شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لندن تتعمّق بالفن الإسلامي في معرض

لندن تتعمّق بالفن الإسلامي في معرض "جائزة جميل 5"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 16 أكتوبر 201803:42 م
من فسيفساء الجامع الأموي في دمشق وصولاً إلى الخط المنقوش على قبة الصخرة في القدس، يرتبط الفن الإسلامي عادةً بالعجائب المعمارية للعالم القديم. ومع ذلك، عند الدخول إلى المعرض في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن، حيث يتم عرض أعمال الفائزين بجائزة جميل للفن، يمكن ملاحظة أن للتقاليد الإسلامية مكاناً مهماً في الفن الحديث، إذ إنه من المعماريين، وصولاً إلى مصممي الأزياء والفنّانين البصريين، يثبت المتسابقون الثمانية النهائيون لجائزة هذا العام أن الزخارف الإسلامية لا تزال مهمة في الزمن المعاصر. يتم حالياً عرض أعمال جائزة جميل 5 للفن في متحف فيكتوريا وألبرت في لندن ويستمر حتى 25 نوفمبر 2018.

الاحتفاء بالتراث الإسلامي

إن جائزة جميل للفن هي عبارة عن جائزة تُمنح مرة كل عامين، وهدفها الاحتفاء بتجسيد التراث الإسلامي في الفن والتصميم المعاصرين. في نسختها الخامسة، تم منح الجائزة هذا العام، وقدرها 25 ألف جنيه إسترليني (33 ألف دولار) للمرة الأولى لإثنين من المتأهلين للمنافسة النهائية: مارينا تبسم ومهدي مطشر، وقد جرى عرض أعمالهما جنباً إلى جنب مع 6 متسابقين نهائيين للفوز بالجائزة، يوم 27 يونيو. [caption id="attachment_167232" align="alignnone" width="1000"]Marina-Tabassum-headshot-photo-courtesy-of-the-artist Bangladeshi architect Marina Tabassum, 49, is one of the two winners of the latest edition of the Jameel Art Prize (Courtesy of Marina Tabassum)[/caption] وفي التفاصيل التي ذكرها موقع middle east eye أنه تم منح "مارينا تبسم"، وهي مهندسة معمارية من بنغلاديش، الجائزة عن تصميمها الاستثنائي لمسجد بيت الرؤوف في مدينة دكا، إذ إن المسجد هوَ ملاذٌ من صخب العاصمة البنغلاديشية، ويصفه كثيرون بأنَّه إحساس روحاني.
تصف مارينا هذا التصميم بالقول:"أجده ملاذاً، بمجرّد أن تدخل وتجلس في المسجد، تكون قد ابتعدت عن الكثير من الأشياء في الخارج".
يختلف تصميم "تبسم" عن المساجد التقليدية، لكونه بلا مئذنة ولا قبة، ولم يتم استخدام فيه أية زخارف على الإطلاق، وبدلاً من ذلك، تحوّلت المهندسة المعمارية إلى هيكل أكثر بساطةً يعتمد على العناصر الطبيعية.
يقول مطشر "يعتقد الكثير من الناس في مجال الثقافة الإسلامية أو العربية أنَّ الثقافة الإسلامية هي نوع من الزينة، لكنّ الأمر ليس كذلك، فالأمر أكثر بلاغةً وتعقيداً وحداثة من ذلك".
هذا المسجد الذي إكتمل بناؤه في العام 2012، أي بعد 5 أعوامٍ من التشييد، هوَ مثالٌ على كيف يمكن للتصميم المعماري الماهر أن يتلاعب حتى بأزهد مواد البناء ثمناً، وفي هذه الحالة، بالطوب والإسمنت، مما أدى في النهاية إلى نتائجٍ مذهلة، وقد شرحت مارينا (49 عاماً) ذلك بالقول: "تبرّعت جدتي بالأرض، لكن لم تتوفر فعلياً الموارد اللازمة لبناء المسجد"، مشيرةً إلى أن محدودية الموارد لهذه الدرجة تعني أنّ البناء كان بسيطاً للغاية ويعتمد على عناصر أساسية جداً". واللافت أن تصميم "تبسم" يختلف عن المساجد التقليدية، لكونه بلا مئذنة ولا قبة، ولم يتم استخدام فيه أية زخارف على الإطلاق، وبدلاً من ذلك، تحوّلت المهندسة المعمارية إلى هيكل أكثر بساطةً يعتمد على العناصر الطبيعية.

بين التقليد والحداثة

في القاعة الرئيسية للمسجد، ينبعث الضوء الطبيعي على الأرض من خلال فتحاتٍ في الجدران: "الضوء يخلق السياق الروحي"، وفق ما أكدته "مارينا". [caption id="attachment_167231" align="alignnone" width="1000"]jameel-prize-5-p Hall designed by Marina Tabassum in the Bait ur Rouf Mosque, lights play an important role (Photograph by Sandro de Carlo Darsa (c) MTA Sandro di Carlo Darsa)[/caption] ويتم خلق شعور بالروحانية من خلال خلق نظرة متأنية للمناخ الذي يقع به المسجد، فكونها تعلم مدى أهمية تدفق الهواء داخل مدينةٍ ذات رطوبة عالية كمدينة داكا، صمَّمت مارينا نظام "تهويةٍ متداخلة" من خلال استخدام الانفاق والباحات المفتوحة التي تسمح للهواء بالتدفق إلى الداخل والخارج بسهولة. ويتيح هذا المسجد للزوار أن يخوضوا تجربة الهدوء والراحة بعيداً عن صخب المدينة. وبالرغم من أن تصميمها للمسجد قد يكون حديثاً، فإنّ نيّة مارينا لم تكن إلّا تقليدية، لكونها نظرت إلى المساجد الأولى التي لم تكن مجرّد أماكن للعبادة، بل للتجمّع أيضاً، وعن هذا الموضوع قالت:"إن بنغلاديش دولة ذات أغلبية مسلمة، لذا فإنّ كل شيء فيها ينسب للتقاليد، والفلسفة، والممارسات الإسلامية، لا يشبه ما تراه في الشرق الأوسط. هناك سياق مختلف، السياق المناخي والتاريخي وكذلك الثقافة السائدة قبل الإسلام".

الفن الإسلامي يجتمع بالحداثة الأوروبية

[caption id="attachment_167234" align="alignnone" width="700"]Mehdi-Moutashar-head-shot,-courtesy-of-the-artist Iraqi artist Mehdi Moutashar, 75, is one of the winners of the Jameel Art Prize (Courtesy of Mehdi Moutashar)[/caption] إن الفائز الآخر مناصفةً بجائزة "جميل للفن" هوَ الفنان البصري مهدي مطشر، الذي تقوم أعماله على الدمج بين الفن الإسلامي لبلده الأم العراق والحداثة الأوروبية. [caption id="attachment_167235" align="alignnone" width="1000"]Mehdi-Moutashar.Black_.Design The sharp lines and perfectly measured forms of 'Deux plis à 120' are reminiscent of geometric abstraction from 20th century Europe (Photograph by Jean-Luc Maby (c) Mehdi Moutashar)[/caption] ففي منحوتته، Deux plis à 120، تم طيّ صفيحتين معدنيتين إلى النصف، مما خلق أشكالاً هندسية تتلاقى عند طرف الزاويتين، واللافت أن هذه الخطوط الحادة والأشكال المُقاسة بعناية تذكرنا بالتجريدية الهندسية الأوروبية في القرن العشرين، ومع ذلك فإن موضع التمثال المائل على الجدار يعكس بوضوح الخط العربي. "مطشر"، البالغ من العمر 75 عاماً، كان قد درس الفن التشكيلي في بغداد، ووصف إحباطه من الطريقة التي يتعامل فيها البعض مع الفن الإسلامي: "يعتقد الكثير من الناس في مجال الثقافة الإسلامية أو العربية أنَّ الثقافة الإسلامية هي نوع من الزينة، لكنّ الأمر ليس كذلك، فالأمر أكثر بلاغةً وتعقيداً وحداثة من ذلك". وعند انتقاله إلى فرنسا، اكتشف "مهدي" أوجه تشابه واضحة بين الفن الإسلامي والحداثة الأوروبية. وقد شرح ذلك بالقول: "في الفن الإسلامي، مثل فن الخط أو الأرابيسك، إن إحدى نقاط التشابه الأساسية متمثلة في المساحة وقياس المسافات بدقة، على سبيل المثال، إذا نظرت إلى الخط العربي، فسوف تجد أنّهم يبدأون بقياس المسافة التي يكتبون فيها الحروف حسب سُمك الخط، من خلال القلم (الأداة التي يكتبون بها)". وأوضح الفنان العراقي أنه من خلال استخدام القلم، يقوم الخطاط برسم "نقطةٍ" على شكل المعيّن الهندسي، يمكن من خلالها قياس طول الكلمات التالية وعرضها والمسافات بينها، واصفاً كيف أن الفنانين الحداثين غالباً ما اقتربوا من أعمالهم بطريقةٍ مشابهةٍ. [caption id="attachment_167228" align="alignnone" width="1000"]art-jameel-prize-inside5 Medhi Moutashar: Deux carrés dont un encadré [Two squares, one of them framed] (2017). Wood, paint, elastic wire. Collection of the artist. Photo © Fabrice Leroux[/caption]وفي عمله الفني Deux carrés dont un encadré أي "مربعان وصندوق"، يوجد مربع أزرق على خلفيةٍ بيضاء، وفي أسفله يمتد مربع آخر داخل مثمّن خارج الجدار. في الوقت ذاته، يتردّد في المربع المائل صدى نقطة الخطاط العربي ويظهر اللون الأزرق الزاهي متماشياً مع اللون المستخدم لتزيين الجدران في العمارة الإسلامية. وفي هذا الصدد، وصف "مطشر" استخدام اللون الأزرق المماثل في المسجد الرئيسي في مدينة بغداد الأصلية: "لقد وجدت أنه من المدهش استخدام هذا اللون كنوع من العلامات التي تشير إلى موطني". وبدورهم يقوم المتسابقون النهائيون بدمج التقاليد الإسلامية بالحداثة الأوروبية في ممارساتهم الفنية. كما تمزج لوحات الفنانة العراقية "هيف كهرمان" المثل العليا للجمال في فن عصر النهضة مع تأثيرٍ من المخطوطات العراقية العائدة للقرن الرابع عشر والرسم الفارسي المصغر للتعليق على دور النساء في المجتمع، كما أنها تستوحي الإلهام من نضالها الشخصي للعيش في أوروبا كلاجئة، بعد أن انتقلت من بغداد إلى السويد في العام 1991 أثناء حرب الخليج وهي في سن العاشرة من عمرها. [caption id="attachment_167230" align="alignnone" width="1000"]Hayv-Kahraman, Hayv Kahraman: The Translator from the series 'How Iraqi Are You?' (2015). Oils on linen. Photo courtesy of Defares Collection[/caption] ويوضح الموقع أنه في لوحة The Translator على سبيل المثال، تتوافق البشرة البيضاء والملامح الرقيقة بوضوح مع تمثيل الكمال الأنثوي في لوحات عصر النهضة في إيطاليا، كذلك فإنّ عمل The Naqsh Collective للأختين نسرين ونرمين أبو دالي (كلتاهما متأهلة نهائية لجائزة جميل للفن) هو إعادة تصميم لحرفة التطريز الفلسطيني التقليدي بطريقةٍ معاصرة بنقش الأنماط التطريزية التقليدية على الخشب والرخام، من خلال استخدام التكنولوجيا الرقمية، وبذلك ضمان توريثها للأجيال المقبلة.
[caption id="attachment_167236" align="alignnone" width="1000"]Naqsh-Resize-Template naqsh collective: Shawl (2015). Detail: Walnut wood, paint and brass. Images courtesy of naqsh collective. Photo: Nabil Qutteineh[/caption]

رمزية الكعبة

في أحد الأركان المظلمة من المعرض، تتوهّج سلسلة من اللوحات الزيتية الصفراء والبرتقالية الدافئة، ومع اقتراب الزائر منها، تظهر سلسلسة من اللوحات المصغّرة، وعند النظر عن كثبٍ تنفجر سلسلة من الطيور خارج الإطار، وهي ممتدة من الجدران إلى الأرض، هذا عملٌ للفنانة الباكستانية وردة شابير التي تقول: "الفكرة الرئيسية هنا هي أنه عليك أن تتعمّق أكثر فأكثر، وفي كل مرة تكشف تفصيلاً جديداً...كما لو كان عملاً فنياً تفاعلياً". [caption id="attachment_167237" align="alignnone" width="1000"]wardha-shabbir-a-cube-2017-image-courtesy-of-the-artist-c-usman-javed Wardha Shabbir a cube 2017 image courtesy of the artist c usman javed[/caption] وفي لوحة A Cube أي "مكعب" شجيرةٌ على شكل مكعَّب في مركز اللوحة على خلفيةٍ صفراء دافئة، وقد شرحت وردة أهمية ورمزية هذه اللوحة بالقول: "إنّ المكعب نفسه يشبه كلية الوجود. إنَّه رمزٌ في الفن الإسلامي. إذا نظرت إلى أكثر الرموز شهرةً  للإسلام فهو المكعّب". [caption id="attachment_167243" align="alignnone" width="700"]Wardha-Shabbir-photo-credits-to-Hassan-Zulfiqar-photo Pakistani artist Wardha Shabbir is interested in the pathway humans are all travelling on that is determined by decisions and actions (Courtesy of Hassan Zulfiqar)[/caption]

اكتشاف الذات

يكمن مفهوم الصراط المستقيم الإسلامي وراء ممارسة وردة للفن، إذ تشير الكلمتان إلى رحلة المرء نحو البرّ، ومع ذلك أوضحت الفنانة أنها مهتمة أكثر بالصراط، أي المسار الذي نسلكه جميعاً ويحدد قراراتنا وأفعالنا. [caption id="attachment_167229" align="alignnone" width="1000"]art-jameel-prize-inside6 Wardha Shabbir's 'Two Pillars' explores her life choice to go against society's expectations of her and follow a career in art (Photograph by Usman Javed (c) Wardha Shabbir)[/caption] وترمز لوحة Two Pillars إلى هذا الصراط وتحديداً لكل دربٍ من دروب اكتشاف الذات، وبالنسبة لوردة فإنّه يستكشف اختيارها بأن تخالف توقّعات المجتمع وأن تَتبع حياةً مهنية في الفن:"كوني مسلمة في باكستان لم يكن من السهل اختيار الرسم كمهنة"، واضافت:" أوَل شيء عليك القيام به هوَ كسر القاعدة الاجتماعية في عائلتك، ومن ثم في محيطك". وكونها أول امرأة في عائلتها في مهنة الفن، كان على "شابير" أن تحارب من أجل حق تقرير مصيرها ومطاردة حلمها: "لم يكن من السهل عليّ أن أصبح فنانة، لقد اضطررت إلى كسر الأعراف الإجتماعية، فأنا لا أشعر بأي ضغطٍ للتخلّي عن حياتي الفنية، بل أعتقد أنّ ذلك سيزيد مِن فهمي للحياة". ومن خلال فنّها، تستطيع وردة أن تستكشف مسارها الشخصي، وفي نفس الوقت تكون قدوةً للنساء الشابات في مناصب مشابهة:"من خلال ممارستي الخاصة، أحاول أن أنضج كشخص وأن أعلّم الإناث الأخريات أنه بامكانهنّ أيضاً اختيار مسارهنّ، وأنَّه ليس من المحرمات أن تكون الأنثى رسّامةً. عليَّ أن أكون هذا الصراط للأخريات كذلك".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard