شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
شريف المغازي أو ذلك النبيّ المقنّع الذي يكلّم شاكرات أجسادنا

شريف المغازي أو ذلك النبيّ المقنّع الذي يكلّم شاكرات أجسادنا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 28 أغسطس 201706:03 م
"إذا كانت للملائكة لغة تتحدث بها، فإنها بلا شك الموسيقى". هكذا وصف توماس كارليل الموسيقى. تسحر الموسيقى نغماً وغناءً وسماعاً قلوب من يفقهونها، تأسرهم لتأخذهم في عوالم أخرى يراها فقط ويسمعها من يحبها، هكذا وقع الشاب المصري شريف المغازي في عشق الموسيقى منذ نعومة أظافره، فأضحى أحد المهووسين بها. ظهر "حافياً ومُقنّعاً" في برنامج المواهب الشهير Arab’s Got Talent يعزف آلة غريبة هي آلة "الهاند بان"، وهو أول عربي ومصري يعزف ويدخل هذه الآلة إلى الموسيقى العربية والشرقية. رصيف22 حاوره للغوص أكثر  فأكثر في مساره الفني وحول آلة "هاند بان". 13177711_1762778690618161_5797065959317259856_n13177711_1762778690618161_5797065959317259856_n

من هو رجل الحديد؟

أنا شريف المغازي مصري أقيم في دبي منذ 10 سنوات، أحب الموسيقى وأؤلف المقطوعات الموسيقية، وأعزف على آلة الهاند بان منذ 5 سنوات، لكن قبل ذلك كانت لدي خلفية موسيقية بدأتها بالعزف منذ كان عمري 13 عاماً. كنت أعزف على الغيتار وعدد من الآلات الأخرى، وكان لدي فرقة موسيقية تعزف الروك وهيفي ميتال، وأقمنا حفلات عديدة، لكن الأمر لم يكن احترافياً. انقطعت عنها ثم سافرت إلى مدينة "دهب" بسيناء ومكثت فيها 10 سنوات، تركت الموسيقى وكنت أدرب الغطس، وأديت أكثر من 5 آلاف غطسة. ثم واصلت العزف مرة أخرى حين جئت إلى دبي وكانت أكثر الآلات التي جذبتني هي "هاند بان".

حدثنا عن آلة الـ"هاند بان".

هي آلة ممتعة لكنها نادرة، ولا يمكن أن تجدوا أحداً يعزفها في الشوارع أو الحفلات. تصنيعها يدوي وصعب، ولا توجد شركات كبرى تصنعها، ومن يصنعها هو شخص واحد أو اثنان على مستوى العالم. بدأت عام 2001 بمدينة "برن" بسويسرا، ومن صنعها للمرة الأولى ظل الوحيد الذي يصنعها حتى عام 2007 وأخذ فكرتها من آلة تسمى "كاريبيان بان"، تصنع من براميل البترول ويتم النقر على طبقتها المسطحة العليا. أما الهاند بان فهي عبارة عن صحنين من الحديد مقعرين وملتصقين من الأطراف وتبدو كظهر السلحفاة، الطبقة السفلى منه لا تحتوي على أي شيء، إذ وجودها يضبط النغمة والإيقاع ليظهر مجوفاً، والطبقة العليا هي التي تحتوي النغمات الموسيقية، وهي 8 نغمات، وفي المنتصف هناك "نقرة"، الدق عليها يعطي النغمة الرئيسية.
كل دائرة محفورة بسطح الـ "هاند بان" بمقاس مختلف وكلما كانت الدائرة أصغر كان الصوت حادا، وأعلى ونغماتها تشبه نغمات الغيتار، الوتر الأغلظ وهو الأعلى والصوت الحاد يكون في الوتر الرفيع بالأسفل. آلة الهاند بان محدودة لكنها تمزج بين الإيقاع والنغمات، وتحتاج مهارة صعبة. ولكل آلة سلم موسيقي مختلف عن الأخرى، وهناك أكثر من 250 سلماً موسيقياً يمكن لعبها على غيتار واحد أو بيانو واحد لكنها تحتاج 250 "هاند بان". بصفة عامة هناك Minor scale يعطي النغمات الحزينة وال major scale يعطي النغمات المبهجة وHejaz scale يعني النغمات العربية وBlues scale للموسيقى الأميركية. تصنيعها صعب جداً ومن الممكن أن يستغرق تصنيع الآلة الواحدة عدة أسابيع. ومنذ عام 2007 أصبح هناك شركة في أمريكا تصنعها وأخرى في إسبانيا. فالصانع يكون فرداً أو فردين على الأكثر، ويكون عدد الآلات المصنعة 50 قطعة في العام الواحد، ومع الطلب المتزايد على شرائها، أصبح لدى الشركات قائمة انتظار تصل لأربع سنوات، وأشهر شركة في أمريكا تعطي قائمة انتظار بـ 37 عاماً وهو أمر غير معقول.

وكيف انجذبت لها للمرة الأولى؟

عن طريق فيديو عبر "يوتيوب" عام 2011، وقبل ذلك بعام ونصف العام كنت أسافر لأوروبا كثيراً وأعجبت جداً بثقافتهم المحلية من لعب الموسيقى في الشارع والمترو والميادين والناس تعرض مواهبها في الشارع. كنت أبحث كثيراً عن موسيقيّ الشارع فوجدت أحدهم يمسك بهذه الآلة. صوتها لامس قلبي وأحببتها جداً منذ سمعتها. قررت وقتها البحث عنها وعن أصلها وكيفية تصنيعها وطريقة العزف عليها، ووجدت أن الموضوع شبه مستحيل، لأن قوائم الانتظار طويلة. عقب هذه الواقعة بعدة أشهر زرت جزيرة "بالي" في إندونيسيا ووجدت محل موسيقى صغيراً، وشاهدت فيه العديد من الآلات البدائية البسيطة، بعضها مصنوع من البامبو وآلة تدعى "thumb piano" أو بيانو الإبهام، وهي آلة تشبه البيانو تلعب بإبهام اليد فقط. وهناك وجدت آلة الهاند بان فاشتريتها على الفور واكتشفت بعد ذلك أنها ليست بجودة عالية لكنها ساعدتني جداً في التدريب.
عقب شرائي لها بدأت في التواصل مع مصنعيها ولاعبيها في أنحاء العالم ودخلت في قوائم الانتظار حتى حصلت على آلة ثم على اثنتين وهكذا، حتى أصبح لدي 10 آلات "هاند بان". في البداية كنت أتدرب 5 إلى 6 ساعات يومياً، فلا توجد كتيبات لها ولا أحد يعرف طريقة العزف عليها، لذا كنت أجد صعوبة في معرفة السلم الموسيقي والتدريب الجيد لإخراج أفضل النغمات، والآن أتدرب 3 ساعات يومياً. كنت الوحيد في العالم العربي الذي أعزف على الهاند بان حتى وقت قريب، اليوم أصبح هناك عازف آخر في دبي وهو صديق لي، وعازف في لبنان وآخر في الأردن و4 في مصر، أي مجموعنا في الوطن العربي لا يتخطى الـ 8.

ماذا عن مشاركتك في برنامج Arab’s Got Talent في موسمه الماضي؟

بداية كنت أرفض فكرة أن أقف أمام حُكام لتقييم أدائي على آلة يشاهدونها للمرة الأولى. كان الغرض من مشاركتي أن تُعرف الآلة في الوطن العربي، ويتكون مجتمع خاص بها وتنتشر، لأنه لا يوجد أحد في العالم العربي يعرفها أو يلعبها أو يصنعها، وكانت التعليقات التي تصلني في حفلاتي في الوطن العربي متعجبة وراغبة في معرفتها أكثر. أرسلت مقطع فيديو لإدارة البرنامج يضم عزفي على الآلة، فحددوا لي موعداً لإجراء اختبارات القبول ونجحت، ثم عرضت أمام الحكام الأربعة ووافقوا. إلا أنني لم أستمر بالبرنامج لاعتبارات خاصة بلجنة التحكيم. عقب ذلك طلبوا مني إجراء حفلة "لايف" لكني رفضت، ثم سجلت مقطع فيديو حقق نصف مليون مشاهدة، لكنني حققت هدفي بأن عرف العالم العربي آلة الهاند بان.

تظهر في مقاطع الفيديو مرتدياً أقنعة، لماذا؟ ومن أين تستوحي أفكارها؟

في برنامج Arab’s got talent ظهرت حافياً لأنني في معظم حياتي أفعل هذا، بعدما عشت 10 سنوات بمدينة "دهب" بسيناء، كانت حياتي بين الرمال والبحر وتدريب الغطس لم أعتد خلالها انتعال الأحذية، كما لا أنتعلها في الأماكن التي تحتوي على مواهب من مختلف دول العالم مثل الهند وبالي. أما الأقنعة فلدي منها أكثر من 20، وأحضرها من المهرجانات والدول التي أسافر إليها. كل بلد أزوره أحاول إحضار ملابسه الغريبة والأقنعة والاعتقادات الخاصة به، والأنتيكات القديمة لديه وكل ما يميزه عن غيره.

هل تريد لفت الانتباه إليك بهذه الأقنعة؟

على العكس، دوماً ينصحني المقربون بأن أنزع هذه الأقنعة في الحفلات، لأنه إذا رآني أحد من جمهوري في الشارع فلن يعرفني. سجلت بعض المقطوعات الموسيقية عبر فيديو، وكنت أرتدي أقنعة. في كل فيديو مختلف عن الآخر أردت إعطاء انطباع مختلف عن روح الموسيقى التي أعزفها، مثل الفنانين في الأوبرا والمسرح الذين يرتدون أقنعة تعطيهم طابعاً خاصاً ومميزاً.

ماذا عن فرقتك الموسيقية "سرمد"؟

الفرقة بدأت في مدينة "دهب" العام الماضي، ذهبت في زيارة قصيرة لعائلتي، كانت بصحبتي "هاند بان" عزفت على الشاطئ ثم وجدت شريف، وهو موزع موسيقي وملحن، وأيضاً صديق يلعب الغيتار برفقتي، وفي اليوم التالي تعرفت على عازف آخر ومغنٍ صوفي، وكان زوار المدينة يتوافدون إلينا حين نبدأ العزف.
وفي اليوم الرابع لم يكن هناك موطئ لقدم على الشاطئ الذي كنا نعزف فيه، وبسبب الكيمياء التي كانت بيننا وتعليقات الجمهور كوّنا فرقة "سرمد" من ثلاثتنا. ثم عدنا إلى القاهرة، وألفنا مقطوعة موسيقية وصورنا فيديو كليب في محمية وادي الحيتان بالفيوم، وحققت الأغنية مشاهدات عديدة وهاتفنا العديد من العاملين بالوسط الفني، ومنهم دار الأوبرا المصرية وساقية الصاوي، وشركة إنتاج عرضت علينا فتح ستوديوهاتها لتسجيل أول ألبوم لنا وتسجيل 5 فيديوهات. لكننا لا نزال ندرس العرض.

نشرت عبر صفحتك مقطوعة باسم "سيناء". ما السر وراء حبك لها؟

سيناء هو اسم ابنتي، سميتها به بسبب حبي لسيناء حيث أمضيت معظم حياتي، كما أنني تعرفت على أمها هناك.

لديك مقطوعات موسيقية باسم "روح" و"حرية"، هل هناك فكرة محددة تريد إيصالها عبر موسيقاك؟

بالطبع، فكرة السلام النفسي والهدوء والعلاج بالموسيقى، أشعر أن الموسيقى أقرب شيء يمكن أن يصل إلى الإنسان في أي مكان في العالم، وهي اللغة الوحيدة المفهومة، ويمكنك بها التواصل مع من لا تجيد لغته سواء بموسيقى هادئة أو صاخبة. فهي تنقي الروح وتجمع الناس على شيء واحد مع اختلاف دياناتهم، لذا أحاول أن تكون رسالة موسيقاي عن الاتحاد والإخاء والسلام والحب.

وكيف تستخدم الهاند بان في إيصال رسالة السلام؟

أستخدم الهاند باند وعدداً من الآلات الموسيقية الآخرى هنا في دبي لل"sound healing"، أي العلاج بالأصوات، كما أستخدم آلات acoustic عديدة أثناء حصص العلاج التي تستمر ساعة، أقوم خلالها بعزف الموسيقى والناس في حالة استرخاء، وأثناء ذلك يذهبون في رحلات داخل عوالمهم الخاصة وربما يتذكرون حوادث سيئة، وممكن أن تجدوا من يبكي وآخر سعيداً، يختلف الأمر باستقبال كل شخص للموسيقى وتلامسها مع وتر الذكريات لديه، كما تساعدهم الموسيقى على تفتح مناطق محددة في المخ تعينهم على حل مشاكلهم والتخلص من الطاقة السلبية لديهم.
هذه الطريقة بدأت في جبال التيبت في منغوليا عبر العزف على آلة "Tibetan ball"، التي تشبه صحن الطعام ومصنوعة من نوع محدد من الحديد، عند الطرق عليها تظل تتردد كثيراً وتفتّح مناطق الإحساس في الجسم Chakras وتقوم بتوحيد هذه المراكز وتسبب حالة استقرار نفسي وتوازن. تعلمت هذه الطريقة عبر سفري كثيراً لآسيا، وترددي على مناطق مختلفة منها، خصوصاً هؤلاء الذين يستخدمون الموسيقى والطاقة في العلاج وصعدت إلى الجبال التي يسكنون فيها. كما سافرت إلى "ريشيكاش" بالهند وهي منبت اليوغا والعلاج بالأصوات في العالم كله وتعرفت فيها على مدربين مهمين.

ماذا عن "زار"؟

لي صديق من جنوب إفريقيا اسمه "ماثيو" كوّنا معاً فرقة كنت أعزف فيها على الهاند بان وهو على الساكسفون. لدي أكثر من مشروع في الموسيقى، منها فرقة "يا لا بينا" التي أسستها في الهند، وفرقة "ساوند فول" في دبي مع فتاة تعزف الهارب وأخرى تعزف الفلوت، و"سرمد" في مصر، و"زار" في دبي مع عازف الساكسفون ماثيو.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard