شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رواية

رواية "بكارة": الثورة التونسية وخيالات الجنس وأوهامه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 15 يونيو 201701:50 م
يقارب الروائي التونسي "الحبيب السالمي" في روايته الأخيرة "بكارة" موضوعاً ما زال شديد الحساسية في مجتمعاتنا العربية، هو موضوع غشاء البكارة، ويناقش ما يرتبط به من خيالات واستيهامات في وعي الإنسان الشرقي ومخيّلته. تجري أحداث الرواية في إحدى القرى التونسية النائية، وتحديداً بعد انطلاق الثورة التي تصل أخبار متفرقة عنها إلى هذه القرية، غير أن سكانها مشغولون بالحديث عن شيء آخر: إشاعة تزعم أن "مصطفى" الذي اختاره "البشير" وزيراً له في ليلة عرسه، هو من قام بالنوم مع العروس، بعد فشل الأخير في افتضاض بكارتها. و"الوزير" حسب ما تقضي العادات في الريف التونسي هو شخص يختاره العريس من أصدقائه المقرّبين، تكون مهمته تقديم المساعدة في "ليلة الدخلة" بإبداء النصح حول الوضعيات المناسبة لتسهيل العملية الجنسية، ثم الانتظار أمام باب الغرفة ليأخذ من العريس القميص الملطخ بدم العذرية، ويعرضه أمام الجميع. ورغم مرور سنوات طويلة على هذه الحادثة فإن الإشاعة لم تخرج إلا الآن، وبدأ الجميع يتداولونها، حتى وصلت إلى الصديقين القديمين، الذين يعرفان الحقيقة ولا يكترثان بما يقال. غير أن هذه الأقاويل ذكرتهما بشيء آخر حصل في تلك الليلة البعيدة، حاول كل منهما نسيانه، وهو أن "مصطفى" رأى من زوجة صديقه ليلة الدخلة ما لا يحلّ له أن يراه، حين دخل ليساعدهما في اختيار الوضعية المناسبة، وهي إحدى واجباته كوزير. "في اللحظة التي استدار للخروج من الغرفة والعودة إلى مخبئه في الممشى، زلّت قدمه على طرف الحصير. حاول أن يظل واقفاً، لكنه فقد توازنه وسقط على الأرض. ولمّا رفع رأسه لينهض، وجد نفسه بين ساقي مبروكة المفتوحتين، والأخطر من ذلك وجهاً لوجه أمام أنوثتها. هكذا، رأى ما لا يحلّ له أن يراه".
غشاء البكارة وكل ما يرتبط به من خيالات واستيهامات في وعي الإنسان الشرقي، في رواية الحبيب السالمي الجديدة
تزامنا مع انطلاق الثورة في تونس، تشغل إشاعة بال سكان القرية: مصطفى هو من “فض بكارة” العروس بعد فشل زوجها
يتخذ "السالمي" من هذا الحدث مدخلاً لينبش أعماق بطليه، ويعريهما أمام القارئ، يسرد كيف فجّرت هذه الإشاعة كل الأفكار المرتبطة بموضوع البكارة والجنس والحب لديهما. "البشير" تراوده أسئلة وشكوك: كم رأى صديقه في الضوء الخافت؟ هل رأت زوجته ما حدث أم أنها لم تنتبه لأنها كانت مغمضة العينين؟ هل "مصطفى" هو من أطلق هذه الإشاعة؟ بسبب هذه الشكوك والأفكار التي تراوده، فإنه حين يلتقي بزوجة صديقه مصادفة في الحقل يحدق في صدرها، ويشتهيها، من دون أن يعتبر الأمر خيانة لصديقه، بل يراه نوعاً من العدل ومن الإنصاف الإلهي الذي جاء بعد سنوات طويلة. في المقابل، فإن "مصطفى" أيضاً، تستفزه الإشاعة وتحرّك في داخله رغبات دفينة: لماذا لم ينظر إلى أنوثة "مبروكة" حين وقع في تلك الليلة؟ ولماذا ما زال حتى الآن يشتهيها ويرغب فيها رغم أنها زوجة صديقه ورغم أنها تقدمت في السن؟ هكذا، يكشف الكاتب تناقضات بطليه، وعيوبهما، ومآزقهما الشخصية، ووعيهما الهش لمواضيع البكارة والجنس والحب، وما هاتان الشخصيتان إلا صورة مصغّرة عن مجتمعنا الشرقي بكل تناقضاته وعيوبه. تبدو الشخصيات النسائية في هذه الرواية وكأنها مجرد إكسسوار مكمل للأحداث، فكلاً من "محبوبة" زوجة مصطفى، و"مبروكة" زوجة البشير، لا تحضران بصورة فاعلة في الحبكة، شخصيتان تتأثران بما يحدث دون أن تؤثرا فيه. تستثنى من ذلك شخصية "منوبية" والدة "مبروكة" التي تستفزها الإشاعة، وتعتقد اعتقاداً جازماً بأن "مصطفى" هو من أطلقها، فتبدأ بتحريض زوجها لقتله، وفي سبيل ذلك تستخدم جسدها كوسيلة إقناع لا يمكن صدها. "تميل منوبية على حامد المتمدد على الفراش، ثم تهمس في أذنه: "وجدتها". يفتح عينيه ويسأل بلا اكتراث: "وجدت ماذا؟". تجيبه: "الحيلة التي سنقتل بها مصطفى". تتمدد بجواره. وكما في المرة السابقة، تدس يدها تحت ثيابه وتداعب بطنه. "حيلة لا يمكن أن تخطر بباله". تنحدر يدها إلى أسفل بطنه".

يكشف الحبيب السالمي تناقضات بطليه، ومآزقهما الشخصية، ووعيهما الهش لمواضيع البكارة والجنس والحب... وما هاتان الشخصيتان إلا صورة مصغّرة عن مجتمعنا

يسرد "الحبيب السالمي" روايته على خلفية الثورة التونسية، فينطلق من الحدث الصغير الذي يشكّل عقدة الرواية (الإشاعة) ليتطرق إلى الحدث الكبير، وهو هنا أصداء الثورة كما وصلت إلى القرى البعيدة والنائية، وكيف بدأت التعبيرات السياسية تبلغ مسامع هؤلاء الناس البسطاء، فبدؤوا يحفظونها ويرددونها ويحاولون اكتشاف معانيها. هكذا يدركون أن "الآن بعد الثورة لا أحد يجبرك على أن تضع الورقة الحمراء في صندوق الانتخابات... بل تضع الورقة التي تريد"، وأن الديمقراطية تعني "أن الحاكم يسمع كلام المواطنين". الحبيب السالمي، روائي تونسي من مواليد عام 1951، وهو يقيم في باريس منذ أكثر من ثلاثة عقود. له مجموعتان قصصيتان، وعشر روايات، وقد ترجمت أعماله إلى الإنكليزية، الفرنسية، النرويجية، العبرية، الألمانية، الإيطالية، وغيرها. من أبرز رواياته: "جبل العنز"، "عشاق بية"، "أسرار عبد الله"، "عواطف وزوارها"، وقد وصلت روايتاه "روائح ماري كلير"، و"نساء البساتين" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورتي 2009 و2012. الناشر: دار الآداب/ بيروت عدد الصفحات: 208 الطبعة الأولى: 2016
يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard