شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
يخرج الأسرى الفلسطينيون من السجن فيجدون أن الأفكار التي ناضلوا من أجلها ماتت

يخرج الأسرى الفلسطينيون من السجن فيجدون أن الأفكار التي ناضلوا من أجلها ماتت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 22 يونيو 201604:44 م

بعد خروجه من سجون الاحتلال الإسرائيلي والاحتفال بتحريره، فوجئ الأسير الفلسطيني بأنه أمام واقع يختلف بشكل كبير عن الواقع الذي كان قائماً قبل اعتقاله مدة طويلة.

يشعر الأسير المحرّر بأنه غريب ومنعزل عن محيطه العائلي والمجتمعي. فالأسرى المحررون كانوا قد صنعوا حياةً خاصة داخل سجونهم.

في السجن، يعانون من ممارسات لاإنسانية من تعذيب وتنكيل وعنف وضغط نفسي وعزل وعقوبات فردية وجماعية، ولا يبخل السجانون عليهم بالاعتداءات الجسدية والنفسية والحرمان من الحقوق الأساسية في بعض المراحل.

صعوبة الانتقال

بدر الأعرج هو أحد هؤلاء الأسرى. خرج بعد سجنه ست سنوات، وهو في العشرين من العمر. ورغم خسارة سنوات عدّة، تابع دراسته ليحصل على شهادة جامعية فماجستير فدكتوراه في علم الاجتماع.

يصف الأعرج الانتقال، على غرار علماء الاجتماع والنفس، بأنه أصعب مرحلة في حياة الإنسان، "لأنه ليس سهلاً التكيّف في وضع معيّن ثم الانتقال إلى وضع جديد ينهي السابق".

وقال لرصيف22: "في السجن، اعتدت الخروج نصف ساعة صباحاً إلى الشمس ونصف ساعة قبل الغروب. كنّا، أربعمئة سجين، ننظم أنفسنا في ساحة صغيرة، نسير على شكل دوائر حتى يتسع لنا المكان. وبعد خروجي، فوجئت بأن الطريق مستقيمة ولا نسير فيها بشكل دائري. كما كانت رؤيتنا للشمس لفترة طويلة أمراً غريباً أيضاً".

وروى أن "العديد من أصدقائي المساجين لم يستطيعوا التكيّف مع الواقع، ولم يكملوا تعليمهم وبقوا يعانون من جمود الشخصية، لأن داخلهم مليء بالمثاليات والمبادىء التي زرعتها حياة السجن والتربية السياسية والفكرية فيهم". وأشار إلى أنهم "ما زالوا غير قادرين على التكيّف مع الواقع، وهذا يسمّى في علم الاجتماع اللامعيارية، ومعناها اختلاط المعايير الأخلاقية، اختلاط بين المعايير القديمة والجديدة".

ولكنه أكد أن "الانسان يمكن أن يتغيّر، فالإرادة تصنع كل شيء"، وتابع: "عندما خرجت من السجن، وجدت أن أبناء صفي أنهوا البكالوريس بينما أنا ما زلت في الصف الإعدادي. لكنّي لم أحزن بل شققت طريقي. إذا أراد الإنسان شيئاً ما، يجب أن يتعب ليناله. هذا ما تعلمته من تجربتي".

خلق حياة من حياة السجن

الأسيرة المحررة نادية الخياط خرجت في صفقة تبادل للأسرى بعد خمس سنوات من الأسر وأُبعدت إلى الأردن لمدة 13 عاماً.

قالت: "حياة السجن لا يمكن أن تقارن بالحياة خارجه. فالإنسان يُسلب الحياة عند أسره، وتُردً إليه بعد خروجه". لكنها أشارت إلى أنها خلقت من حياة السجن حياة. نخلق حياة تعليم وفرح وثقافة حتى لا يصعب علينا الاندماج عند الخروج من السجن، وحتى لا نقطع علاقتنا مع الحياة كما أراد الاسرائيليون".

وروت أنهم كانوا يأتون بالمستجدات من الخارج كنشرات الأخبار والرسائل "حتى نبقى على اتصال مع العالم الخارجي"، لكنها أكّدت أن "مرحلة الانتقال تبقى صعبة وتختلف صعوبتها بحسب فترة السجن".

الاغتراب الوطني

"أصعب حالات الاغتراب تحدث عندما يرى الأسير تغيّراً كبيراً في قيم الانتماء والوطنية التي تربّى عليها وكان المجتمع يعتنقها وفجأة أصبحت غير ذات صلة، قال لرصيف22 وزير الأسرى السابق أشرف عجرمي.

هذا ما يحدث مع الأسرى الذين سُجنوا فترات طويلة. ولفت بدر الأعرج إلى "أن السجن الآن أصعب من قبل. في الماضي كان عدد المساجين الفلسطينيين نحو خمسين ألفاً. أما الآن فهم قرابة سبعة آلاف. في الماضي، كانت حالة الأسر عامة وكان تقدير الأسرى أكبر، لكن الآن اختلفت الاعتبارات. كان التكيّف أسهل أما الآن فقد انتشر واقع الفردانية ولم يعد النضال جماعياً".

وأوضح العجرمي أن "الاندماج بعد التحرر من الأسر يتطلب إعادة تأهيل واسعة نفسياً واجتماعياً ووظيفياً. لكن الجزء النفسي من التأهيل المطلوب مفقود بسبب عدم تقبّل عاداتنا لذلك، مع أنّه مهم جداً لجميع مَن يعانون من الأسر أو يعيشون في ظروف غير طبيعية".

الخطيب المسجون

في نوفمبر 2016، حين يخرج من السجن، ستلتقي هالة قعدان خطيبها مهدي المأسور. سيكون قد مرّ عام على خطبتهما. المأسور أسير منذ أن كان عمره 13 عاماً، وقد مرّ على أسره 12 عاماً.

وروت هالة لرصيف22 أن مهدي صنع حياته داخل السجن، وأكمل دراسته التوجيهية، والآن يتابع نظام دراسة جامعي. نصف حياته قضاه في السجن وهذا لم يؤدِ إلى القضاء على معنوياته.

مهدي وخطيبته مستعدان لتحدي الصعاب معاً. قالت هالة: "من المؤكد أنه سيجد فرقاً كبيراً بين الحياة في السجن وبين الحياة خارجه، ولكنّه يقول إن حجم المأساة التي نعيشها في السجن أكبر من أيّة صعوبة قد نواجهها في المستقبل".

السجن يحفّز على الدفاع عن البقاء

أضاع سابا شاهين تسعة سنوات من عمره لأنه قرّر مواجهة محتلّه. ولكنّه يعتبر أن هذه السنوات نقطة تحوّل إيجابية في حياته. وقال إن "الظروف الاستثنائية التي يتعرض لها الأسير بشكل مفاجئ، وانتقاله إلى حياة كل تفاصيلها تختلف عن تفاصيل الحياة العادية، تجعل منه كائناً يدافع عن بقائه بكل شراسة ويؤقلم نفسه مع ضيق المكان، ويعمل على بناء نفسه لكي يُسكت ما يجول في خاطره من أفكار سلبية مثل قضائه سنوات عمره خلف الجدران".

في السجن، واظب شاهين على تثقيف نفسه وممارسة الرياضة، وكوّن علاقات اجتماعية مع زملائه الأسرى. تأمل حياته كلها بأدق التفاصيل ليخرج بأحلام يقاتل من أجلها.

ولكن بعد خروجه من السجن، لقي نوعاً من الجفاء الاجتماعي بسبب الفجوة الزمنية التي امتدت تسعة اعوام. هذه الفجوة سدّها وبدأ بالتأقلم مع الحياة التي تركها فجأة من خلال انخراطه في الجامعة. وها هو يقترب من استعادة شخصيته التي اعتادت في السجن القسوة والخشونة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard