شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
القيادة: للرجال فقط؟

القيادة: للرجال فقط؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 23 يونيو 201610:44 م

"امرأة خلف المقود، موت على المنعطف" مثل قديم يعود إلى الحقبة التي بدأت فيها المرأة بإثبات ذاتها وأخذ دورها المساوي لدور الرجل في المجتمع، وفي قيادة السيارات.

قصة المرأة مع السيارة تعود إلى العصر الثامن عشر مع بيرتا بينز، زوجة كارل بينز، الصانع الشهير لشركة مرسيدس بينز. كانت أول امرأة تقود السيارة مسافة طويلة، وأرادت من هذه الخطوة أن تثبت للرأي العام أولاً، ولشركات صناعة السيارات ثانياً، أن السيارة ليست للرجل فقط بل المرأة تستفيد أيضاً من هذه الصناعة.

شكلت هذه الظاهرة آنذاك صدمة في المجتمعات الغربية، وأثارت الكثير من الانتقادات، ولكن ما لبثت أن لاقت صداها لدى صانعي السيارات، فغدت صناعاتهم موجهة ليس فقط للعنصر الذكوري بل للمرأة أيضاً. ولم تعد مواصفات السيارة مركزة على قوة المحرك والسرعة فحسب، بل أيضاً على أناقة التصميم، واللون، ومعايير الأمان وحجم السيارة التي تستطيع استيعاب العدد الأكبر من الأفراد.

وجب الانتظار حتى منتصف القرن التاسع عشر لتشريع قيادة المرأة للسيارة، وإعطائها رخصة قيادة، وترافق هذا التطور مع مكاسب أخرى للمرأة، التي أصبحت تعمل وتنخرط أكثر في المجتمع، فأصبحت السيارة رفيقة دربها ووسيلة تنقلها من منزل التقاليد والعادات إلى العمل.

وسرعان ما عممت هذه التجربة على العالم العربي، ففي عام 1933 كانت سلوى العمران أول امرأة من أصل لبناني تعمل مُدرّسة في البحرين، تمكنت من قيادة السيارة وحصلت بعدها عام 1954 على رخصة قيادة، وشكلت حينها صدمة وأملاً للنساء العربيات اللواتي أردن حذو حذوها، حتى تسلمت زمام القيادة، بالمعنى الفردي والشامل، قيادة القرار والسلطة.

لم يكن الأمر بالسهولة نفسها في المجتمعات العربية الذكورية الأخرى، فازدواجية المعايير العربية في التعامل مع المرأة لم تسمح لها بحيازة رخصة قيادة إلا بعد مطالبات كثيرة، وما زالت حتى يومنا ممنوعة من القيادة في بعض المجتمعات لاعتبارات كثيرة، منها دينية وعقائدية، كأن لا يجوز اختلاط الجنسين حتى في الطريق، وأخرى إجتماعية ذات علاقة بدور المرأة ومكانتها غير المساوية للرجل في الحقوق والواجبات، وجميعها تصب في مكان واحد: المرأة ليست مؤهلة "لتقود"، فالقيادة بحاجة إلى ذكاء وثقة بالنفس وقدرة على التحكم، وكل هذه سمات غير متوفرة لدى المرأة في نظر عدد كبير من الرجال العرب، الذين يعتبرون أنها تصلح للإنجاب والقيام بالواجبات المنزلية لا غير. لهذه الأسباب وأكثر، واجهت المرأة ولم تزل تواجه يومياً الكثير من الانتقادات التي تبدأ بالسخرية، ولا تنتهي بالإهانة الشخصية والتعدي بحجة أنها لا تجيد القيادة وتعرقل طريق الرجل.

عقدة "المرأة"

أصبحت السيارة في يومنا هذا حسب عالم النفس جان بيار ونتر أداة "لشن حرب" بين الجنسين، وبات الطريق ساحة معركة يتقاتل عليها السائقون والسائقات، والبقاء فيها للأقوى. حلل هذا الواقع بنظرة الرجل العربي للمرأة على أنها غير مؤهلة، وأدنى منه فكرياً، في التكيف ومواجهة الضغط اليومي الذي تسببه القيادة، وزحمة السير وحال الطرقات، فينسب إليها كل حادث أو تأخير أو عرقلة، وتغدو المرأة "كبش محرقة".

لما كل هذا التنافس؟ لماذا يسعى الرجل لإثبات قوته على المرأة الأم، والعاملة والشريكة؟ هل وجودها إلى جانبه وتطورها في كل المجالات يشكلان تهديداً لقدراته، خصوصاً في مجال السيارات الذي كان منذ نشأته رمزاً للقوة والرجولة، كما أثبت عالم الاجتماع جان ماري رونوارد في بحثه عن الرمز الذي يتم إسقاطه من قبل كل من الرجل والمرأة على السيارة. فرأى رونوارد أن تربية الرجل العربي رسخت فيه مبادئ السلطة والقوة حتى لامست هذيان العظمة الذي أوصله إلى التعميم واعتبار القيادة ملعبه، وهو يتمرس بها منذ الصغر من خلال ألعابه التي تركز على سباق السيارات ومنطق الربح لمن يصل أولاً. تنمو في شخصيته هذه الأفكار، فتصبح من الركائز وتؤثر جلياً على سلوكه وخطابه. بينما تكبر المرأة العربية على مبادئ التبعية والخضوع للرجل، والحاجة للاتكال عليه في مسؤولية الحياة، ومن ضمنها القيادة. إلى أن تثور وتقرر بلوغ النضوج الفكري والعاطفي، وتحقيق الذات، فتصبح قادرة على قيادة حياتها والإمساك بزمام الأمور. هذا التغيير يمكن أن يصدم الرجل ويهز عرش عظمته، فيشعر بالتهديد النفسي ويجد نفسه في حالة دفاع ضد الخطر المقبل: المرأة تقود السيارة!

أبرز وسائل المواجهة هي إسقاط ما يسميه علم النفس: الصور النمطية. وقد فسر عالم النفس الأمريكي غوردن ألبورت آلية الدفاع هذه أنها تأتي نتيجة شعور سلبي تجاه شخص أو مجموعة أشخاص يتمتعون بأفكار، ومعتقدات أو سلوكيات مختلفة، تصل أحياناً حد النفور المطلق. هذا الشعور وريث عقائد وأفكار تربى عليها الشخص، غير مبنية على وقائع أو براهين منطقية، لكنها متشددة، صارمة ومتحفظة لدرجة تمنع الشخص من تبني أي فكرة أو موقف مغاير أو جديد. هكذا حال بعد الرجال في المجتمعات العربية، يهابون فيرفضون أي تطور أو خطوة نحو الأفضل تخطوها المرأة، فما يلبثون أن يسقطوا عليها كل ما أتيح لهم من صور سلبية، ترفضها المرأة أحياناً وتقبلها أحياناً أخرى، إن كانت غير مستعدة نفسياً لمواجهة كل هذه الضغوط المباشرة وغير المباشرة، وهذا ليس بالأمر السهل، فالتمتع بالحصانة النفسية يحتاج مجهوداً فردياً، خصوصاً في مجتمع ما زال يتبنى أفكاراً بالية لم تعد تصلح في زماننا هذا.

المرأة "القائدة"

استناداً إلى معظم النسب والأرقام في العالم العربي، نجد أن نسبة مجمل حوادث السير والأكثر خطورة منها التي غالباً ما تودي بحياة الأفراد، أبطالها من الرجال، بنسبة 73.3% مقابل 26.7% نساء في لبنان مثلاً. أبرز أسباب الحوادث عند الرجال هي السرعة، تليها حالة السكر وتناول الخمر أثناء القيادة، ما يؤثر على سحب النقاط من دفاتر القيادة عند الرجال ورفع كلفة التأمين التي تلزم به شركات التأمين للرجال أكثر من النساء. فإذا كانت النسب والوقائع تثبت أن المرأة حذرة أكثر من الرجل أثناء القيادة، فهل تبقى فرضية "الرجل يقود أفضل من المرأة" قائمة؟ والأهم، لماذا حتى اليوم تقبل بعض النساء بامتصاص هذه الأحكام المسبقة؟ فيتأثر سلوكهن ويصبحن يهبن القيادة خوفاً من حادث ما، أو يدعين عدم الحاجة إليها لترف وجود أب، أخ، زوج أو سائق يمكنه أن يقود فيرتحن هن من عناء القيادة.

تمنح القيادة المرأة حرية التحرك وتساعدها على الإمساك بزمام الأمور. تصبح حينها أكثر انخراطاً في المجتمع مواجهةً ضغوط الحياة وأبرزها ضغط الطرقات. قيادتها لسيارتها وذهابها إلى عملها باب يقودها إلى التحكم بمقود حياتها، وأفكارها وطموحاتها، بكسرها حاجز الخوف والإثبات لنفسها أنها حاضرة، ليس لتكون خيالاً، مكملةً أو متنفساً لأي كان، بل لتحقيق كينونتها، وهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا عززت المرأة ثقتها بقدراتها، لا لمنافسة الرجل، بل لتحدي نفسها والانتفاض على كل الأفكار البالية التي اعتبرتها أدنى من الرجل، إو عاجزة أو بحاجة إلى وصي.

ويشار إلى أن الكثير من النساء العربيات تخطين مسألة قيادة السيارة إلى ما هو أكبر وأكثر صعوبة كقيادة الطائرة والقطار أيضاً. فلا شيء مستحيل إذا كانت المرأة العربية محصنة تملك الجرأة والتصالح مع الذات الذي يجعلها منخرطة في مجتمعها ومتفوقة في الوقت نفسه.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard