكتوب، وكانت تنتقد من زملائها بسبب الارتجال الذي كان لا إرادياً، وغالباً ما كان يطلب منها المخرج تكرار العبارات الارتجالية وتكريسها في العروض المقبلة. قدمت فريال كريم العديد من الأغاني، واحتلت صدارة بورصة الأغاني حينها. تعاونت من الموسيقار إلياس الرحباني في "كاسيت" كامل حمل توقيعه، ونذكر من أغنياتها "جارنا الشاويش"، "من غير هواك"، "عم بيزعلني للو"، و"برات البيت عاملي عنتر".

ومهما تعددت مواهب فريال كريم تبقى شهرتها الأوسع كمقلدة و"مونولوجيست"، إذ قلدت كبار الفنانين، وابتعدت عن تقليد السياسيين، وكانت دائماً تلقى معاتبة من الفنانات والفنانين إذا لم تقلدهم. وشاركت فريال كريم في عدد من الأعمال السينمائية نذكر منها فيلم "عتاب" مع المطربة سميرة توفيق، و"فندق الأحلام" مع الفنان السوري دريد لحام، و"كرم الهوى" مع صباح.

تزوجت "خطيفة" وأحفادها هم مصدر سعادتها

تزوجت فريال كريم عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها "خطيفة" لأن عائلتها لم توافق على زواجها من الفنان محمد كريم. وفي حوار نشر في مجلة "الألوان" العام 1987 أجرته طالبات مع فريال كريم، تقول عن زواجها: "كنت في الرابعة عشرة من عمري، والدتي كانت متعصبة جداً وكذلك خالتي ومعظم أفراد العائلة، وما أن عرفوا أنني سأتزوج من محمد كريم حتى ثاروا ورفضوا الأمر رفضاً قاطعاً، مما اضطرني للزواج على طريقة "الخطيفة"، ولكن بعد المصالحة صار زوجي أحب الأصهرة إليهم، بعدما تعرفوا عليه". "الست زمرد" القوية و"أم خبار" الثرثارة لا تشبهان فريال كريم الزوجة والأم ولاحقاً الجدة، وهي التي كانت تردد دائماً أن أعز أمنياتها تحققت بزواج ولديها، لأنها أصبحت جدة لأربعة أحفاد، كانوا مبعث سعادتها وفرحتها الدائمين. كانت تحب المنزل والجلوس مع عائلتها، كما كانت تحب تحضير الطعام والطبخ ولا سيما الملوخية، أكلتها المفضلة. وفي مقابلة بعنوان "حديث الأبراج مع فريال كريم" نُشرت في مجلة "ألوان"، تقول إنها تعتمد على نفسها، وتكون سعيدة إذا طلبت المساعدة من زوجها لأنها تشعر بأنها لا تزال طفلة وتحتاج إلى رعاية. ويقال إنها كانت تحلف بحياة "أبو سمير" زوجها الذي كان معها نجم الظل، وكانت له الكلمة الفصل في أي عرض أو مشروع يتعلق بها. كانت تحبه كثيراً وبقيت معه حتى اللحظة الأخيرة حين سقطت على خشبة "المونت كارلو" وركض "أبو سمير" إلى الخشبة وحملها واحتضنها للمرة الأخيرة، ولكنها كانت قد فارقت الحياة.

تحب لعب الطاولة وتبكيها أفلام الرعب

يذكر مقال منشور في مجلة "الحسناء" في العام 1985 أن فريال كريم كانت مشهورة بالنسيان والخوف من ركوب الطائرة ومن الظلام. ولعل أبرز ما كان يثير تعجب من حولها هو بكاء فريال كريم عند مشاهدة أفلام الرعب، وهي التي قالت معلقة على الأمر، إنه على الرغم من أنها ممثلة وتعرف بـ"فقشات" الإخراج، ترتعب أمام مشهد مخيف، وتعيش الفيلم من أوله إلى آخره، وتذرف الدموع حتى يبدأ زوجها بتهدئتها وإقناعها أن ما تشاهده هو تمثيل! وفي سؤال لها عن الشجاعة تجيب "في الحرب لا، ووقت القذائف لا أيضاً، أخاف أن أجرح أحداً، فكيف أدّعي الشجاعة". كانت تحب سماع أغنيات وديع الصافي وفيروز ووردة، أما أغنيتها المفضلة فكانت "إسوارة العروس" لفيروز. وكانت تحب لعب الطاولة، وتغضب وتحزن عندما يغلبها أحدهم. كما كانت تعشق الأناقة وعند سؤالها عن أي مهنة كانت ستمارس غير الفن، تقول في إحدى مقابلاتها: "كنت عملت في الإخراج والتأليف والإذاعة، وربما كنت عارضة أزياء فأنا أهوى ذلك كثيراً". 

أفرحت الناس حتى اللحظة الأخيرة

كانت تعتبر أن واجبها زرع البهجة في نفوس الناس، حتى في أصعب الظروف، ولم تتخل عن واجبها حتى الرمق الأخير. قبل وفاتها بأسابيع دخلت مستشفى الجامعة الأميركية لإجراء "تمييل" في الشرايين، وأقامت هناك أياماً من دون أن تقرر إن كانت ستجري عملية قلب مفتوح. سقطت في 4 تموز من العام 1988 "فنانة الفرح" بينما كانت تغني "جارنا الشاويش" والناس يرقصون أمامها، فجأة توقفت عن الغناء وارتمت بين الراقصين إثر ذبحة قلبية أصابتها على الخشبة، لترحل عن 50 عاماً، ملأتها فرحاً وغناءً.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard