شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل نقول وداعاً لجنرال الراب في تونس؟

هل نقول وداعاً لجنرال الراب في تونس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 24 مارس 201708:07 م

"لا يمثل الفشل خطأً فادحاً إنما الخطأ هو العجز عن السيطرة على الفشل"، فرونسوا ميتيران.

كانت موسيقى الراب وسيلة استغلها الشباب التونسيون للتعبير عن مشاغلهم ومشاكلهم في ظل الديكتاتوريات. والمتمعن في العديد من النصوص التي لاقت رواجاً آنذاك، يلاحظ التكثيف من الصور، والاستعارات لتجنب التتبعات البوليسية، التي تستهدف كل رأي حر. لم يتبع الجنرال هذا النهج. فاعتمد أساساً على النقد اللاذع والخطاب الموجه إلى أصحاب السلطة. ويبدو أن هذه الشجاعة الثورية لم تنطفئ، رغم أننا نلاحظ  مجموعة من التحولات التي طرأت على موسيقاه وأسلوبه، بعد الثورة.

تكوّن الوعي السياسي

12801108_1249429498418346_997320864092805935_n12801108_1249429498418346_997320864092805935_n

بدأ حمادة بن عمر، المعروف بالجنرال، والمولود سنة 1990، رحلته مع موسيقى الراب، وهو لم يتجاوز الـ18 سنة. فمن مدينة صفاقس، انطلق جنرال البلاد سنة 2008، في عالم الهيب هوب، من خلال أول أغنية كتبها بعنوان "علاش"، التي لم يتم تسجيلها. وتأثر حمادة بالأوضاع المحيطة به، وتكوّن لديه وعي سياسي رغم صغر سنه، فاعتبر الراب وسيلة للمقاومة، ونقل الصورة القاتمة من دون أي تغييرات، أو مساحيق على عكس ما كانت تفعله الماكينة الإعلامية تحت نظام بن علي. هذه الرؤية كانت نتيجة التأثر بالرابر الأميركي المشهور توباك.

يقول الجنرال: "بدايتي مع الراب كانت في المنزل مع أخي الذي كان مغرماً، ويستمع إلى العديد من فناني الراب الأميركيين. هكذا تأثرت بهذا النمط الموسيقي، وبدأت محاولات في كتابة بضعة نصوص، كنت ألقيها أمام العائلة. بعد ذلك، في سن السابعة عشرة تحديداً، كونت مع بعض الأصدقاء وأبناء الحي مجموعة سميناها "كريم موزيك". أتذكر أننا كنا نجمع المال لنشتري ما يلزمنا للتسجيل من ميكروفون وأسلاك وغيرهما من اللوازم". كانت نصوص الجنرال نابعة من الأحياء الشعبية واصفةً كل تفاصيلها. ففي أغنية "أعمل زوم على الحوم"، مع كوستا، ينطلق الجنرال في رسم صورة مفزعة عن الحوم التونسية، كما يتنقل بين مختلف الظواهر الاجتماعية التي انتشرت في مجتمع يحكمه القمع البوليسي. "بو زوز صغار اليوم في الحبس خلى ولاده في اليتم". وتتميز الأغنية بإيقاع بطيء يتماشى مع صوت الجنرال القوي، مع خلفية نوتات بيانو إلكتروني خفيفة ومتسارعة.
&feature=youtu.be وأغنية "أحوال بلادي" تندرج في السياق نفسه، إذ يشهّر الجنرال بطغيان اصحاب السلطة، والقمع الذي يعاني منه الشباب، ويعتبر نفسه "جندياً في ساحة الحرب". كما ينقل المستمع إلى أعماق الأحياء الشعبية ليصدمه بمشاهد مفزعة من الحياة اليومية ومآسي الكادحين. تبدأ هذه الأغنية بنوتات بيانو إلكتروني حادة، ثم يصبح الإيقاع سريعاً ومتصاعداً مع صوت الجنرال المتفاعل مع كلمات نصه.
&app=desktop ولعل أبرز ما يميز هذه الفترة من مسيرة حمادة بن عمر، هو الاندفاع وعنف النصوص. فهو لا يخشى سطوة البوليس، بل يكتب ويغني ليتحدى السلطة التي سيبلغ صراعه معها ذروته، مع اندلاع أول الاحتجاجات قبيل الثورة التونسية. يقول الجنرال: "عنف البوليس كنت أراه كل يوم في زمن الديكتاتورية، فأنا أسكن حياً شعبياً في مدينة صفاقس، وكان الراب ملاذاً ووسيلة لمحاربة هذا القمع. كانت النصوص تصف واقعاً معيشياً".

 من صفاقس إلى أميركا : عالمية الراب وفضل الثورة

كان الجنرال مستوعباً للأوضاع الاجتماعية المتأزمة في البلاد، رغم حداثة سنه. وهو ما نستكشفه من أولى أغانيه التي قدمها للجمهور. لذلك كانت الأزمات التي يعاني منها التونسيون، وحالة الاحتقان، دافعاً معنوياً ساهم في رد الفعل، بأغنية "رايس البلاد"، التي ظهرت في أكتوبر 2010. وهي أغنية تميزت بإيقاعها الصاخب، ونسقها الحماسي الذي يشعل روح التمرد والثورة لدى المستمع. إذ يتوجه حمادة مباشرة إلى الرئيس بن علي، قبل فراره بثلاثة أشهر، ويذكره بكارثية الأوضاع وطغيان البوليس: "أهبط للشارع وشوف العباد ولات وحوش شوف الحاكم بالمتراك تاك تاك ماعلابالوش".
&feature=youtu.be كانت المرة الأولى التي يتوجه فيها أحد بخطاب مباشر للرئيس، ما تسبب بإيقاف الجنرال في وزارة الداخلية من 5 إلى 9 يناير 2011. حدث سينقل الرابر الشاب من صفاقس إلى العالمية. إذ ستصبح الأغنية بمثابة النشيد الرسمي للثورة، وسيصنف الجنرال ضمن أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، حسب مجلة "تايم" الأمريكية. هكذا سيصبح الراب في المقدمة، كنمط موسيقي في قلب الزخم الثوري، وسيتحول حمادة إلى رمز للشباب الثوري. عن هذه الفترة يتحدث حمادة: "كل شيء حصل بسرعة، الأحداث تسارعت ووجدت نفسي موقوفاً في وزارة الداخلية، إلى قائمة أكثر مائة شخصية مؤثرة في العالم في تلك الفترة. لم أكن أتوقع كل هذا، قمت باستغلال الفرصة للتعريف بموسيقى الراب في تونس لأنها ظلت على الهامش سنوات طويلة."

التراجع ومحاولات العودة

بعد النجاح الذي حظي به الجنرال بفضل أغنيته، أصبح وجهاً مألوفاً لدى التونسيين، كما عرف بالراب التونسي في كل أنحاء العالم. غير أنه لم يحافظ على هذا النسق، وتراجع فاسحاً المجال أمام أسماء ظهرت على الساحة بعد الثورة. وكانت محاولات حمادة للعودة إلى الواجهة من خلال الجزء الثاني من أغنية رايس البلاد، التي لم تلق رواجاً واسعاً، ولم تنجح في استمالة الجمهور، الذي أصبح منجذباً لتجارب موسيقية متعددة في تلك الفترة.
&feature=youtu.be تواصلت أخطاء الجنرال، فأعلن مساندته للمنصف المرزوقي في الانتخابات الرئاسية، من خلال أغنية بعنوان "24"، عبّر من خلالها عن توجهاته، معتبراً المرزوقي، الحل للخروج من الأزمة. كانت هذه الأغنية بمثابة قطيعة بين الجنرال والجمهور، إذ كان عرضة لنقد وتهكم الكثيرين، كصديقه الرابر كوستا، الذي هاجمه في كلاش بعنوان بيوع. واختفى الجنرال بعدها وقل إنتاجه، ليعود في 29 أكتوبر 2016 بكليب "ماشية  تزيد"، يظهر حمادة بن عمر بإستراتيجية ورؤية جديدة وكليبات بديكور غير معتاد.
&feature=youtu.be الأغنية بإيقاعها الممل والمتكرر مع الكلمات المستهلكة تدل على سقوط الجنرال في فخ استسهال الكتابة، والبحث عن أكبر عدد ممكن من المشاهدات، ما سيتأكد كذلك مع آخر كليباته دنيا. "مع اندلاع الثورة، حلمت بالتغيير، لكنني اصطدمت بواقع مخيف. عادت ماكينة النظام السابق أقوى مما كانت عليه، وهذا ما دفعني لمساندة المنصف المرزوقي ضد الباجي قايد السبسي، بما أنه أحد رموز الحقبة البورقيبية. أما عن آخر أغنياتي فأنا أسعى للعودة إلى المقدمة، وأنصاع لما يطلبه الجمهور من دون التخلي عن المبادئ التي أدافع عنها". هكذا قيّم الجنرال مسيرته وموسيقاه في فترة ما بعد الثورة. بلغ الجنرال المقدمة ونال شهرة واسعة وفتح المجال أمام الراب التونسي ليصبح عالمياً، إلا أنه لم يحسن المحافظة على مكانته على الساحة بسبب اختيارات وحسابات خاطئة. فكانت العودة متسرّعة من خلال أغان تجارية، تطغى عليها الإيقاعات السريعة، ومقاطع موسيقى إلكترونية موظفة بطريقة غير مدروسة، مع غياب كلي للبحث على مستوى الكلمة.
إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard