شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
رواية

رواية "لعبة السعادة"، أو كيف تشوّهنا الديكتاتوريات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 11 مايو 201712:23 م
يعود "بشير مفتي" في روايته الجديدة "لعبة السعادة" إلى مرحلة تاريخية محددة وحاسمة في تاريخ الجزائر، هي الفترة الممتدة بين عامي 1963 و1978، والتي شهدت تحولات سياسية واجتماعية كان لها أثر بارز في صياغة مستقبل الجزائر. في أغلب رواياته يركّز "مفتي" على الإنسان الفرد، فيكون هناك بطلٌ واحد تتبّع الرواية حياته والتغيّرات التي تطرأ عليها، وتكون كل الشخصيات الأخرى شخصيات هامشية وثانوية لا تظهر في السرد إلا لماماً لتبيان أثرها على حياة الشخصية الرئيسية فقط. في "لعبة السعادة" يتتبع الكاتب سيرة "مراد زاهر" وكيف انعكست التحولات الخارجية عليه وأثّرت في تكوينه. "أجدني متعباً من ذكريات حاولت دائماً نسيانها، والتنكر لها، أو الهرب منها، مع أنها كانت حياة مثل آلاف الناس العاديين الطبيعيين الذين ولدوا في مرحلة ما بعد الاستقلال بخمس سنوات فقط، والذين تأثروا بهذا العنف الثوري والعنف المضاد، دون أن يكون لهم وعي بما حدث وما يحدث أمامهم. أنتمي إلى فترة مصنوعة من عرق ودماء وأحلام جزائريين كثيرين انفجرت في وجوههم شرارات العنف، وحوّلوا عنفهم إلى قوة للخروج من دائرة الاستعباد، وصنعوا في دوامة كل ذلك لحظتهم التاريخية". يثبت الكاتب عنواناً فرعياً للرواية هو "الحياة القصيرة لمراد زاهر" ذلك أن الرواية تلخص حياة بطلها مذ كان طفلاً قروياً بسيطاً يسير يومياً من قريته إلى البلدة لمتابعة دراسته، وحتى وفاة أمه التي سببت له ألماً كبيراً وكانت نقطة البداية لتحولاته، فبعد وفاتها يأتي خاله ويصطحبه ليعيش معه في العاصمة، هناك حيث سيكمل دراسته وينخرط في الحياة السياسية لأوساط الطلبة، لتبدأ سلسلة الهزائم في حياته، فيعاني من تسلط خاله وجبروته، ذلك أن الأخير صاحب سلطة ونفوذ كبيرين، فهو ينتمي إلى القيادة التي وقفت مع "الهواري بومدين" في انقلابه على الرئيس السابق "أحمد بن بلة"، كما أنه أحد رجالات الثورة ضد المستعمر.
أخيراً أيقن أن لا شيء يصنع السعادة إلا امتلاك السلطة والقدرة على التحكم في الآخرين.. رواية "لعبة السعادة"
رواية تختصر في صفحاتها تحولات الذات، وكيف تغيّر الديكتاتوريات الإنسان وتجعله كائناً آخر مشوّهاً
تمثّل شخصية الخال نموذجاً للمتسلقين على أكتاف الثورات، والذين يجعلونها وسيلة لتحقيق المكاسب ولبناء سلطتهم المطلقة، باسم الشرعية الثورية، أولئك الذين لا يتورعون عن القيام بأي شيء في سبيل فرض سيطرتهم على الآخرين. هكذا يسلط الكاتب الضوء على ما كان يحصل في كواليس الحكم، وكيف أن هذه الحقيقة أطاحت بأحلام جيل كامل من الشباب كان لديهم أحلام رومانسية عن الثورة فاصطدموا بالواقع المغاير. "لم تكن نقطة العتمة ظاهرة في البداية، أو ربما شاهدتها وتقصدت إغفال النظر إليها. لم أر في خالي بن يونس إلا ما رغبت في رؤيته: الجانب الطيب والإنساني، الجانب التاريخي لرجل كافح مع قادة الثورة، وأخذ حقه بعد الاستقلال، نجح في الحصول على مكانة معتبرة مقربة من الجهة العليا في الحكم، أملاكاً وامتيازات اعتبرها من حقه، كما فعل عدد كبير من القيادات وحتى صغارهم. كانت تصل آذاننا بعض الحكايات عن النهب الذي حصل والأملاك التي أخذت حتى من أهلها عنوة". يرسم الكاتب صورة عن الأوضاع في الجزائر في الفترة التي تلت الاستقلال، ويرصد الحكم الشمولي الديكتاتوري الذي كان أسلوبه دائماً تصفية معارضيه، وإسكات أصواتهم، سواء باغتيالهم كما حدث مع "ناصر الدمشقي"، أو باعتقالهم: "نصيرة" و"فطيمة"، أو بتدجينهم "مراد زاهر" نفسه، الذي أعدّه خاله وهيأه ليكون واحداً من رجاله الذين يجب أن يطيعوا جميع أوامره حتى لو كانت عكس رغباتهم. هكذا يجبر الخال ابن أخته أن يتزوج من ابنته شكلياً لإخفاء فضيحة حملها من صديقها، ورغم أن مراد يحب فتاةً أخرى، إلا أنه لا يستطيع إلا الامتثال لسلطة خاله، وما قصة مراد إلا تجسيداً رمزياً لشعب كامل يعاني من الديكتاتورية. تحاول الرواية على لسان بطلها طرح سؤال السعادة ومعناها، فمراد زاهر كان دائم البحث عن السعادة، وتوهمها في ملذات الجسد، في الحب، في الكثير من الأشياء، لكنه أخيراً أيقن أن لا شيء يصنع السعادة إلا امتلاك السلطة والقدرة على التحكم في الآخرين. رواية "لعبة السعادة" تختصر في صفحاتها تحولات الذات، وكيف تغيّر الديكتاتوريات الإنسان وتجعله كائناً آخر مشوّهاً. بشير مفتي روائي جزائري من مواليد عام 1969. تنتمي رواياته إلى تيار الواقعية، ويركّز فيها على ثيمة اغتراب الفرد عن مجتمعه. له ثلاث مجموعات قصصية، وعشر روايات، من أبرزها: "أرخبيل الذباب"، "شاهد العتمة"، "أشجار القيامة"، "أشباح المدينة المقتولة"، "غرفة الذكريات". وصلت روايته "دمية النار" إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية عام 2012. وقد ترجمت بعض رواياته إلى اللغة الفرنسية. الناشر: منشورات ضفاف/ بيروت – منشورات الاختلاف/ الجزائر عدد الصفحات: 180 الطبعة الأولى: 2016
يمكن شراء الرواية من موقع الفرات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard