شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
رواية

رواية "نزهة عائلية": ما سبب كل هذا العنف في عالمنا العربي؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 27 أبريل 201707:34 م
لا نعرف سبب التسمية في رواية "نزهة عائلية" للكاتب اليمني "بسام شمس الدين" إلا في الفصل الأخير، إذ يبقى فهم عنوان الرواية صعباً علينا رغم مرور الصفحات وتبدّل الأزمنة والأمكنة وتطوّر الشخصيات فيها، ولن يرد ذكر هذا العنوان إلا في الصفحات الأخيرة مشكلاً بذلك إحدى ذروات حبكة الرواية، وما سيقود إلى حدثها النهائي والأخير. يبدأ الكاتب اليمني روايته دون مقدمات، حدثٌ ابتدائي يقود إلى سلسلة من الأحداث المتتالية التي تتصاعد وصولاً إلى النهاية، ضمن حبكة مدروسة جيداً تروي حكاية الأعراف القبلية. الشخصية الأساسية في العمل هو "مأمون" الذي يعمل جزّاراً، والذي يكون في حانوته حين يطلق نقيب قبيلة "آل شهوان" النار على نقيب قبيلة "آل طعيم" فيقتله، مخالفاً بذلك أعراف القبائل التي لا تجيز حمل السلاح في السوق، ومجدداً سلسلة عداوات بين القبيلتين. يلجأ إلى حانوت الجزار فتى مرتعب، هو ابن النقيب المقتول فيخبئه ويحول دون قتله هو الآخر، جالباً على نفسه غضب القبيلة الثانية. "أخرجت النظرات المسترحمة الرجل من جموده، وعرف أن الفتى يطلب المساعدة، فتمنى لو يلوذ بحانوته من تلقاء نفسه، واستغرب بقاءه بلا حراك رغم الخطر المحدق به. لم يدرك مأمون أن جسده الضخم كان يسدّ المدخل، وأتت أصوات المسلحين التحذيرية كأنها قادمة من بعيد: أيها الجزار، أوصد حانوتك، لا شأن لك، دع الفتى... هرعوا صوبهما صارخين، فتراجع خطوة إلى الوراء بخوف تلقائي، وقفز الفتى إلى الداخل، فسحب مأمون باب الحانوت وأوصده بسرعة". تناقش الرواية فكرة الأعراف القبلية، وسيطرتها على الناس، وكيف أنها محمية من قبل من هم أكبر سناً، إذ يحرصون على عدم خرقها وعلى نقلها من جيل إلى جيل، وهو ما يستدعي أن يكون لكل قبيلة "جدة" تكون عارفة في كل هذه الأعراف وخبيرة بها، فيسألونها في كل أمر يجهلونه أو يحتارون فيه، وتجيبهم هي بناءً على الأعراف التي ورثتها عمن سبقها، ويشكّل خرق هذه الأعراف مسألة كبيرة لا يجوز التساهل معها. وأول ما تشدد عليه هذه الأعراف هو ضرورة الانتقام لمقتل نقيب القبيلة، ولا يجوز لأحد من مقاتلي هذه القبيلة الانتقام في حال وجود ابنٍ للنقيب، هكذا يتم إرسال الفتى الصغير الذي أنقذه الجزار ليتلقى تدريباً قاسياً طوال سنوات، ليكون بعدها قادراً على الثأر، وحين يعود فإن أول ما يفعله هو الزواج لإنجاب وريثٍ له، كي يقود القبيلة من بعده في حال مقتله أثناء انتقامه. وأما "مأمون" الذي تركّز الرواية عليه وتتبع نمو شخصيته وتطورها، فإنه يدرك أنه سيظل بلا أهمية في أعراف هذه القبائل التي وجد نفسه متورطاً في صراعاتها، فهو ينتمي إلى فئة "البيَع" وهي فئة أدنى منزلة في سلم الطبقات الاجتماعية القبائلية، وسيجد أن الشيء الوحيد الذي سيرفع من شأن ابنه أن يذهب إلى المدينة ويدرس القراءة والكتابة، قبل أن يسهم هو بنفسه في إتمام مشروع بناء منشأتين حكوميتين في القبيلة هما المشفى والمدرسة.
في قراءة هذه الرواية جزء كبير من الإجابة على تساؤل يراودنا كثيراً: ما سبب كل هذا العنف في عالمنا العربي؟
تظهر الرواية كيف أن أصحاب السلطة في القبيلة يعارضون بشدة بناء هاتين المنشأتين، لأنهم يرون فيهما ما يهدد الأعراف التي جهدوا للمحافظة عليها. "أخيراً قال له النقيب هزام بضجر: هل التلاميذ الذين يدرسون في سن تسمح لهم بحمل البنادق والحرب؟ - لا أيها النقيب، لكن كتبهم تزخر بالدروس التي لا تجيز حمل السلاح أو الأخذ بالثأر، وهذا شيء خطير، حيث لن يقبل أحد من الدراسين في المستقبل الصعود إلى الجبال. – نعم، هذا ينافي طبيعتنا وأعرافنا". هذا هو الصراع الأساسي الذي يركّز عليه الكاتب في حكايته، وهو صراعٌ ما زلنا نعيشه اليوم وإن بأشكال ومسميات مختلفة: الصراع بين التقدّم الذي يحمله التعليم وما يتبعه من أفكار عصرية في قبول الآخر ونبذ التعصب والتطرف، والتقاليد الموروثة التي تحملها الأعراف (أو التقاليد والمعتقدات الموروثة). ينقل الكاتب هذا الصراع إلى الجيل التالي: حفيد النقيب المقتول الذي يرمي وراء ظهره بكل ما تريد القبيلة منه الإيمان به، ويركض وراء حب "هند" ابنة الجزار، فيكون قد تجاوز مرتين، الأولى حين لم يسع للانتقام لوالده وجده، وترك أمر محاسبة الجناة للمحكمة، والثانية حين أحب فتاةً من طبقة أحقر وأدنى من طبقته. لكن حارسة الأعراف "الجدة" لن ترضخ وستحمل ثأرها مع رجال القبيلة مدبّرة خطة محكمة يزورون فيها المدينة في "نزهة عائلية"، مبيتين أمراً آخر... لا يقترب "بسام شمس الدين" في روايته مما يجري اليوم في اليمن، ولكن بلا شك أن في قراءة هذه الرواية جزءٌ كبير من الإجابة على تساؤل يراودنا كثيراً: ما سبب كل هذا العنف في عالمنا العربي؟ بسام شمس الدين، كاتب يمني من مواليد عام 1978. أصدر مجموعتين قصصيتين، وخمس روايات هي: "الطاووسة"، "الدائرة المقدسة"، "هفوة" التي ترجمت إلى الإنكليزية، "لعنو الواقف" التي حازت على جائزة دبي للإبداع الروائي 2013، وأخيراً "نزهة عائلية" التي أنجزها ضمن برنامج "آفاق لكتابة الرواية" بإشراف الروائي اللبناني جبور الدويهي. الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 208 الطبعة الأولى: 2017
يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard