شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
رواية

رواية "تفصيل ثانوي": جريمة اغتصاب تتكرر كل يوم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 20 يوليو 201712:40 م
تختار الكاتبة الفلسطينية "عدنيّة شبلي" في روايتها الثالثة "تفصيل ثانوي" أن تكتب رواية قصيرة عن حكاية فتاة من النقب تتعرض لاغتصاب جماعي من قبل جيش الاحتلال عام 1949، وحكاية فتاة أخرى تحاول البحث عن تفاصيل تلك الجريمة بعد خمسين عاماً من وقوعها. هكذا تنقسم الرواية إلى قسمين اثنين لكل منهما عالمه المستقل، وسرده المختلف. في القسم الأول الذي يجري في شهر أغسطس من عام 1949 سنكون أمام كتيبة عسكرية إسرائيلية تخيّم في بقعة من صحراء النقب، مهمتها ترسيم الحدود الجنوبية مع مصر ورصد تحركات المتسللين العرب. "ملأ ضوء شمس العصر فتحة الخيمة، ممتداً عبرها إلى داخلها لينبسط فوق الرمل، مبيّناً النتوءات الصغيرة العديدة التي شكلتها أقدام الجنود على سطحه. افتتح هو الحديث شارحاً بأن مهمتهم الرئيسية أثناء تواجدهم هنا، ستكون، بالإضافة إلى ترسيم الحدود الجنوبية مع مصر ومنع المتسللين من اختراقها، تمشيط القسم الجنوب – غربي من النقب وتنظيفه من بقايا العرب، فهناك معلومات من مصادر عسكرية جوية تفيد بوجود تحركات لهم ولبعض المتسللين". في أثناء مهمتها تلك تجد الكتيبة فتاةً بدوية ملقاة في العراء وهي في حالة صعبة، فيأخذونها معهم إلى المعسكر، وهناك - رغم تحذيرات القائد بعدم الاقتراب منها - فإنهم يتناوبون على اغتصابها قبل أن يقرر القائد قتلها ودفنها في الصحراء. تبتعد الكاتبة عن أي خطاب سياسي مباشر في ما يتعلق بالاحتلال، مخالفة بذلك ما تلجأ إليه معظم الروايات الفلسطينية، بل تكتفي في القسم الأول بسرد الجريمة وسرد تفصيل يتعلق بلدغة يصاب بها الضابط في أول أيامه في المنطقة، وتترك آثارها على ساقه فجوةً من اللحم المتآكل المتعفن. كل ذلك ترويه من وجهة نظر راوٍ لا يكشف من الحكاية إلا ظاهرها، تاركةً للقارئ التأويل والإسقاط وكشف الرموز، بينما تلجأ في القسم الثاني من الرواية إلى السرد على لسان شابة فلسطينية تقرأ في إحدى الصحف بعد أكثر من خمسة عقود مقالاً عن تلك الحادثة.
كلتاهما، الجريمتان، تتكرران كل يوم، بطرق عديدة وأساليب مختلفة، الضحية واحدة والمجرم واحد
قصة فتاة فلسطينية تتعرض لاغتصاب جماعي من قبل جنود إسرائيليين. ما سيستوقف البطلة بعد 50 سنة هو تفصيل ثانوي
يشدّها في الحادثة تفصيل ثانوي يتعلق بأنها جرت في نفس يوم مولدها قبل 25 عاماً، ما يدفعها برغبةٍ مجنونة وغامضة إلى البحث عن معلوماتٍ أكثر عن تلك الفتاة وتلك الجريمة. "بالطبع، قد تبدو هذه نرجسية خالصة، حقيقة أن ما شدني إلى تلك الحادثة وجعلها تستحوذني هو مثل هذا التفصيل الثانوي، مقارنةً مع تفاصيلها الرئيسية الأخرى التي يمكن وصفها بالمفجعة. وهو أمر محتمل جداً، وجود هذا النوع من النرجسية عند المرء. (...) لكن، بما أني لا أحب حياتي بشكل خاص، ولا الحياة عامة، فإنني أشك في أن تشخيص النرجسية ينطبق عليّ كليةً هنا. إنما هو أمر آخر، له صلة أكبر بعدم قدرتي إياه على تمييز الحدود بين الأشياء، والحكم على الأمور بشكل منطقي وعقلاني". ترصد الرواية صعوبة التنقل لأي فلسطيني بين المناطق المختلفة لفلسطين، فقوات الاحتلال تمنع أي شخص يقيم ويعمل في منطقة ما من الذهاب إلى مناطق تقع خارج نطاق منطقته، هذا عدا عن الحواجز العديدة والمذلة التي يضطر الشخص إلى المرور عبرها، وتحمّل مضايقات عديدة بسببها. ولأن المعلومات التي تبحث عنها الشابة توجد في متاحف وأرشيفات تقع في أماكن لا تؤهلها بطاقتها الخضراء الذهاب إليها، فإنها ستلجأ إلى استعارة بطاقة هوية صديقتها الزرقاء، معتمدة على أن "كلنا نشبه بعضنا بعضاً من وجهة نظر الجنود على الحاجز"، وبأنهم لن ينتبهوا إلى الفرق في الصورة بين البطاقة وبينها لأنهم "بالكاد ينظرون إلى المرء الواقف عند الحاجز لشدة ازدرائهم له". تعتمد الكاتبة لعبة المرايا في روايتها، فما تفاصيل حياة الشابة الفلسطينية في القسم الثاني إلا مرآة لحياة الشابة البدوية في القسم الأول، كلتاهما مغتصبة، واحدة جسدياً والثانية نفسياً، وما جريمة القتل التي حدثت أولاً إلا مرآة لجريمة أخرى ستحدث لاحقاً. كلتاهما، الجريمتان، تتكرران كل يوم، بطرق عديدة وأساليب مختلفة، الضحية واحدة والمجرم واحد. عدنيّة شبلي، كاتبة فلسطينية من مواليد 1974، حاصلة على الدكتوراه من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في لندن 2009. تعمل في مجال التدريس الجامعي والبحث الأكاديمي. حازت روايتاها الأولى "مساس"، والثانية "كلنا بعيد بذات المقدار عن الحب" جائزة مؤسسة عبد المحسن قطان في عامي 2001، 2003. لها أيضاً كتاب فني بعنوان "حراك" حاورت فيه خمسة عشر فناناً تشكيلياً فلسطينياً. الناشر: دار الآداب/ بيروت عدد الصفحات: 128 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard