شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
زيجات وهمية في سوريا تفادياً للغرق

زيجات وهمية في سوريا تفادياً للغرق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 24 يونيو 201612:13 ص

يعتبر الكثيرون أن موجة اللجوء والهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية، ليست إلا نتيجة طبيعية لعدم التوازن الاقتصادي بين الدول الغربية الثرية ودول العالم الثالث. وقد أثبتت الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا حتى الآن أنها تدفق لا سبيل لإيقافه كما لو كان مدفوعاً بالطبيعة، وأن اللاجئين يستطيعون دائماً إيجاد قنواتٍ خلفية تلتف على القوانين والحدود الساعية للحد من أعدادهم. وإن كانت هذه القنوات جغرافية في معظم الحالات، فإنها أحياناً أخرى قانونية، يسهل المرور منها ببعض المرونة في الموقف من الزواج.

زواج وهمي

هناك بضعة أساليب يتبعها السوريون للاستفادة من إجراءات لمّ شمل الأسر، على رأسها الزواج الوهمي، أو بكل بساطة عقد قران شاب وفتاة لا تجمعهما بالضرورة علاقة زواج أو حب. مازن (31 سنة) خاض الرحلة الطويلة من حلب إلى ألمانيا للحصول على اللجوء، وهو ينتظر في الأسابيع القليلة المقبلة وصول "زوجته" المقيمة في مدينة حلب، إلى مدينة فرانكفورت الألمانية حيث يقيم. وبعد أن تأكد من إخفاء هويته، أخبرنا بأنها ليست زوجته بالفعل. يقول: "هي ابنة عمي، وقد عقدنا قراننا قبل سفري لنسهل عليها مهمة الدخول، ونوفر عليها مخاطر الرحلة، لكنه ليس زواجاً حقيقياً".

غالباً ما تكون الزوجة في عقد القران الوهمي المخصص لتسهيل السفر من خارج العائلة، ويكون الاتفاق تجارياً، تدفع فيه المرأة تكاليف السفر مقابل عقد قرانٍ وهمي يمكنه من استحضارها، وأحياناً يزيد المقابل المادي أضعاف تكاليف السفر. مازن الذي غادر البلاد في مايو 2015، حصل على عرض، وجد صعوبة في رفضه قبل سفره. يضيف: "تعهد عمي أن يدفع تكاليف رحلتي مقابل أن أعقد قراني على ابنته وأحضرها إلى ألمانيا". تزوجا بعد قبول مازن العرض، في المحكمة من دون أي مظاهر فرح أو احتفال، كما لم يقيما في المنزل نفسه. "لا أجد مشكلة في الأمر، كنت سأسافر بكل الأحوال، وبغض النظر عن تكاليف الرحلة، ليس أمراً سيئاً أن أوفر على قريبتي مخاطر الرحلة"، يتابع مازن، "سنطلق بالطبع، فور وصولها والتأكد من عدم إمكانية ترحيلها. الشأن الوحيد الذي يقلقني هو أن يؤثر الأمر على حياتي الزوجية حين أعقد قراناً حقيقياً".

موعد وهمي

أسلوب آخر يستغل اللاجئون عبره القدرة على جلب الزوجة، لكنه لا يقوم على تسهيل رحلة شخص ينوي الوصول إلى أوروبا، إنما تفادي تبعات تغيير في الحياة الشخصية، كالطلاق، على إجراءات لمّ الشمل. محمد (29 عاماً) الذي دخل هولندا منذ عام ونصف العام، كان قد غادر الأراضي التركية متزوجاً من هي الآن زوجته السابقة. لكنه يؤكد أن الواقع حين سافر يعاكس ذلك، "كنتُ قد رميتُ عليها يمين الطلاق قبل سفري بشهرين، بسبب خلافات خاصة بدأت قبل مغادرتنا سوريا عام 2012"، يقول.

محمد وزوجته اتفقا على ألا يجعلا الطلاق رسمياً إلى حين لحاقها به إلى هولندا، ويؤكد أنه لم يعترض على الأمر وأصر على عدم تركها خلفه. ويضيف: "كنا قد خططنا للأمر قبل أن نقرر الانفصال، والتزمنا بالمخطط"، ويشير إلى أن حالات الطلاق فور وصول الزوجة لم تعد شيئاً نادر الحدوث، وما يعزيه أن حالته لم تتضمن خداعاً، "زوجة صديقي طلبت الطلاق فور وصولهما، ويشك الآن في أنها كانت تخونه طوال فترة انتظارها لم الشمل، زوجتي لم تكذب وتبقى معي في سبيل الوصول إلى ألمانيا على الأقل"، يختم محمد.

حمل وهمي

في المقابل، داخل الحدود السورية، وبدلاً من تأجيل موعد الطلاق، يعمل آخرون على تبكير موعد الزواج. إذ تشترط القوانين الأوربية للم شمل اللاجئين بأزواجهم، أن يسبق عقد الزواج دخول اللاجئ إلى الأراضي الأوروبية، الأمر الذي يشكل صعوبة بالنسبة إلى الذين يقررون الزواج بعد سفر الشاب أو الفتاة، أو عجزهم عن ذلك قبل السفر.

تستغرق رحلة ليلى (26 عاماً) إلى أوروبا عبوراً غير شرعي من الحدود السورية التركية، كحال معظم الفلسطينيين السوريين الذين لا تسمح لهم جميع دول الجوار بدخول أراضيها، لذلك تعمل الآن على تسريع تسجيل زواجها من ابن عمها الموجود في ألمانيا. تقول ليلى: "ما يقوم به المحامي هو ادعاء وجود زواجٍ عرفي قبل سفره، والمطالبة بتسجيله بتاريخ قديم بسبب وجود حمل"، بالطبع ليلى ليست حاملاً، لكنها مضطرة لادعاء ذلك أمام القضاء، لتسهيل إجراءات تسجيل الزواج. تضيف: "القاضي يعرف بالطبع أن ليس هناك حمل وأن الجميع يستخدم الحيلة عينها، حتى إن أهلي لم يزعجهم أن تدعي ابنتهم العزباء الحمل".

تخلى السوريون في خضم الحرب التي تشهدها بلادهم منذ سنوات عن الكثير من ملامح أسلوب حياتهم، وإن كان التلاعب بالزواج واستغلاله كأي ورقة رسمية تخلياً عن حدثٍ يحصل مرة واحد في حياة الفرد، فإن تنازلات أخرى امتدت إلى التفاصيل الأكثر يومية في حياتهم، جاعلة من السهل ربما التخلي عن الطقوس الكبرى كالزواج مقابل تحسين الطقوس الصغرى، كالأمان والطعام والملبس.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard