شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
خيار الحياة المزدوجة في مصر

خيار الحياة المزدوجة في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 1 يونيو 201703:25 ص

عندما تقف "شيرين حجازي" على المسرح لترقص أمام محبي الرقص الحديث الذي احترفته على مدى أربع سنوات، يقابلها هذا الجمهور بالتصفيق الحاد. منهم من يعرفها من عروض سابقة، فيعطيها حالما تطل تحية انطباعه السابق عنها، ومنهم من يشاهدها للمرة الأولى، فيشعر سريعاً أنها تملك طاقة قادرة على اختراق القلوب، لما تتميز به عروضها.

تتناول عروضها، الفردية والجماعية، مشكلات اجتماعية ونفسية ليست بعيدة عن الجمهور المصري. استطاعت بذلك أن تفرض نفسها على الساحة الفنية المصرية، مشاركةً في مهرجنات عدّة مثل مهرجان الرقص الحديث في مصر، ومهرجان بيكاردي للفن المعاصر في فرنسا ومهرجان دمشق للمسرح.

لكن المشهد كان يتغيّر عندما تدخل شيرين مكتبها في الصباح الباكر، حيث كانت تمارس عملها كمهندسة. يستقبلها زملاؤها في العمل بصورة محبطة، لا يصفق لها أحد، لا يقوم أحد من على مكتبه ليعطيها التحية التي تليق بفنانة مميزة، ولا يفاجئها أحد بباقة ورد كتهنئة، ولا حتى جيرانها عندما تعود إلى المنزل. هم لا يعلمون أي شيء عن الجانب الآخر في حياة "الباشمهندسة شيرين". فهي طوال فترة عملها كمهندسة، ورغم معايشتها سنوات طويلة لزملائها في العمل، لم تخبرهم عن احترافها وعشقها للرقص الحديث، لأنه في النهاية، وفي مجتمع شرقي مثل مصر، لن يبالي أحد بالمكانة التي ارتقتها شيرين، و"كل ما سيلفت انتباههم هو أنني أرقص".

خافت شيرين من إخبارهم بتلك الحقيقة، حتى لا تفقد هيبتها في عملها، واضطرت طوال سنوات لأن تعيش حياتين مزدوجتين، دون أن تستطيع جمع واحدة منهما بالأخرى.

download (7)

لا تشكل "شيرين حجازي" الحالة الوحيدة التي تعاني من تلك الأزمة في مصر، أزمة نظرة المجتمع للفنان على أنه يقوم بشيء مبتذل. على الرغم من أن الجمهور المصري من أكثر المتابعين الجيدين للتلفزيون، والمحبين لكل أنواع الفنون. "شادي مؤنس" مثلاً خريج كلية الهندسة قسم الميكانيك، ويعمل مهندساً في الشركة المصرية للغازات الطبيعية. بشكل متواز مع عمله هذا، درس لعامين العزف على العود على يد العازف "نصير شمة".

بعد ذلك أسس شادي مع "حازم شاهين" فرقة إسكندريلا واستمر معها ما يقارب أربعة أعوام قدم خلالها العديد من الحفلات. في عام 2007 ، قرر الانفصال عن الفرقة ليقوم بتأسيس فرقته الخاصة "حكايات"، وعمل على تطويرها حتى أصبح لها قاعدة جماهيرية كبيرة بين جمهور الأوبرا والأماكن الثقافية الأخرى مثل ساقية الصاوي. رغم كل ذلك الجهد الذي يبذله لتطوير موهبته، يتعامل معه زملاءه في العمل على أنه مجرد فرصة جيدة "لإحياء" حفل خاص بالشركة، وكأن الشركة تمتلك "آلاتي" من المفترض أن يقدم خدماته لهم. لهذا السبب يرفض "شادي" تقديم أي حفلات للشركة.

download (8)

"دينا عاطف" من جهتها خريجة كلية الهندسة قسم كيمياء. تعيش في القاهرة وتعمل في مصنع للإسمنت في العين السخنة خارج القاهرة. بموازة عملها المرهق، هي أيضاً ممثلة مسرح منذ سبعة أعوام. قدمت العديد من العروض المسرحية، وانضمت إلى فرقة مسرحية مصرية تدعى "فرقة الأمل"، وهي فرقة حققت النجاح بين الأوساط الثقافية، وحصلت على العديد من الجوائز. إلى جانب كل هذا تقوم "دينا" الآن بصقل موهبتها وتنمية شغفها عن طريق دراسة التمثيل والإخراج في أكاديمية الفنون المسرحية. بهذا، لا تعيش دينا فقط حياتين مختلفتين، بل ثلاث حيوات في أماكن مختلفة. فهي مهندسة في العين السخنة، وطالبة في المعهد، وممثلة على المسرح. في كل مكان من هذه الأمكنة لها حياة وأصدقاء وطريقة تعامل، الأمر الذي أصبح يرهقها جسدياً وذهنياً. لذلك عندما تجد يوم إجازة، تفضل أن تقضيه بمفردها في الراحة والاستجمام حتى تستعد لجولة أخرى للركض في ثلاث "تراكات" في نفس الوقت.

download (9)

كثيرون هم الذين يحاولون موازنة حياتهم بين وظائفهم التي تضمن لهم الاستقرار المادي وبين شغفهم الذي يجلب لهم السعادة. منهم من يستطيع أن يحل تلك المعادلة الصعبة، مثل شادي ودينا، ومنهم من يستسلم لعالم من العالمين، مثل شيرين. عندما فقدت شيرين عملها كمهندسة بسبب أحداث الثورة المصرية وما ترتب عليها من كساد اقتصادي، تفرغت للرقص الحديث. لم تقرر بعد إذا ما كانت تستطيع العودة للعمل كمهندسة، فهي راضية اليوم لكونها اختارت أخيراً مطاردة حلمها في الرقص.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard