شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
ماذا يعني أن يصبح العالميُّ عربياً؟ فنانون وفنانات عرب قلبوا علاقتهم مع العالم الغربي

ماذا يعني أن يصبح العالميُّ عربياً؟ فنانون وفنانات عرب قلبوا علاقتهم مع العالم الغربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 16 فبراير 201810:30 م

في مطلع هذا العام، نشرت مجلة Dazed Digital مقالاً عن الفنان والمصور والمخرج المغربي، المقيم في لندن ومراكش، حسن الحجاج، ملقبة إيّاه بـ"أندي وارهول" مراكش. انطلقت مسيرة الحجاج الفنية من لندن حيث اشتهر في عالمي الفن السائد والبديل (alternative) وتميّز بقدرته على مزج ثقافتيه المختلفتين في أعماله الفنية. لقب بأندي وارهول لتأثيرات فنّ البوب على لوحاته، حيث أنه يخلط بين الجلابة المغربية ووسوم ماركات عالمية للموضة، وبين أيقونات دينية وعلامات تجارية لسلع معروفة. ولكنّ الحجاج هو الحجاج وليس "وارهول" المغرب.

أعمال لحسن الحجاج

في الكثير من الأحيان يقع كتاب ونقّاد الفنّ، وبالأخص في البلاد الغربية، في فخّ المقارنات التي تقلل من قيمة مساهمات فناني العالم العربي في مجالاتهم الخاصة. يريدون جعل أشخاص كحسن الحجاج وغيرهم أكثر قبولاً لدى الجمهور الغربي، فيبحثون عن من يرونهم كنظراء لهم، أو مصدر إلهام لهم من الفنانين الغربيين. ولكن هذه الممارسة تفترض ضمناً علاقة استعلائية وأحادية الجانب، تنفرد فيها الثقافة الغربية بدور المصدر للتأثيرات والإبداعات لبقية أنحاء العالم. وبذلك يأتي هذا التعريف و"المديح"، للحجاج وغيره، مغلّفاً بتداعيات مقلقة: فتغرق أصوات الفنانين العرب (أو من أصول عربية) وخصوصيتهم، في بحر "أسيادهم" الأجانب.

أعمال إبداعية عالمية بين يدي فنانين عرب

ولكن عدداً من الفنانين العرب، تختار المقالة نماذج أعمال بعض منهم، استطاعوا قلب نظام التقييم الفني رأساً على عقب، باستخدامهم أعمال إبداعية غربية وعالمية، في فنّهم الخاص، أرادوا لها أن تتفاعل مع واقع جديد، يعبر عن حال المنطقة العربية، ويسهم في المزاج الفنيّ والحركة الفنية التي تعيشها. قيمة هذه الأعمال، تكمن في أنها أعادت خلق الأدوات والمفاهيم واللغة الفنية التي قدمتها أعمال غيرهم، في مواضيع ومقاربات وأُطُر فنّهم التي تشبعت بهويتهم العربية، ولكنها لم تلتزم بحدود جغرافية أو فكرية. وبهذا ذكّرتنا بأن للفنّ لغة تسافر عبر فضاءات واسعة، وتخاطب أناساً من خلفيات متنوعة.

إعادة تعريف الإستشراق

أطلقت الفنانة السعودية غادة الربيع أول عرض منفرد لها هذا العام، "سيدي شاهن"، في معرض في مدينة جدة. استخدمت الفنانة أغلفة حلوى من القمامة، لماركات معروفة كحلوى كيت كات (Kit Kat)، وأعادت تشكيل لوحات فن تلصيقي لأعمال عالمية في طريقة تحاكي خلفيتها الحجازية.

غادة الربيع، ستي سعدة وسيدي سعيد، 2017، ولوحة مزارعي "غرانب وود" المعنونة: "American Gothic"

تشكل أعمالها نقداً للعولمة والنظام الرأسمالي، حيث أنّها تسلط الضوء على الكم الهائل من الهدر الذي ينتجه ذلك النظام. وفي نفس الوقت، تحاول الربيع الجمع بين الفن الكلاسيكي والمعاصر في طريقة مرحة ونقدية. تحول مزارعي "غرانت وود" في لوحة "American Gothic" إلى ستي سعدة وسيدي سعيد، ناقلة أبطال عصر مضى إلى واقع العولمة.

أعمال فنية عالمية تصبح عربية محلية، بعبايات وكفيّة، وجدار عازل وأبنية مزقتها الحرب
كيف نفهم حضور المونوليزا في فلسطين، أو قبلة غوستاف كليمت في الأبنية المهدمة في سورية؟
فنانات وفنانون قلبوا علاقة الإبداع العربي مع الفن الغربي
يمكننا قراءة عملها أيضاً كمحاولة لنقد مفاهيم استشراقية حكمت طريقة نظر المجتمع الدولي إلى العالم العربي، حيث تصبح شخوص لوحتها، سعدة وسعيد، شخصيات عربية.

ما هو شخصي هو سياسي

لم يكن عرض غادة الربيع نقدي الطابع فحسب، بل تطرّق أيضاً إلى موضوع النوستالجيا، خاصة الحنين إلى أيام الطفولة، فالتجارب الشخصية تشكل عنصراً أساسياً في العملية الإبداعية فغالباً ما يستنبط الفنانون خصوصية علاقتهم بماضيهم، في مقاربة حاضرهم. نضيف إلى ذلك أنّ ما هو شخصي في الكثير من الأوقات هو سياسي أيضاً، إذ تشكل السياسية بمعناها الواسع طريقة تعامل الشخص مع الآخرين والمجتمع بشكل عام، والهوية والانتماء بشكل مباشر وأكثر حميمية. لوحة غادة الربيع، "بنت الرجال"، تحاكي بشكل مباشر لوحة رينيه فرانسوا غِزلان ماغريت الشهيرة "ابن الإنسان".

غادة الربيع، بنت الرجال، 2017

من أهم الفنانين الذين جسدوا الوجه الشخصي للسياسة هو إبراهيم الصلحي، الفنان السوداني الذي ولد في أم درمان عام 1930؛ ودرس الفن في الخرطوم، ومن ثم انتقل إلى بريطانيا لإكمال دراسته. عاد الصلحي إلى السودان لتعليم الفن في جامعة الخرطوم، وكان من مؤسسي "مدرسة الخرطوم" للفن في معناها الإيديولوجي والشكلي. عمل الفنّان في القطاع الحكومي في السبعينات، ولكن خلال الانقلاب العسكري عام 1975 الذي باء بالفشل، والذي لقي منظموه عواقب كارثية إثره، وجد الصلحي نفسه معتقلاً دون تهمة، وبقي محبوساً في سجن "كوبر" الشهير مدة ستة أشهر، وكانت تلك المرحلة تحويلية بالنسبة له على الأصعدة الشخصية، والفنية والروحية، حيث مالت أعماله للرمزية والتجريد، ولكن أيضاً التصوف والحنين، تجاوباً مع الحالة التأملية والقاسية في نفس الوقت، التي اختبرها خلال انفراده في السجن، وخلالها أنتج رسومات لها خصوصية عن باقي أعماله.

إبراهيم الصلحي، المؤذن، 1977

قارن البعض أعماله برسومات بابلو بيكاسو، كطريقة لتصنيفه ووضعه في خانة محدودة ومعروفة عالمياً. لكن مساهامات الصلحي للفن أكبر من الحدود التي رسمت له ضمن هذه المقارنة، حيث أنّه واحد من أهم الرسامين الحديثيين العرب والإفريقيين. فقد ساهم في تطوير حركة فن حداثي إفريقي، جمع بين فن الخط، والفن الإسلامي وتقاليد فنية غربية. تعكس أعمال إبراهيم الصلحي مثالاً للتبادل الفكري والفنّي، حيث تجتمع مصادر إلهام عدّة في ريشته، يخلق منها نوعاً جديداً وتشكيلاً فريداً، يتناول صراعات هوياتية على الصعيد الشخصي وعلى صعيد قارّة بأكملها.

إبراهيم الصلحي، فتح خرطوم، 1989

الفن في زمن الحرب

كان الفن ملاذاً لإبراهيم الصلحي في أوقات الحرب وخلال فترة سجنه. وعندما بدأت ثورات الربيع العربي في المنطقة، عبّر الصلحي عن آرائه السياسية وعلاقته الشخصية بالحدث في "دفتر الربيع العربي"، وهو عملٌ مؤلفٌ من 46 رسومات حبر، أنتجت بتزامن مع فترة الانتفاضات العربية التي بدأت عام 2011، والتي فجرت طاقات من التمرد الإبداعي والفنّي: من كتابات على الجدران نادت بإسقاط النظام الحاكم إلى منشورات ثورية اللهجة والمبتغى، تمّ تداولها بشكل واسع على مواقع التواصل الإجتماعي. وفي هذه الفترة أيضاً، ظهرت أعمال الفنان الرقمي السوري تمام عزام كسردية واقعية لآثار الحرب المفجعة في سوريا. في لوحة “غرافيتي الحرية” (Freedom Graffiti)، عرض عزام صورة “القبلة” الشهيرة لـ"غوستاف كليمت" على صورة مباني هدمت إثر الحرب. شكلت اللوحة جزءاً من مجموعة سميت "معرض سوريا".

اختار عزام لوحات فنية مشهورة لرسامين غربيين مثل دالي وفان غوخ وعكس واقعهم على واقع سوريا فأصبحت أعماله تسلط الضوء على سكوت المجتمع الدولي وتجاهله لما يدور في سوريا. إضافة إلى ذلك، شكل مزجه للواقع والخيال؛ العالم العربي والعالم الغربي، إعادة صياغة للفن الغربي ومنحه أفقاً جديداً كوسيلة للاحتجاج.

الموناليزا في فلسطين

في خضم القرارات السياسية المتهورة والمؤلمة والمصيرية التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص القدس ومصيرها السياسي، تظهر لوحة الفنان الفلسطيني محمد خليل تجسيداً قويّاً للموقف. نرى الموناليزا تنظر إلينا دون مشاعر، ووجهها مغطّى بغشاء أبيض. خلفها، نرى المجسد الأقصى والجدار العازل العنصري وغير القانوني. حاول خليل التعبير عن فلسطين المجروحة والتي لا ترى أي أمل للسلام أو الحريّة. كما يعكس استخدام خليل للموناليزا تواطؤ المجتمع الدولي والحكومات الغربية في إيصال فلسطين إلى حالها التي هي عليه اليوم.

 محمد خليل

تعبر الموناليزا المجردة من لونها لحظة صمت عالمية تنعي فلسطين. تظهر موناليزا محمد خليل كتعبير مركب، يفعّل جوانب كارثة نعيشها اليوم.

المرأة العربية

ولكن الموناليزا عندما جلست في فلسطين، اكتسبت معنى جديداً، في تشابك وجودها مع قضايا ذات أبعاد مصيرية للشعب الفلسطيني؛ ففي استعارة مفردات الأعمال الغربية، توسيع لفضاءاتها ومعانيها، وكأن هذه الأعمال الشهيرة باتت تتحدث بلغة جديدة.

في لوحتها هنا، تقدم زغيب معاكسة لواحدة من أشهر لوحات بيكاسو، أضافت لمفرداتها الفنية، العباية، وهي ما تقدمه في الكثير من أعمالها، وتصر عليه في مخاطبة محبي الفن عبر العالم. يترجم شكل المرأة وزيها إلى الفضاء الفني، حيث رسمت الفنانة اللبنانية-الأمريكية هيلين زغيب مجموعة من اللوحات عقب انتفاضات الربيع العربي، كان هدفها منها تفكيك الأفكار النمطية عن الشرق والإسلام، وعن طريقة تعاملنا مع نتائج الحروب والتهجير. تلجأ زغيب إلى مزج رسمات لنساء محجبات مع تقنيات إبداعية لفنّانين مشهورين كأيقونة الـPop Art الأمريكي روي ليختنشتاين والهولندي بيت موندريان الذي كان من أشهر رواد المدرسة التجريدية. تسعى زغيب إلى مقاومة السرديات التي تعطي المرأة العربية مكانة سطحية، في مجموعتها "Changing Perceptions"، والتي تترجم كـ“تغيير المفاهيم” أو "مفاهيم متغيرة"، أو كلاهما معاً، حيث تستعير تقنيات وجماليات فنية معروفة عالمياً لفنانين (رجال) غربيين لتعكس هوية وحوار مشترك بين ثقافتي الشرق والغرب. 

الجِمال وشاي نعناع

ما أنجزه فنانو المعرض الافتراضي الذي أعددناه لكم، هو إعادة تشكيل العلاقة بين موضعهم كعرب ومشاريع كل منهم الخاصة بهم من جهة، وبين السوابق الإبداعية الغربية التي يعجبون بها، من جهة أخرى— بما يمنحهم فرصة استخدام عناصرها كخامات لمشاريعهم التي يقدمونها على طريقتهم وبأسلوبهم، بعيداً عن ظلّ من سبقهم. في حواره مع مجلة Dazed الرقمية، انتقد حسن حجاج طريقة استقبال الناس له حينما انتقل إلى لندن في الثمانينات قائلاً: "الجِمال والشاي بالنعناع؛ كانت تلك الفكرة الوحيدة التي عرفها الناس عن المغرب". وهذا التعليق قيّم للغاية، حيث يمكننا قراءة أعمال الفنانين المذكورين أعلاه كطريقة تحدي أفكار العالم الغربي عن العرب من خلال استخدام الشاي بالنعناع والجِمال- أي الرموز المرئية المبسطة- كوسيلة لإعادة التوجيه.

مع أنّ الفنانين الذين اخترنا بعضاً من أعمالهم هنا، يأتون من عدة بلاد عربية تواجه صراعات بعضها مشترك، وبعضها الآخر مختلف، إلا أنّ ما يجمعهم هو استخدام أعمال غربية معروفة بطريقة نقديّة تحوّل سوابق فنية إلى مصادر جديدة للإبداع. صورة المقالة، من أعمال غادة الربيع، في محاكاة للوحة الفنان الفرنسي جورج سورا الشهيرة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard