شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
طبلية الفقير وسفرة الأغنياء: الطبقية في برامج الطهو

طبلية الفقير وسفرة الأغنياء: الطبقية في برامج الطهو

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 15 يونيو 201603:07 م
"طبلية، وقلة، ولقمة هنية" ثلاث كلمات شكّلت وصفة المصريين في الماضي، سواء في شهر رمضان أو في غيره من الأشهر. ولم تكن سفرة الغني تختلف كثيراً عن سفرة الفقير، فالأصناف واحدة، وإن اختلفت مكوناتها. ولكن مع الانفتاح على العالم، انتشرت الفضائيات التي أصبحت نافذة تطل منها السيدة المصرية على أكلات مختلفة. فصارت قنوات الطهو تصيب المشاهد بالتخمة من كثرة المعروض عليها من برامج، وليس من أكلاتها فقط. ووسط كل هذا المشهد، يبرز سؤالان: هل تقدم قنوات الطهو برامج تخاطب كل فئات المجتمع دون العبث بنفسية المواطن، حتى وإن قدمت برامج تزعم أنها "شعبية"؟ وهل هناك تمييز طبقي في عرض برامج الطهو؟

الوجه الطبقي لبرامج الطهو

انتشرت على الفضائيات قنوات متخصصة في تقديم وصفات الطهو المختلفة. عليها تجد الحلويات، شرقية أو غربية، ومأكولات بعضها لم يسمع به أحد من قبل. وكلها وصفات لولائم صنعت خصيصاً من أجل المشاهد، بحسب البرامج. وعلى تلك القنوات ستجد برامج يحبّها المشاهد، وهي ما صنعت نجومية مقدميها ليصيروا "ولا نجوم السيما"، كما يُقال. وأكثرهم أصبحوا واجهات دعائية لمنتجات كثيرة. الوجه الآخر لما يحدث هو أن هنالك نوعاً من التمييز الطبقي في هذه البرامج. فكثير منها يخاطب طبقات أرستقراطية، كونه يقدّم وصفات تحتوي على مكونات لا يستطيع المواطن العادي شراءها مع الارتفاع الجنوني في الأسعار الذي تشهده مصر. تقول سارة نبيه، ربة منزل، إنها نفسياً لا تستطيع مشاهدة برامج الطهو، لأنها تشعرها بالعجز عن تنفيذ تلك الوصفات لأبنائها، ومن ثم فهي تكتفي بمتابعة بعض الوصفات التي تستطيع شراء مكوناتها حتى تستطيع تنفيذها مستقبلاً إذا أحبها أبناؤها. وترى الإعلامية شيري أشرف أن "معظم برامج الطهو لا تراعي الغلابة، حتى وإن كانت في الظاهر مقدمة لطبقات شعبية، كما يزعمون، فحتى التوابل التي يضعونها على أطعمتهم أغلى من المكونات الأساسية نفسها. مثلاً أحد الطهاة يقول "انقعي الفراخ في عصير أناناس"، هل يقوم المشاهد العادي بذلك؟ الإجابة هي بالقطع لا". وتوافقها الرأي ربّة المنزل علا أمين التي تتساءل كيف تقوم بتنفيذ مثل هذه الوصفات أو غيرها في وقت أصبح ثمن كيلو الليمون الواحد 40 جنيهاً، وثمن كيلو الدجاج 30 جنيهاً، واللحوم تخطى سعر الكيلو الواحد منها الـ100 جنيه. وتقول متحسرة: "أصبحت هياكل الدجاج هي البروتين الوحيد للفقير، وإن كان سعرها قد زاد أيضاً كغيرها من السلع التي زادت أسعارها بشكل خرافي". وأكدت ربّة المنزل إلهام حسن أنها تكتفي بالمشاهدة من باب الفضول، لأن الطهاة يقدمون أكلات تعجز عن تنفيذها. أما المخرجة التلفزيونية جينا وجيه، فترى أن معظم تلك البرامج أثبتت فشلها، لأنها لا تستطيع الوصول للمواطن العادي، وموجهة لمواطن بعينه، وبذلك تحولت إلى برامج استثمارية أكثر منها خدمية. ومحاولة منها لجذب الجمهور مرة أخرى، صارت تقوم بعرض أسئلة وجوائز حتى تجذب أكبر قدر من المشاهدين، وبالتالي تعلن لمنتجات تدر أرباحاً على القناة".

سنطبخ كالشيف مهما كلّفنا ذلك

وهنالك ربّات منازل يواظبن على تنفيذ الوصفات التي يقدمها الطهاة في برامج الطهو. وتقول السيّدة لمياء محمود إنها مهووسة ببرنامج "حلو وحادق" الذي تعرضه قناة "سي بي سي سفرة"، وأنها تشتري مكونات الوصفة التي تقدمها الشيف سالي فؤاد مهما كان ثمنها. أما إيناس علي، ربة منزل، فترى أنها تتابع شيفات معينين، ولا تكتفي بمتابعتهم وتنفيذ أكلاتهم فقط على شاشة التلفزيون، ولكنها تتابعهم أيضاً على وسائل التواصل الاجتماعي لتستطيع معرفة أخبارهم والحديث معهم. وتقول المدرّسة نورا بهاء إن صديقاتها يتهمنها بالجنون لأنها تنفق كل مرتبها على شراء المكونات الخاصة بوصفات شيفاتها المفضليين، وتضيف أنها لا تجد أيّة غضاضة في ذلك. أما ريهام أشرف، فتؤكد أنها لا ترى مشكلة في وجود برامج مقدمة لطبقات معينة، لأن ذلك قد يمنع الإحساس بالعجز لدى المشاهد الذي لا يستطيع تنفيذ ما يقدم في تلك البرامج، فهو يعرف مسبقاً أنها ليست مقدمة له، وبالتالي يمكنه بكل سهولة ألا يشاهدها، وحتى إن شاهدها من باب الفضول فيمكنه أن ينفذ ما يتناسب مع إمكاناته.

حشو للحلقة لجذب الإعلانات

في مصر أكثر من 70 برنامجاً للطهو، بالإضافة إلى فضائيتين متخصصتين في الأكل، تقدم كل ألوان الطعام. وقالت الشيف رانيا قاسم، مقدمة برنامج أكلات وذكريات على قناة "CHEF T.V": "مش كل مين طش الملوخية بقى شيف". ورأت أن برامج الطهو أصبحت لكل "مَن هب ودب". وأضافت أن "معظم الشيفات الموجودين حالياً على شاشات الفضائيات يقدمون وصفات هي مجرد حشو للحلقة لخدمة الراعي الإعلاني للبرنامج على حساب احترام المشاهد البسيط الذي يتأثر بارتفاع الأسعار. وكل البرامج المعروضة تحكمها المصالح والعلاقات، وتتجاهل تقديم وجبات يستطيع المواطن ذو الدخل المتوسط تنفيذها، وهذا ما كنت أحاول تحقيقه في برنامجي". وتوافقها الرأي نيفين عباس، مقدمة برنامج "مطبخ نيفين" على قناة نيودريم الفضائية. وترى أن المادة الإعلانية يمكن أن تتحكم بشكل كبير في ما يقدمه الشيف، لأن المنتَج المعلن عنه قد يكون موجهاً لطبقة بعينها دون أخرى، وبالتالي لا بد من تقديم وصفات تجذب المشاهد الذي يستطيع شراء هذا المنتج. وتؤكد هالة فهمي، مقدمة برنامج "البلدي يوكل" على قناة بانوراما فودز، أنها تحاول تقديم المطبخ المصري الأصيل في برنامجها بأقل الإمكانات التي يستطيع أي مواطن عادي تنفيذها. وهي لا تمانع في وجود برامج مقدمة لفئات عليا، لأنه في النهاية لكل برنامج فكرة يدور حولها. أما رحاب حمودة، مقدمة برنامج "سر الطبخة" على قناة العاصمة، فترى أن الشيف الناجح هو مَن يستطيع إرضاء كافة أطياف المجتمع مع اقتراحه بدائل في حالة ارتفاع سعر بعض المكوّنات، وهو مَن لا يحصر نفسه في إطار واحد. وبرأيها، لكي يتم ذلك، لا بد أن يكون الطهو دراسة وليس موهبة.

ماذا يفعل المواطن العادي؟

عن هذا الواقع، أكّد الدكتور عطية عبد الرحمن، أستاذ الاقتصاد المنزلي في جامعة حلوان المصرية، أن الأطعمة التي تعرضها برامج الطهو على القنوات الفضائية المختلفة تكلفتها عالية وخاماتها غالية الثمن، وهو ما يؤثر سلباً على الميزانية الخاصة بالأسرة المصرية، خاصة في شهر رمضان. وشدد عبد الرحمن على ضرورة رجوع الأسرة المصرية إلى الطهو التقليدي والعادي الذي يتمتع بالقيمة الغذائية الكبيرة، وانخفاض القيمة الشرائية، وعدم الاعتماد على برامج الطهو التي تصف وجبات عالية التكلفة. وهذه النصيحة هي التي تتبعها معظم الأسر المصرية، لأن لا سبيل آخر أمامها. فالمواطن العادي لا يستطع تنفيذ وصفات برامج الطهو ولا حلّ أمامه إلا تكرار الوصفات التقليدية للمأكولات الشعبية. ولكن، في بعض الأزقة المصرية، تظهر منذ فترة ظاهرة بيع فضلات أطعمة الفنادق التي يطبخها طهاتها. إذ تُباع الأطعمة الفاخرة المخلوط بعضها ببعض على الرصيف، وهي في الأصل بقايا وجبات يشتريها الفقراء ليجربوا أكل الشيفات، ويقنعون أنفسهم بأنها "حاجة نظيفة" و"أصلها غالية ومتعوب فيها. وكل الحكاية أنها بايتة".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard