شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أبو عمر المصري" بين الحقيقة والدراما... كيف يصنع المجتمع إرهابياً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 10 مايو 201804:27 م
تحوّلت رواية "أبو عمر المصري" للأديب المصري عز الدين شكري فشير إلى مسلسل سيُعرض في السباق الدرامي خلال شهر رمضان المقبل. ويختلف هذا العمل عن الأعمال الأخرى التي تناولت قضايا التنظيمات الإرهابية بأنه مبنيّ بشكل أساسي على قصة مستوحاة من أبطال حقيقيين. 2017_12_12_20_52_13_118 لا شك في أن فشير أضاف من مخيلته بعض السيناريوهات والشخصيات على الأحداث الحقيقية، كما أنه ركّز على مرحلة تكوين الإرهابي، وعلى تبيان الأسباب المجتمعية والعقائدية التي تدفعه إلى اعتناق أيديولوجيات متطرفة، وعلى مساهمة النشأة في بيئة فقيرة على فكرة البحث الدائم عن نظام اجتماعي عادل، حتى لو كان ذلك بقوة السلاح. "أبو عمر المصري" في المسلسل الرمضاني هو الفنان أحمد عز الذي يجسد شخصية محامي يُدعى فخر الدين. وحاكت السيناريو الأديبة مريم نعوم مستندة إلى أعمال فشير، وأخرجه الشاب أحمد خالد موسى. [caption id="attachment_147461" align="alignnone" width="700"]12 أحمد عز وأمل بوشوشة في كواليس المسلسل - عن صفحة بوشوشة على إنستغرام[/caption] أما أبو عمر المصري الحقيقي، فهو المحامي أسامة مصطفى حسن نصر الذي تتوافق أحداث المسلسل مع 90% من قصة حياته مع الجهاديين، والذي كان سبباً في أزمة سياسة ودبلوماسية بين مصر وإيطاليا وفرنسا، حينما تورط في عمليات مسلحة في روما عام 2003، واختُطف بعدها قبل أن تقبض عليه السلطات المصرية وتفرج عنه ثم تفرض عليه الإقامة الجبرية في موطنه بالإسكندرية لمدة 10 سنوات. أسامة-مصطفى-حسن-نصر أبو عمر المصري أو "إمام مسجد ميلانو المختطف"، كما كان يُطلق عليه من قبل، ضلل الاستخبارات الأمريكية و الألبانية في بداية الألفية الجديدة، وطلب بعدها اللجوء السياسي إلى ألمانيا، ولكن طلبه قوبل بالرفض، وحصل على حكم قضائي أوروبي بتعويضه عن خطفه من قبل السلطات الايطالية بـ25 ألف يورو.

الحقيقي والمزيف في الرواية

6d6cd5cd-4b3a-495c-9888-bfc8c95bb153 يقول أسامة مصطفى حسن نصر المكنّى بـ"أبو عمر المصري" لرصيف22 إن "المسلسل إذا كان ترجمة للرواية دون تدخل في السيناريو، فإنه يحمل 90% من سيرتي الشخصية". ويشرح: "ما يتوافق بيني وبين الرواية من أحداث هو أنني كنت عضواً في حزب الوفد وتعرّض صديقي للقتل، وهربت من مصر بجواز سفر مزور، وانضممت إلى الجماعات الجهادية في أفغانستان وتنقلت بين فرنسا والسودان، وكل هذا من المنتظر أن يجسده الفنان أحمد عز في العمل، وفقاً للرواية التي قرأتها قبل سنوات". ويضيف: "لكن ما عرضته الرواية وليس حقيقياً، ولا أعلم إن كان ضمن أحداث المسلسل أم لا، هو أنني كونت علاقات جنسية ومارست الزنا واللواط في أوروبا وكان لي عشيقة. كل هذه أحداث تدخل ضمن باب الافتراءات. أنا تزوجت في أوروبا من فتاة ألبانية على سنة الله ورسولة، ولم أخالف شريعة وعقيدة الإسلام بشيء يغضب الله، ولم أعمل قناصاً، وهذا هو التزييف الذي أضافه المؤلف على الرواية". قبل ثماني سنوات عرف أبو عمر المصري، عن طريق صديق مقرب، بوجود رواية جديدة تحمل قصة حياته للروائي عز الدين شكري فشير. وقد استُخدمت صورته الحقيقية كغلاف للرواية، للإيحاء بأنها سيرته. ويقول: "تواصلت على الفور مع المحامي الخاص بي وهو منتصر الزيات، وطلبت مقاضاة كاتب الرواية، لكن فشير تواصل معي وطلب مني مستعطفاً عدم اللجوء للقضاء، لعدم سحب النسخ من المكتبات ومصادرتها، ودعاني إلى حضور ندوة ثقافية عن الرواية في ساقية الصاوي، فتراجعت عن اللجوء للقضاء، وتناسيت الموضوع، وكان طلبي الوحيد هو إزالة صورتي عن الغلاف، واستجاب فشير لطلبي واستبدل الصورة في الطبعات التالية للطبعة الأولى". وعن استقباله لتفاصيل الرواية يقول أبو عمر المصري: "حينما قرأت الرواية تعجبت من أين جاء المؤلف بهذا الخيال الذي يصنع من شخص منتمٍ إلى الجماعات الإسلامية زانياً ولوطياً وفاسقاً؟!". ويضيف أن قراره بعدم مقاضاة فشير مردّه إلى أن "واحداً من كل 100 ألف مواطن عربي من وجهة نظري يقرأ الروايات والقصص". ويتابع: "لكن حينما علمت أن الرواية تحوّلت إلى مسلسل سيشاهده عشرات الملايين، توجست خيفة من أن يلحق بي ضرر جراء عرض قصة حياتي بشكل مزيف على الشاشات، وأعتزم اتخاذ اجراءات ضد صناع العمل، إذا ما استمر تشويه سيرتي الخاصة". قبل أشهر، تواصل الفنان أحمد عز والكاتب فشير مع أبو عمر المصري وطلبا منه "عدم التعجل في إعلان الحرب على المسلسل"، كما يقول، مضيفاً أنهما وعداه "بوضع تنويه واضح يؤكد أن العمل رواية لا تتعرض بأي شكل من الأشكال لقصة حياة أشخاص حقيقين وأن أي تشابه بينها وبين قصص أشخاص في الطبيعة هو من باب المصادفة".

"الرواية لا تتجاهل الشق الإنساني في حياة الإرهابي"

من ناحيته، يقول عز الدين شكري فشير كاتب الرواية إن أحداث مسلسل أبو عمر المصري مستقاة في الحقيقة من قصة سردها في ثلاث روايات وليس في رواية واحدة، وهي "مقتل فخر الدين" و"غرفة العناية المركزة" و"أبو عمر المصري". ولأن الرواية الأخيرة حملت الاسم الحركي لصاحب القصة في التنظيمات الجهادية، فإن أبو عمر المصري ركز عليها وحدها، وقرأ تحديداً الجزء المتعلق بتوجهه نحو الجماعات الإسلامية المسلحة، و"اختزل القصة في هذه الرواية فقط، متجاهلاً الجزء الإنساني من القصة وهو المتعلق بأسباب تحوّل فخر الدين، ذلك الإنسان البسيط الذي يحترم القانون ويحلم بالمثالية ويبحث عن السلام الاجتماعي والنفسي، إلى قاتل محترف ضمن الجهاديين". وأشار فشير إلى أن القصة من خلال الروايات الثلاث تتحدث عن شخص دفعه الظلم الاجتماعي الذي لحق به إلى محاولة هدم الدنيا وبنائها من جديد وفق قناعاته الشخصية، ووفق تفسيره لمفاهيم العدل الاجتماعي".
يركّز على مرحلة تكوين الإرهابي، وعلى تبيان الأسباب المجتمعية والعقائدية التي تدفعه إلى اعتناق إيديولوجيات متطرفة... كاتب الرواية التي اقتُبس منها السيناريو وأبو عمر المصري الحقيقي والمخرج يتحدثون عن مسلسل "أبو عمر المصري"
"حينما قرأت الرواية تعجبت من أين جاء المؤلف بهذا الخيال الذي يصنع من شخص منتمٍ إلى الجماعات الإسلامية زانياً ولوطياً وفاسقاً؟!"... أبو عمر المصري الحقيقي يتحدث عن الرواية التي اقتُبس منها سيناريو مسلسل "أبو عمر المصري"
وأضاف: "لأنه لم يجد مَن يتفق معه في هذا التوجه والتفكير في مصر، في ظل الحصار السياسي والكبت الاجتماعي، اضطر إلى الهروب خارج البلاد والاتفاق مع الجماعات الإسلامية"، موضحاً أنه لم يكن هناك اتفاق إيديولوجي بين أبو عمر المصري وبين تلك الجماعات، بقدر ما كان التقاء على الهدف ذاته، وهو تغيير العالم ومحاربة الظالمين وفق معتقداتهم الفكرية. وتابع شكري فشير أن ربط الشخصيات ببعضها من خلال رويات متفرقة عبر فترات زمنية بعيدة سمح بالنضج الكامل للشخصية. فقد بدأ كتابة رواية مقتل فخر الدين في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وبعد 15 عاماً أتمّها برواية أبو عمر المصري في 2010، وكانت بينهما مرحلة انتقالية جسدها من خلال رواية غرفة العناية المركزة، كاشفاً أن في روايته الجديدة التي صدرت هذا العام، واسمها "كل هذا الهراء" سيكتشف القارئ أن ابن فخر الدين "عمر" ضمن أحداثها. وعن الضجة الكبيرة التي أحدثها المسلسل قبل عرضه، يقول فشير إنه معتاد على مثل هذا الصخب بسبب رواياته ومقالاته، ومن الطبيعي أن يستفز العمل الجماعات الإسلامية، كما تستفز مقالاته عن العدالة الاجتماعية بعض السلفيين والفلول والثوريين إلى درجة اتهامه بأنه "ميكس" من كل هؤلاء: ثوري على انقلابي على إخواني على سلفي على فلول على طابور خامس في مصر، موضحاً "أن هذه ضريبة عمل الكاتب ولا بد أن يتقبلها بصدر رحب".

الإرهاب لا يتعدّى 10% من المسلسل

يتحدث مخرج المسلسل الشاب أحمد خالد موسى عن فكرة التطرق للإرهاب والعمل الجهادي من خلال المسلسل ويقول: "بمجرد الإعلان عن بدء العمل في المسلسل، توقع الجميع أنه عمل يحكي عن الإرهاب طوال الـ30 حلقة، لكن الحقيقة غير ذلك. المسلسل يتضمن جزءاً عن الأرهاب لا يتعدى 10% من محتوى العمل الفني الذي يتضمن قصصاً درامية ورومانسية وعلاقات من نوع خاص داخل العمل بين بطل المسلسل أحمد عز والفتاة التي يرتبط بها عاطفياً، وكذلك العلاقة الحساسة جداً بين الأب وابنه". ويضيف أن "المسلسل يتحدث عن حدوتة انتقامية لمحامي يحاول الانتقام لصديقه، فيضطر للهروب إلى الخارج، والانضمام إلى الجماعات الجهادية المسلحة".
ويكشف أن "الظرف الزمني للمسلسل يتغيّر ست مرات، وكذلك أماكن التصوير تنتقل من بلد إلى آخر، تقريباً كل ست حلقات، لذلك لن يشعر المشاهد أننا بصدد التعرض لسيرة ذاتية لجهادي، كما أن المسلسل مستوحى من روايتين وليس من رواية واحدة، فالحلقات الأولى مستوحاة رواية ‘مقتل فخر الدين’ وبعد عدة حلقات تبدأ الأحداث بالانتقال إلى الرواية الثانية وهي ‘أبو عمر المصري’". وعن كواليس المسلسل، قال موسى إنه يختلف تماماً عن جميع الأعمال الدرامية التي سبق عرضها، وإنه توقع كل هذا الصخب الإعلامي حوله. وأوضح أن أحمد عز تردد كبيراً قبل قبول العودة إلى الدراما فهو ممثل يميل أكثر إلى السينما، لكن اقتناعه بالسيناريو ساهم في تراجعه عن قرار مقاطعة الدراما بعد أربع سنوات من الغياب. وتوقّع أن يلقى هذا العمل نجاحاً كبيراً نظراً إلى اختلافه عن باقي الأعمال ونظراً إلى القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي يتمتع بها البطل أحمد عز بعد فيلمه الأخير "الخلية". ويؤكد موسى أن المسلسل يسلط الضوء على قضايا اجتماعية عدة من خلال أبو عمر المصري، فهو يتحدث عن أسباب مجتمعية تساهم في تكوين الإرهابي، ويوضح: "لا نقصد هنا التعاطف مع هذا الشخص الذي اختار الانتقام لأحلامه الوردية، كما لا نقصد تجاهل وجود أسباب سياسية واجتماعية تدفع بعض الأفراد إلى التفكير في الهجرة والانضمام إلى عوالم قائمة على العنف، بل نزن الأمور لتقديم عمل يحترم عقل المشاهد". ويختم بأن العمل باختصار يتحدث عن شاب حالم تجبره حياة الفقر واليتم والظلم الاجتماعي على الهرب من واقعه نحو عالم جديد يعتقد أن العدل موجود فيه، لكنه يكتشف في النهاية أنه هرب من مجتمع قاس إلى مجتمع أشد قسوة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard