شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"لا أحد لي سواك": قصة امرأة تعيش تحولات مدينة الدوحة  

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 10 أغسطس 201712:03 م
تقدّم "شمة شاهين الكواري" في روايتها الأخيرة "لا أحد لي سواكِ" سيرة مختصرة للتحولات التي طرأت على قطر خلال العقود الخمسة الأخيرة، والتغييرات التي رافقت هذه التحولات وانعكاساتها على حياة الناس ومعيشتهم. تصف الرواية يوماً طويلاً من حياة البطلة التي يبقى اسمها مجهولاً، يبدأ باستيقاظها صباحاً وقد قررت أن تعدّ بنفسها الوليمة التي سيقيمها زوجها مساءً، فتذهب إلى السوق في وسط مدينة الدوحة، وتعبر شوارع وأمكنة تعيد إليها ذكريات كثيرة وأحداث حياةٍ عاشتها على امتداد إحدى وخمسين عاماً. "الشوق للماضي أمر طبيعي، تكبر أجسادنا وتسكن قلوبنا براءة الطفولة والذكريات الأولى. عندما أستعيد ذكرياتي فإني حينها أستعيد أيامي المضيئة، ويضحك قلبي ضحكة صادقة من القلب. (...) الكثير من البقع البيضاء الفارغة تكتنف ذاكرتها، تومض، ثم تقترب. تريد أن تتحدث. تريد أن تفهم. ما الذي حدث؟ في هذا الوقت، في هذه الفترة من حياتها، تريد أن تثبت لنفسها، أن شيئاً ما لا يزال باقياً". هكذا، ومن خلال هذه الذكريات تعود البطلة إلى طفولتها ومراهقتها ثم إلى أيام زواجها الأولى مروراً بكل تلك السنوات التي أنجبت فيها أولادها، لتستعرض حياةً تشبه حياة أي فتاة أو امرأة في مجتمعاتنا العربية، بما فيها من معاناة وصعوبات. تبدأ هذه الصعوبات منذ الطفولة، حيث يتم التمييز بينها وبين إخوتها الذكور، ثم تأتي مرحلة الزواج لتكرّس نوعاً من سلطة الزوج وسطوته، ثم ينتهي بها المطاف لتصبح مستغلَةً من قبل أولادها سواء في طفولتهم ومراهقتهم أو حتى بعد زواجهم. تجري الكاتبة نوعاً من التوازي بين حياة بطلتها والتغييرات التي طرأت على مدينة الدوحة، فأثناء رحلتها الطويلة بين بيتها وسوق "واقف" تمر البطلة على عدة أمكنة واصفةً كيف كانت في ما مضى وكيف أصبحت الآن بعد أن اختلف نمط البناء واختفت أنواع الأشجار التي كانت تحبها، والتي كانت تزيّن شوارع مدينتها، واختفت البساطة التي كانت موجودةً في هذه الشوارع.
ستفاجأ بحقيقته حين يعلن: "لا أحد لي سواكِ". لم كل هذا الجفاء والمعاملة الفظة إذاً؟
كل التحولات التي طرأت على قطر خلال العقود الخمسة الأخيرة بعيون امرأة
"فريج أم غويلينة يفتنها، ذكرياته تسكنها، تعشق المرور في شوارعه الضيقة، تتعمد ذلك. تبحث عن منزل أبيها، منزل سكنه مع جدتها وأمها في ستينيات القرن الماضي. تتفرس في شكل ما تبقى من مساكن قديمة. لعل في هذا البيت سكن ابن عم أبيها، أو ابن خاله، أين هم؟ ذهبوا. أين بقية البيوت؟ هدمت. لم يعد فريق أم غويلينة كما كان، لم يعد له أثر من معالمه القديمة إلا اسمه". تسلّط الرواية الضوء على قضية كثيراً ما طرقت في الرواية العربية، هي قضية المعتقدات الموروثة والتي تصنف الناس إلى طبقات وفقاً لأعراقهم وجنسياتهم، وكيف أن الناس في مجتمع معيّن يعتبرون أنفسهم أرفع وأعلى من الناس المتحدرين من دول ومجتمعات أخرى. زوج بطلة الرواية يظل يعايرها بأصل أمها الكشميريّ ونسبها، هذا فضلاً عما تعرض إليه والدها من معارضة العائلة لزواجه بامرأة غريبة، ثم ما تعرض له من مضايقات المجتمع بعد اتخاذه للقرار، وكيف أنه في نهاية المطاف وجد نفسه منقاداً لهذه العقلية نفسها، بعد ولادة ابنٍ له ورث لون العينين الأزرق من زوجته، إذ ضاع عقله وبدأ يفكر كيف سيتمكن ابنه من الحياة في مجتمع سيعايره طوال حياته بلون عينيه. تدخل الكاتبة إلى أعماق بطلتها، ترسم دواخلها وما عانته في مجتمعها، وكيف انعكس ذلك على شخصيتها، وتركز بشكل خاص على ما عانته في زواجها من رجل لم يبادلها أي مشاعر، ولم يعطف عليها يوماً، بل كان يجافيها ويتصرف بطريقة أشبه ما تكون بالعدائية معها. لكنها حين تقرر أن تكاشفه بكل ما يعتمل في صدرها، ستفاجأ بحقيقته حين يعلن: "لا أحد لي سواكِ". لم كل هذا الجفاء والمعاملة الفظة إذاً؟ الجواب تكتبه عقلياتنا التي تصنع مجتمعات ذكورية ترسم أنماط وأشكال العلاقات الإنسانية وترغمنا على قبولها والدخول في لعبتها. شمة شاهين الكواري روائية قطرية، حاصلة على ماجستير السياسات العامة في الإسلام من جامعة "حمد بن خليفة" عام 2013. نالت عدداً من الجوائز التكريمية والفخرية والتشجيعية، منها جائزة الدولة لأدب الطفل عام 2014 عن روايتها "شاهين"، والجائزة التشجيعية من مؤسسة عبد الله الغني للتواصل الحضاري عام 2015 عن بحثها "نحو تأصيل علم الغرب/ علم الاستغراب". أصدرت كتباً للأطفال، وعدة مجموعات قصصية، وعدة روايات من بينها: "النورهان"، "هتون نور العيون"، "العين ترى ما تحب"، "ألقاك بعد عشرين عاماً". الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت عدد الصفحات: 230 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع الفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard