شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ألا يزال فض غشاء البكارة باليد يُطبق في مصر؟

ألا يزال فض غشاء البكارة باليد يُطبق في مصر؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 14 أغسطس 201609:25 م

جسد المرأة ليس ملكاً لها وحدها بل هو ملك لكل ذويها. هذه هي الحال في قرى صعيد مصر وفي بعض ضواحي القاهرة الكبرى، حيث لا يزال “الشرف" يرتبط ببضع قطرات من الدم على منديل أبيض، يُباهى به أمام القاصي والداني وسط الزغاريد والمباركات. “الدخلة البلدي” مصطلح دارج في المجتمع المصري يصف تقليداً قديماً يعتقد الكثيرون أنه اندثر، تجبر فيه العروس على الاستلقاء على فراش الزوجية في حضور والدتها والعريس ووالدته أو أخته، وتحضر أحياناً قابلة تتولى القيام هي بالدور الرئيسي في المشهد، عوضاً عن الزوج. تقف القابلة أو الزوج قبالة العروس، يُرفَع عنها الفستان وتمتد يد من سيقوم وفقاً للتعبير الدارج بـ"أخذ الشرف"، وبإصبع ملفوف بمنديل أبيض، يبقي الظفر ظاهراً، يفض غشاء البكارة. يُخرِج الزوج أو القابلة المنديل وعليه قطرات الدماء ويرفعه أمام الجميع فتعلو الزغاريد.

الصورة عن قرب أقبح من الصورة فى السينما

أغلبنا تشكلت معرفته بالدخلة البلدي أو فض غشاء البكارة باليد عبر مشاهد سينمائية في عدد من الأفلام، لكن معظم تلك المشاهد لم تتعمق في شعور الفتاة التي تقع ضحية هذه الممارسة، بل عرضتها كعادة ذميمة تنتشر إما في الضواحي أو في الصعيد. ولكن تغير التعامل النمطي مع هذه الظاهرة في مسلسل "القاصرات" الذي عرض خلال شهر رمضان عام  2013، إذ تناول المسلسل القضية بجرأة وواقعية غير مسبوقتين، عارضاً في أحد مشاهده ممارسة الدخلة البلدي على إحدى الفتيات القاصرات، التي تتوفى ليلة زفافها بسبب نزيف حاد لحق بها نتيجة هذه الفعلة.

"ذكريات مؤلمة ما زالت أحلامي تستحضرها بعد مرور 7 سنوات"

أمينة ابنة محافظة بني سويف، أجبرها والداها على الزواج في الـ16 من العمر من ابن خالتها الذي كان عمره 19 عاماً، وأصر أبوها آنذاك على "الدخلة البلدي". تتذكر أمينة توسلاتها لأمها في ألا تتزوج بهذه الطريقة، ولكن "العرف" كان أقوى من توسلاتها. تقول: "برغم مرور 7 سنوات على تلك الليلة المشؤومة، ما زلت أتذكرها وأتذكر الألم الذي قذفته يد القابلة في جسدي وظل عالقاً به لأيام. كثيراً ما تعاودني تلك اللحظات في أحلامي".

أمينة طُلِقت بعد زواجها بثلاثة أشهر فقط، بسبب رفضها معاشرة زوجها نتيجة الخوف، وهذا ما اضطرها لاحقاً إلى الخضوع لعلاج نفسي.

“كنا ننتظر لحظة خروج المنديل الملطخ بالدماء من الشباك”

"فاطمة السيد"، 50 عاماً، طبيبة نسائية عاشت طفولتها في إحدى المناطق الشعبية في حي السيدة زينب. تتذكر كيف كانت من اللواتي يهللن فرحاً بالمنديل إياه "اعتدت في طفولتي رؤية ذلك المنديل الملطخ بالدماء يرفع من قبل العريس في الشرفة، أو أن نرى يداً تمتد خارج الشباك ترفعه". وتقول "كنت أنتظر لحظة خروج المنديل من دون أن أفهم الجريمة التي كانت تتم في الداخل، فقد كان يسعدني التهليل المصاحب له والرقص والزغاريد".

وتضيف السيد: "لما تقدمت في العمر وأدركت الكارثة كنت عندما أتذكر تلك اللحظات وأتخيل ما كان يجري في الغرفة أكاد أتقيأ، وبعد دراستي الطب وتخصصي في الأمراض النسائية صرت أعلم مدى الضرر الجسدي والنفسي الذي يقع على أولئك الفتيات نتيجة الصدمة وتوابعها التي قد تصل للخوف من العلاقة الحميمة، أو الجروح الغائرة وفي أحيانٍ أخرى النزيف”. تشير فاطمة إلى أن هذا السلوك أضحى غير مقبول في قطاع عريض من المجتمع المصري، حتى في البيئات الشعبية، عكس السابق.

الدخلة البلدي خارج جدول أعمال المجتمع المدنى

لم تُجر فى مصر دراسات كثيرة بشأن هذه الممارسة، ولا يعرف تحديداً مدى انتشارها، لذا فإن الأمر الذي يستدعي التوقف عنده، هو كون المنظمات المعنية بحقوق المرأة في مناطق الصعيد، والتي تقوم بدراسات وأبحاث حول قضايا مثل الزواج القبلي وزواج القاصرات وختان البنات، تظل بعيدة عن هذه العادة برغم العلم بوجودها.

ما هي أصول هذا التقليد؟

ليس هناك طرح محدد لأصل الدخلة البلدي. البعض ينسبها للمصريين القدماء، في إحدى الحقبات التاريخية خلال عهد الفراعنة، عندما كان يتم في المعابد المصرية فض بكارة العروس من قبل رجل غريب يصادف دخوله المعبد للصلاة. وبعد فض بكارتها تعود إلى أهلها حتى تُزَف إلى زوجها. ولكن يؤكد العديد من علماء الاَثار أن ما يذكر عن علاقة الدخلة البلدي بالتاريخ الفرعوني ما هو إلا إدعاءات، إذ لا توجد مخطوطات أو رسوم فرعونية تشير إليها.

ويتجه البعض الآخر إلى أن أصل تلك العادة مرتبط بأسطورة أفريقية انتقلت للمصريين عبر النيل، وتتلخص في تقديم جزءٍ من جسد العروس كقربان لآلهة الشر التي قد تمنع الفتاة من الإنجاب، وكان غشاء البكارة هو ذلك القربان.

ويرد البعض هذه العادة إلى القبائل العربية، التي كانت تسمح لسيدة بالدخول مع العروسين في ليلة الزفاف حتى تفض بكارتها، وذلك للتقليل من المخاوف لدى العروس، نظراً لأن العلاقات بين الرجال والنساء في المجتمع القبلي كان يحيطها الكثير من القيود.

تمع الحديث، لطالما ارتبطت هذه العادة في الوعي الشعبي بإثبات الشرف. ومع تراجعها، بقي بعضهم يصرون على اعتمادها لأسباب أخرى لا يشار إليها كثيراً، مثل إخفاء الضعف الجنسي لدى الرجل، وهذا ما يدفعه للإصرار على فض غشاء البكارة يدوياً حتى تتحول الفتاة من عذراء لثيب أمام الناس، فيما تكتشف الزوجة لاحقاً عجز الزوج.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard