شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
أحمل الانتحاريين معي إلى فرنسا

أحمل الانتحاريين معي إلى فرنسا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 20 فبراير 201511:33 ص

كنت قد قرأت كتاب جاك كيرواك Jack Kerouac "ساتوري Satori في باريس" قبل قضائي عطلة دامت 15 يوماً هناك، ابتعدت فيها عن لبنان، وحاولت الترفيه عن نفسي قليلاً عبر زيارة صديقي الفرنسي.

كنت مهووسة بفكرة إيجاد الساتوري (مفهوم بوذي يعني التنوير المفاجئ) خلال هذه الرحلة. الساتوري، تلك التي تحدث عنها كيرواك والتي حدثت معه في أوقات مختلفة أثناء إقامته هناك، إلى أن انتهت به الرحلة بالتعرف على سائق تاكسي متواضع أوصله إلى مطار أورلي وهو عائد إلى ولاية فلوريدا الأميركية، ما سمح له برؤية الأمور من زاوية أخرى، وترك فيه أثراً كبيراً.

متى ستحصل معي وكيف؟ ما إن حطت الطائرة في مطار أورلي حتى بدأت خيبات الأمل بالظهور واحدة تلو الأخرى. لم يترافق توجهي إلى المخرج لملاقاة رفيقي بعزف الأوكورديون الرومنسي كما يحصل في الأفلام، ولم تكن أميلي بولين Amelie Poulain بانتظاري لتقدم لي مفاجأة سارة كما تخيلت.

كنت أمشي والناس من حولي وعلى جانبي وجوههم فارغة وحادة. أردت أن أتشارك حماسي مع أحد، ولكن لم يكن سلوكهم مشجعاً، فبقيت صامتة.

خرجت أبحث عن صديقي بعيني، أتجنب النظر إلى الآخرين، وجدته وانطلقنا نحو منزله في وسيلة نقل لا يعرفها الكثيرون في العالم العربي "المترو".

طوال المشوار، كانت فكرة المترو تارة تحمسني وطوراً تحبطني إذ أتخيل خط مترو يمتد على طول الساحل اللبناني يسمح لنا بالتنقل بسهولة بين المدن، ثم أتخيل حصول انفجار كبير فيه! لعله من الأفضل عدم وجوده، فذلك يقلل من فرصة حصول انفجارات أخرى.

وصلنا إلى المنزل الواقع في شارع ناشيونال في جنوب باريس. وبعد استراحة قصيرة تخللها الأكل والدردشة، رحنا نجوب المدينة سوياً. ذهلت من الفن المعماري وعظمة البناء وأسلوبه. رحت أحدق يميناً ويساراً بالاختلاط الكبير والكثيف لمختلف الجنسيات، كأن العالم بأكمله اجتمع أمامي في مكان واحد. ثم أتخيل حصول انفجار في تلك البقعة وكل ما يترافق معه من تغطية وإدانة: نقل الجرحى، وانتشال الأشلاء ثم التحقيق.

مسافة مئات الأميال كانت تفصلني عن لبنان ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، إلا أنه بدا الأمر وكأنني لم أغادرها أبداً. لم يسعني سوى تخيل حصول مكروه. أركب المترو فأغمض عيني، أمشي على الشارع فتتسارع نبضات قلبي وكأن انتحارياً متخفياً يلاحقني أينما ذهبت.

أذكّر نفسي أنني في باريس، فأنظر إلى صديقي بجواري وأراه يمشي غير مهموم.  انصدمت لإمكانية إحساسه بالأمان، واستغربت شعوري هذا لعدم قدرتي على استيعابه. ماذا يعني أن تكون في أمان؟ ماذا يعني أن تمضي نهاراً كاملاً غير مترقب حصول حالة من الفوضى في أي لحظة؟ ماذا يعني أن يكون لديك خيار التخطيط لفترة طويلة دون أن تتخلى عن تلك المخططات وتيأس؟

مشينا ومشينا... حتى وقفنا أمام كاتدرائية نوتردام Notre Dame de Paris، وبينما كان صديقي يلتقط بعض الصور، أدركت هول الأمر: إنني في حالة من "القلق المستمر"؛ سمة عربية بامتياز. هل هذه هي لحظة الساتوري المنتظرة، أم أنها مجرد خيبة أمل أخرى؟!

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard