شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"طبع في بيروت": تاريخ الطباعة وتاريخ المدينة بحبكة بوليسية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الاثنين 27 مارس 201704:44 م
يقدّم الروائي اللبناني جبور الدويهي في روايته الأخيرة "طبع في بيروت" تاريخ الطباعة والمطابع في لبنان من خلال حبكة درامية بوليسية وشخصيات طريفة يصعب نسيانها. في معظم رواياته يبدأ الدويهي حكايته منذ الصفحة الأولى، لا يترك مجالاً للمقدمات، بل يذهب مباشرة للحدث الذي يشكّل نقطة بدء الحبكة. "في عزّ صيف لاهب استبدّ بمدينة بيروت في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، نزل شاب مرفوع الحاجبين المقوّسين كأنه يومئ دائماً بقول لا، من باص للنقل المشترك لصق على جانبيه إعلان "لا تنسوا المخطوفين والمغيّبين قسراً ومعوقي الحرب"، وهو يحمل إلى جهة القلب من صدره دفتراً سميكاً غلافه أحمر، كمن يعلّق بعنقه يداً مصابة بكسر أو بطلق ناري". ما إن نقرأ الفقرة الأولى حتى ندرك أن فريد هو إحدى الشخصيات الأساسية في العمل، وأن الدفتر الذي يحمله هو من سيحرّك الأحداث اللاحقة. وسرعان ما يتبيّن لنا صحة ذلك، حين يصل بطلنا إلى مطبعة "كرم إخوان" بعد أن أعياه البحث عن ناشرٍ يتحمس لطباعة كتابه، فيقابل بالرفض من جديد. يعرض عليه مدير المطبعة أن يتولى مهمة التدقيق اللغوي، لتصبح هذه المطبعة جزءاً من حياة فريد اليومية، ومكاناً ستتطور فيه حبكة الرواية وتنمو. غير أننا سنكون مخطئين لو اعتقدنا أن هذه البداية المباشرة ستحافظ على استقامتها، وتمضي باتجاه هدفها مباشرة، فالكاتب اللبناني يعرف أن الرواية ليست حكايةً مثيرةً فحسب، بل هي عالمٌ كامل من الشخصيات والأفكار والأحداث التي تتفاعل جميعها مع المجتمع والتاريخ والسياسة... لذلك، يلعب الدويهي بالأزمنة وينتقل بينها بسلاسة ليسرد قرناً من تاريخ الطباعة في بيروت، منذ بداياتها مع اليسوعيين ومطبعتهم وحتى تطور هذه الصناعة وصولاً إلى وقتنا الحالي، حيث بدأت حركة الطباعة بالخفوت، مركّزاً في هذا السرد على مطبعة "كرم" التي تختزل هذا التاريخ بالأجيال المتعاقبة التي مرت عليها. "انتهت الحرب الأهلية بتدمير سبع مطابع في بيروت وضواحيها ونهب اثنتي عشرة وإقفال عدد مماثل وتقادم آلات ومعدّات غالبيتها بحيث عجز أصحابها عن تجديدها فدخل مجال الطباعة وافدون جدد كما تسلق إلى المراكز السياسية الكبيرة أمراء حرب أبعدوا الزعماء التقليديين. "مطبعة كرم إخوان، 1908" كانت من القلة القليلة التي بقيت على قيد الحياة".
حبكة درامية بوليسية وشخصيات طريفة يصعب نسيانها في رواية جبور الدويهي "طبع في بيروت"...
رواية تسرد قرناً من تاريخ الطباعة في بيروت، منذ بداياتها مع اليسوعيين ومطبعتهم إلى اليوم
تمتلئ الرواية بالشخصيات الرئيسة والثانوية، فكل شخصية ترد في حبكات الدويهي قادرة أن تتحول إلى شخصية تظل في الذاكرة طويلاً، لشدة اعتنائه بتفاصيلها. هكذا تصبح قصص هذه الشخصيات حكايات فرعية ضمن الحكاية الأساسية الكبيرة، يقدّم الكاتب من خلالها صوراً من المجتمع اللبناني بتناقضاته الصارخة. نقرأ حكايات بعض العمال في المطبعة، ونقرأ عن صاحبها الذي ورث المهنة والمكان أباً عن جد، وعن فريد الذي قبل بأن يعمل مدققاً لغوياً في البداية لكنه انتهى متورطاً في قضية تزوير عملة، إذ وقع مخطوط كتابه في يد السيدة "بيرسيفون" زوجة صاحب المطبعة، فطلبت من أحد العمال القدامى طباعة نسخة واحدة فاخرة منه على أجود أنواع الورق، في الوقت نفسه الذي كان الأنتربول يداهم المطابع التي تمتلك آلات طباعة متطورة تمكّنها من تزوير النقود بجودة عالية. تحوّل الكتاب إلى دليل إدانة لأن الورق المستخدم فيه هو نفسه الورق المستخدم في طباعة أوراق اليورو. "لم يحتج جوب فان دو كليرك إلى أكثر من مجهر من مختبر الأدلة الجنائية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ولسائل بنفسجي استخدم منه نقطتين لا أكثر على قصاصة صغيرة ليؤكد المؤكّد، أي إنه عثر على الورق المطلوب والمطابق. كتب تقريره على نسختين، واحدة رفعها إلى المدعي العام اللبناني والثانية أرسلها إلى منظمة الأنتربول وانتظر في بهو فندق "لوغبريال" ورود التعليمات من مدينة ليون". جبور الدويهي، كاتب وروائي لبناني من مواليد 1949، ترجمت رواياته إلى عدد كبير من اللغات، من بينها الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والتركية. عمل أستاذاً للأدب الفرنسي في الجامعة اللبنانية. أصدر مجموعة قصصية واحدة "الموت بين الأهل نعاس"، وقصة للصغار بالفرنسية "روح الغابة". كما نشر سبع روايات: "اعتدال الخريف" التي حازت على جائزة أفضل عمل مترجم من جامعة أركنساس في الولايات المتحدة، "ريا النهر"، "عين وردة"، "مطر حزيران" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2008، "شريد المنازل" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر 2012، كما حاز عنها على جائزة حنا واكيم للرواية اللبنانية، وجائزة "الأدب العربي" في باريس 2013، و"حي الأميركان" التي وصلت إلى القائمة الطويلة للبوكر 2015، وحازت جائزة "سعيد عقل" في السنة نفسها. الناشر: دار الساقي/ بيروت عدد الصفحات: 224 الطبعة الأولى: 2016
يمكن شراء الرواية من موقع النيل والفرات.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard