شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
رواية

رواية "المشطور": ست طرائق غير شرعية لاجتياز الحدود نحو بغداد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 7 سبتمبر 201701:47 م
في رواية "الفيسكونت المشطور" للكاتب الإيطالي "إيتالو كالفينو" (Italo Calvino)  يعود "دي ترالبا" من الحرب مشطوراً إلى نصفين، يعيش كل نصف منهما حياته المختلفة عن الآخر، فأحدهما طيّب، والآخر شرير. ولكن، كل من في القرية التي يعيش فيها النصفان بدأ يعاني منهما، وصار يشعر الجميع بالضياع بين الشر والفضيلة اللذين أصبحا "لا إنسانيين" بشكل متساوٍ. في روايته السادسة "المشطور" يحاكي الكاتب "ضياء جبيلي" رواية الكاتب الإيطالي تلك، بعد أن يسقطها على الوضع العراقي. تبدأ الحكاية مع مواطن عراقي لا نعرف اسمه، يتم سؤاله من قبل اثنين متطرفين (داعشيين) عن هويته الطائفية، وبسبب رفضه القول، وإصراره على أنه عراقي فقط، يشطرونه إلى نصفين بواسطة منشار كهربائي. "لا أعرف إن كان قاتلي الشيشاني قد قرأ الفيسكونت المشطور من قبل. أردت أن أسأله، لكني عجزت أن أفعل ذلك، فقد كنت ميتاً في تلك الأثناء، عندما كان ذلك القاتل يشطر جسدي بالطول، إلى نصفين متساويين، مستخدماً لهذا الغرض منشاراً كهربائياً لقطع الأشجار. (...) بعد أن تمت عملية الشطر، توضأ قاتلي الشيشاني، وصلى الظهر. ثم دعي من قبل زميله الأفغاني إلى الغداء. سمعتهما يتجادلان بشأني. تساءل الأفغاني عن كيفية التمييز بين شطري السني وشطري الشيعي". بعد أن يستيقظ النصفان على الحدود العراقية السورية لا يتذكران هوية الشخص الذي كانا يشكّلانه باجتماعهما، ولا أي شيء عنه، أو عن حياته، ولكنهما يتذكران رواية الكاتب الإيطالي، ويقرران البحث عنها لمعرفة كيف ألصق "كالفينو" في النهاية شطري بطله، ولإيجادها عليهما اجتياز الحدود نحو بغداد.
يسألونه عن طائفته، وبسبب رفضه القول، وإصراره على أنه عراقي فقط، يشطرونه إلى نصفين بواسطة منشار كهربائي..
هل يشبه هذا كله عراق اليوم، المشطورة إلى سني/شيعي، والتي حتى لو تم لحم شطريها من جديد فلن تعود كما كانت؟
تجري أحداث الرواية المكونة من ستة فصول على طول الحدود العراقية مع الدول الستة التي تجاورها: سوريا، تركيا، إيران، الكويت، السعودية، والأردن. فحين حاول النصفان دخول العراق بطريقة عادية لم يسمح لهما بسبب عدم امتلاكهما لبطاقة هوية تثبت شخصيتهما. ما دفعهما إلى البحث عن طريقة غير شرعية، فجرّبا الدخول بشاحنة تهرّب المخدرات، وبشاحنة تهرّب العمالة الأجنبية، وبشاحنة تهرّب الخمور... لكنهما في كل مرة، ولسبب مختلف، يجدان أنفسيهما في مكان آخر على الحدود دون أن ينجحا في الوصول إلى بغداد. رغم أن الكاتب استلهم فكرة روايته من "كالفينو" إلا أنه ذهب بعيداً عنه، فقد لاحظ أن هناك "أنا ثالثة" أهملها الكاتب الإيطالي، لصالح اهتمامه بالنصفين، معتبراً أن النصفين هما جزءا "أنا" المشطور نفسه. عمل "جبيلي" في روايته على إعادة اكتشاف هذه الأنا الثالثة، الأنا المركزية. هل يشبه هذا كله: عراق اليوم، العراق المشطورة إلى سني/ شيعي، والتي حتى لو تمّ لحم شطريها من جديد فلن تعود عراق الماضي؟ "لنفترض أن النصفين وجدا طريقة يلتصقان بواسطتهما، كأن يعثرا على رواية كالفينو، فيعودان كياناً واحداً، الذي هو أنا قبل الانشطار، أين تذهب أنا كل نصف منهما اللتان كانتا بعد الانشطار؟ وأين يذهب هذا الشيء الذي هو أنا المتحدثة عنهما؟ وهل أنا قبل الانشطار وبعد الالتحام (الكيان الأوحد) نفسي أنا التي تروي عن النصفين بعد الانشطار؟". يلعب "الجبيلي" على الغرائبية في روايته، وعلى تناسل الحكايات من بعضها، إذ يلقي بنصفي بطله في الكثير من المغامرات العجيبة، التي يلتقيان فيها مع الكثير من الناس، وبالطبع لكلًّ من هؤلاء حكايته. هكذا تناقش الرواية قضية الهوية الوطنية، مأساة الايزيديين في العراق، الحرب العراقية الإيرانية، فكرة الخوف من الموت، الحرب العراقية الكويتية ومأساة البدون، التطرف وتفكير الانتحاريين الذين "ينتحرون بنا"، الجثث مجهولة الهوية... لا يناقش الكاتب كل ذلك بشكلٍ جامد، بل يكتب بسخرية وتهكم عن كل قضية منها، ويجعل من الفكاهة والدعابة مدخلاً ليوصل فكرةً تحتاج مشاركةً من القارئ في التفكير والتأمل لإدراكها، على عكس الخفة والسرعة التي يقرأ بها الرواية. قد تكون الهوية هي أحد أبرز المواضيع التي تتم الكتابة عنها اليوم في العالم العربي، وخصوصاً بعد الحروب والثورات الأخيرة التي فجّرت هذا السؤال، وفجّرت معه الكثير من الأسئلة الأخرى، منها سؤال "العنف"، الذي صرنا نراه ونعاني منه يومياً بأشكال مختلفة.

“لكي تثبت أنك من أهل هذا البلد، لا حاجة لأن تبرز هويتك. اكشف عن جرحك، أو جنونك، أو عاهتك، أو عدد القتلى في عائلتك، أو قل أنا نازح فحسب”

في روايته "المشطور" يعيد "ضياء الجبيلي" طرح هذين السؤالين، ويناقش جوانب مختلفة منهما على امتداد صفحات الرواية، لكن ثمة مقطعاً يضعه في أحد الفصول يدمج فيه القضيتين مع بعضهما. مقطعٌ لا يمكن المرور عليه دون أن يستفز مشاعرنا وحواسنا وإدراكنا، ويترك فيها بصمته. "أما عن الهوية التي يبحثان عنها، فيمكن الاستدلال عليها من الأثر الذي أحدثه العنف فيهما، كما أحدثه في ملايين العراقيين، سواء في نفسياتهم أو في أجسادهم. أليسا هما النتيجة الغرائبية، السريالية، لعملية شطر فظيعة؟ إذن، ما الحاجة إلى هوية تعريفية، أو حتى معنوية، ما دام أن أبناء هذا البلد لا يموتون إلا بالعنف، أثناء الحروب، والحصارات، والدكتاتوريات، والغزوات والاحتلال والتناحرات الطائفية، والصراعات السياسية والإقليمية؟ لكي تثبت أنك من أهل هذا البلد، لا حاجة لأن تبرز هويتك. اكشف عن جرحك، أو جنونك، أو عاهتك، أو عدد القتلى في عائلتك، أو قل أنا نازح فحسب". ضياء جبيلي، روائي وقاص عراقي، من مواليد البصرة 1977. حائز على جائزة دبي في الرواية عام 2007، وعلى جائزة الطيب صالح في القصة القصيرة 2017. له مجموعتين قصصيتين، وست روايات: "لعنة ماركيز"، "وجه فنسنت القبيح"، "بوغيز العجيب"، "تذكار الجنرال مود"، "أسد البصرة"، و"المشطور". الناشر: منشورات الجمل/ بغداد - بيروت عدد الصفحات: 240 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع الفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard