شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
حياة أبدية مع فيسبوك وأنستغرام وسنابشات؟ يا للملل!

حياة أبدية مع فيسبوك وأنستغرام وسنابشات؟ يا للملل!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 8 أكتوبر 201806:00 م
الحياة الأبدية التي لا تنتهي بموت مفاجئ أو مرض عضال فكرة لا بد وأنها قد عبرت أذهاننا جميعاً في لحظة ما. لربما تخيلنا طبيباً عجوزاً بلحية بيضاء كثة وهو يعطينا قارورة تحتوي على إكسير الخلود، أو كائناً خرافياً يطبع على إحدى وجنتينا قبلة الحياة الأبدية. وبكل الأحوال النتيجة واحدة: ألا ينال منا الموت أياً كانت الظروف المحيطة بنا. ومنذ عقود، تخرج إلينا بين الفينة والأخرى أفكار علمية ساحرة. يتنبأ بعض العلماء بأنهم سيستطيعون بعد سنوات إيقاف مرور الزمن، ويجادل فلاسفة أو كتّاب خيال علمي بإمكانية أو عدم إمكانية أن يعيش الإنسان للأبد. لكن، هل فكر هؤلاء العلماء من زاوية أخرى؟ هل خطر ببالهم يوماً كيف يمكننا أن نعيش مئة أو مئتي عام آخرين ونحن ندور في نفس نمط الحياة؟ هل تراءت لهم صورة كائن بشري يمضي أياماً تلو الأيام، وأسابيع وأشهر وسنوات متعاقبة وهو يتصفح حسابه على فيسبوك أو أنستغرام، ويلتقط صوراً عبر تطبيق سنابشات ليضيف إليها نفس التأثيرات البصرية، أو ربما تأثيرات جديدة؟

الأبدية والملل ومعنى الحياة

لا يمكن أن نفكر باحتمال أن نعيش حياة أبدية دون أن نطرح تساؤلاً مشروعاً حول الملل الذي يمكن أن يرافقها. الملل من الحياة نفسها، من إيقاعها السريع، من طرق التواصل الجديدة التي لم نعد نعرف غيرها، ومن أن نقضي تلك الحياة الأبدية ونحن غارقون في شاشات هواتفنا الذكية وبين التطبيقات المختلفة. فإن كان الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، وقبل أكثر من ألف وأربعمئة عام، قد صرّح عن الملل الذي يمكن أن يصيبه لو عاش أكثر من ثمانين عاماً في أحد أبياته الشعرية "سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبالك يسأم"، فهل من الممكن أن يغير رأيه لو كان حياً بيننا اليوم؟
الحياة الأبدية التي لا تنتهي بموت مفاجئ أو مرض عضال فكرة لا بد وأنها قد عبرت أذهاننا جميعاً في لحظة ما
هل يمكننا تحمل وجود الفيسبوك في حياتنا إلى الأبد، أليست فكرة مرعبة أن نقضي حياتنا إلى الأبد مع هذه الشاشة الزرقاء؟
في مقابلة على مدونة io9 -والتي تعنى بكل ما له صلة بالخيال العلمي والتكنولوجيا والحركات التي تشجع التوجه نحو المستقبل ونبذ الماضي-، يقرّ كل من عالم الطب الحيوي والمتخصص في أخلاقيات هذا الطب نيغيل كاميرون، والفيلسوف مارك والكر بصعوبة الإجابة عن أية أسئلة تتعلق بالحياة الأبدية المتخيلة، فأي منا لم يعشها من قبل كي يخبرنا عنها، لكنهما يطرحان أفكاراً هامة حول الأبدية والملل ومعنى الحياة. برأي العالِمَين الأمريكيين، تكتسب الحياة معناها من الموت الذي يحفزنا على أن نقوم بكل ما نقوم به، وكأننا نريد إنجاز أكبر قدر ممكن من الأعمال واكتشاف أكبر كمية من التجارب المثيرة قبل أن يغيبنا الموت. وهما بذلك يتخوفان من أن تصبح الحياة الأبدية مملة ومفتقدة للدهشة إلى درجة يبدو فيها الموت أكثر إثارة، مما قد يعني الإقبال غير المسبوق على الانتحار. لكنهما في الوقت ذاته يشيران لفكرة أخرى، وهي أن الكبار في السن نادراً ما يشتكون من الملل، وينوهان إلى أن دراسات علمية عدة تؤكد أن الرضا الذاتي عن النفس والحياة يزداد مع التقدم في العمر، ولا يمكن سوى للأمراض شديدة الوطأة أن تغير من هذه الأحاسيس. وبذلك يعتقدان أيضاً بأن الإنسان قادر على تطوير طرق نفسية جديدة للتعامل مع ذلك الملل المحتمل. "هي تجربة تستحق أن يخوضها الجنس البشري إن كان قادراً على ذلك، ويمكن بعدها أن نختار الحل الأنسب"، يخلص كاميرون ووالكر في حديثهما.

حياة أبدية! لن يفوتني شيء بعد اليوم

كثيرون اليوم يخافون من أن يفوتهم أي حدث سواء في الحياة العادية أو الافتراضية. يحاولون أن يبقوا على اطلاع بكل ما يدور حولهم، وفي معظم الأحيان باستخدام حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي: فكم مرة في اليوم نتفقد أجهزتنا الذكية لنعرف ما فاتنا من أحداث وأخبار؟ كم مرة نحدّث الصفحة الرئيسية على تطبيق فيسبوك وننتظر أي حدث جديد لندقق في تفاصيله وتفاصيل من كان حاضراً فيه؟ هذا الخوف وحتى الإدمان وصل حد ظهور مصطلح في بداية القرن الحالي وهو "فومو Fear of Missing Out" والذي أضافه قاموس أكسفورد لمصطلحاته وعرّفه على أنه "القلق من أن حدثاً مثيراً للاهتمام قد يحصل في مكان آخر دون أن نعلم به، وهو قلق تثيره غالباً منشورات وسائل التواصل الاجتماعي". بالتالي، هل هناك أجمل من فكرة أن نتمكن من الحصول على حياة أبدية تسمح بألا يفوتنا أي حدث؟ سنستطيع حينها أن نعرف كل شيء، وأن نتعرف لشكل الحياة بعد مئة أو مئتين أو ثلاثمائة عام. سنتمكن حتى من مواكبة آخر صيحات التكنولوجيا، حتى تلك التي تبدو لنا اليوم ضرباً من ضروب الخيال العلمي، إذ أنها ستغدو حقيقة واقعة في حياتنا الأبدية. فالثابت الوحيد في عالمنا اليوم هو "التغيير"، وهذا التغيير المستمر دون توقف هو ما سيضمن بأن تبقى الحياة الأبدية مثيرة للاهتمام، وبعيدة كل البعد عن الملل. ويناقش مناصرو فكرة الحياة الأبدية أشكالاً مختلفة من تلك الحياة المتخيلة. يمكن أن نشيخ دون أن نصاب بأمراض خطيرة، وبذلك قد نشبه الكائنات التي زارها الطبيب البريطاني غيلفر بطل الرواية الخيالية "حكايات غيلفر" التي نشرت عام 1726، حيث حط الرحال في الجزء الثالث من الرواية على جزيرة بالنيباري والتي يشيخ سكانها لكن لا يموتون. أيضاً، من المفضل أن نتمكن من النسيان، كي نكون قادرين على بناء ذكريات جديدة بدلاً عن تلك القديمة التي لا بد وأن تمحى مع مرور الوقت، ولكي تتسع ذاكرتنا لكل الأحداث التي سنعيشها. لكن شكلاً آخر غير مفضل لدى مناصري تلك الفكرة يتمثل في أن تكون الحياة الأبدية مقتصرة على مجموعة معينة من الأشخاص دوناً عن غيرهم، إذ كم سيبدو غريباً أن نبقى صغاراً في السن حين يشيخ كل من حولنا. قد نضطر حينها لتغيير مجتمعنا كل خمسين عاماً كي لا نكشف حصولنا على سر الحياة التي لا تنتهي، أو قد تكون النهاية غير المرغوبة هي بأن نعيش وحيدين تماماً دون من نحب. مع ذلك، قد يكون لنا فائدة حينها، وذلك بأن نكون الوحيدين القادرين على نقل المعارف والمعلومات من جيل لآخر دون عناء. 

لا يمكن أن أتخيل كمية الملل المرافقة لها

على الضفة الأخرى يقف أولئك الرافضين تماماً لفكرة الحياة الأبدية، متذرعين بمجموعة من الحجج والبراهين التي تبدو لهم بديهية ولا حاجة للتفكير بها أو إثباتها. فكيف لنا أن نتخيل حياة أبدية نعيد فيها كل الوقت اكتشاف الأمور ذاتها؟ هل ستبقى لنا القدرة على الاستمتاع بنفس التجارب مرة بعد أخرى؟ وهل ستبقى ذاكرتنا قادرة على استيعاب كل هذا الكم من التجارب والذكريات؟ وهل يمكننا تحمل وجود الفيسبوك في حياتنا إلى الأبد، ونحن نتصفحه بذات الطريقة، لنقرأ أخبار نفس الأشخاص وهم يدورون في ذات الفلك من الأحداث والأماكن؟ ماذا لو لم يتم إنتاج أي تطبيق جديد مشابه أو بديل، أليست فكرة مرعبة أن نقضي حياتنا إلى الأبد مع هذه الشاشة الزرقاء؟ ومن جهة أخرى، يرفض كثيرون فكرة الحياة الأبدية لأنها ستفقدنا كل محفزات الإنتاج والإبداع. لمَ علينا أن نعمل اليوم إن كان بإمكاننا تنفيذ العمل ذاته غداً أو بعد غد؟ سندخل حينها في حلقة لا نهائية من التأجيل، وسينتهي بنا المطاف إلى عدم إنجاز أي شيء على الإطلاق. الأهم من كل ذلك: هل سنقضي على الوظيفة الإنجابية للجنس البشري، أم سنستمر في إنجاب الأطفال الخالدين؟ قد تنفجر الكرة الأرضية في اللحظة التي يتوقف فيها الموت عن حصد الأرواح، فلا مكان لنا جميعاً على كوكبنا الصغير هذا. لنفكر ببعض الأمور الأخرى بعيداً عن تأييد الفكرة أو معارضتها، لننظر للموضوع من زوايا أخرى. لو لم يكن هناك موت، بماذا سيعد العشاق بعضهم البعض وهم يقسمون بألا شيء سيفرقهم سوى الموت till death do us apart؟ هل تعني الحياة الأبدية ألا نموت حتى لو دهستنا شاحنة كبيرة؟ هل سننجو من أية حوادث قاتلة وكأن شيئاً لم يكن؟ هل يمكن أن تتوقف الحروب إن كانت الحياة الأبدية في متناول يدنا؟ وهل تتوقف شركات تصنيع الأسلحة عن تطوير تقنيات جديدة للقتل، في حال اختفى الموت من قاموس مفرداتنا؟ حتى اليوم، نحن لا نمتلك إجابات عن أي من تلك الأسئلة، وإلى حين حصولنا عليها، يمكننا الاستمتاع بأغنية who wants to live forever لفرقة Queen والتي تتحدث عن ذلك العاشق الذي يضطر لمراقبة حبيبته وهي تشيخ وتموت في حين أنه سيبقى شاباً للأبد، وحيداً من دونها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard